حيدوشي الفنانة الكفيفة التي أبصرت الجمال بإبداعات “المكرامي”

ســعــاد تـقـيـف :
عدســة : مـحـمـد أيت يـحـي :

تؤكد تجربة الفنانة التشكيلية والمصممة المغربية مليكة حيدوشي، والموظفة بوزارة التجارة الخارجية في الرباط، والكفيفة التي لامست عوالم النور من خلال إبداعاتها رغم الإعاقة البصرية، أن التميّز والإبداع لصيقان بذوي الاحتياجات الخاصة، إذ أن معاناتهم وظروفهم الصعبة والمتاعب التي يتعرضون لها يوميا ، تضعهم في خضم معركة تحدي للإعاقة، تستحق الإعتراف والتشجيع، وتستوجب الكتابة والتدوين، لكون العديد منهم ومنهن دخل دائرة الضوء ، على غرار الفنانة حيدوشي التي حولت إعاقتها البصرية إلى طاقة للتميز وعالم من الإبداع واستمرارية منتجة في الإنجاز الفني المميز في فن المكرامي. فمن خلال أنشطتها الثقافية وتحركاتها الإبداعية، ولقاءاتها التواصلية وإبداعاتها المتعددة في فن المكرامي كفن يعتمد على تصنيف وتطريز الديكورات من خلال الربط والعقد ،حيث تؤكد المكفوفة الفنانة مليكة حيدوشي أن إبداعاتها وتصميماتها هي عينيها على الحياة والناس ، وأن حاسة الإبصار التي فقدتها فجأة إثر حادثة ألمت بها، أثناء ممارستها لرياضة الجمباز، عندما كان عمرها 20 عاما في ريعان الشباب، مكنتها من حصولها على دقة البصيرة مما مكنها أن تدخل عالم تصاميم “المكرامي” والأشغال الفنية، معتبرة أن إعاقتها نقطة إيجابية في حياتها، أسبغت عليها صفات عدة، منها الاعتماد على العقل والتحلي بالصبر وإثبات الذات والثقة بالنفس وتحدي الشعور بالعزلة، فضلاً عن تحقيق النمو الاجتماعي.


هـــذا، ومما يفيدُ أن التميز الإبداعي لدى الفنانة المصممة حيدوشي ليس قاصراً على فئة بعينها من دون غيرها، كما أنه ليس غريباً على فئة المكفوفات والمكفوفين في شتى القطاعات والمجالات،نتيجة حسهم المرهف، وذهنهم الوقاد، وصفاء سريرتهم وحسن إستعمال أصابعهم، ولعل تجربة الفنانة المصممة التشكيلية حيدوشي أحسن برهان على ذلك، حيث تحدت إعاقتها البصرية بتصاميمها الفنية التي أبهرت بها مختلف عشاق فن «الماكرامي» من الجماهير على مستوى مختلف الفئات، إذ انخرطت حيدوشي بتجربتها الإبداعية وتركيزها الفني على تصاميم «الماكرامي» بأناملها في مجال فني يحتاج للبصر وتسلحت بعزيمتها وارادتها التي طمست معالم اليأس وحاربت درب المستحيل، من غير تردد أو خوف ، وفي مواصلة دؤوبة لمسيرتها، صقلت طموحها وعبرت عن رغبتها الفنية، فقررت ترويج موهبتها الفنية من خلال مشاركاتها الثقافية والفنية في أكثر من ملتقى بالوطن وفي الخارج .


في ذات السياق، تؤكد الفنانة مصممة المكرامي على أهمية الالتفات الى ذوي الاحتياجات الخاصة، لا سيما المكفوفات والمكفوفين باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من المجتمع المغربي الذي ينتمون إليه، وكفئة مجتمعية، لها قدراتها وإبداعاتها التي تستطيع من خلالها خدمة المجتمع، داعية في السياق ذاته إلى ضرورة الالتفاف على الموهوبين من ذوي الإعاقة وتعزيز طاقاتهم وتوظيفها، بما يخدم المجتمع ويعود بالمصلحة العامة على الوطن، من خلال تخصيص دورات تدريبية للموهوبات والموهوبين من فئة المكفوفين تروم تعزيز وتنمية إبداعاتهم، فضلا عن أهمية توفير متدربين متخصصين في مجال فن “المكرامي”، ممن يجيدون كيفية التعامل مع الناشئة من المكفوفات والمكفوفين الموهوبين وتطوير طاقاتهم وتوظيفها.
كما توجه الفنانة التشكيلية والمصممة المغربية مليكة حيدوشي، رسالة إلى المسؤولين عن الشأن الثقافي والمعنيين بذوي الإعاقة قصد النظر إلى الموهوبين من فئة المكفوفات والمكفوفين وتبني مواهبهم، وإبرازها وتطوير مهاراتهم من خلال تنظيم دورات تكوينية في فن “المكرامي” ، فضلاً عن تشجيعهم على الانخراط والاندماج مع غيرهم من المبصرين ، ليكون لهم دور بارز في تنمية المجتمع وتحقيقاً لمبدأ تكامل الأدوار وتكافؤ الفرص بين الجميع.


وتكشف حيدوشي عن تجربتها مع الإعاقة البصرية، من خلال إبداعاتها المتنوعة في فن المكرامي، لتبرز أن هذا الأخير فن لا يقل اهمية عن تنوعات “الكروشيه” وتنويعات التطريز، فهو فن تطور من عصر لاخر، فتحول من تشكيلات يدوية تعلق على الجدران الى فن تحمل منتوجاته النباتات في الحدائق والملاعق والمناشف في المطابخ، و اكسسوارات وحلي وحقائب يدوية ،وعلب ،وسلال ،وزهور، وستائر، بل إرتقى ليكون ملابس نسائية وجاكيتات للاطفال، تنطلق كمادة خام من متاجر بيع مستلزمات الخياطة ، لتتحول بأنامل وخبرة وإبداع الفنانة التشكيلية والمصممة المغربية مليكة حيدوشي إلى أسرار من روعة المكرامي ، تتألف ضمنها سمفونية من العقيق، والأحجار الكريمة والعقد ، في توليفة رائقة تجمع الرقيق إلى السميكـ والخشن مع الاملس .


وعن مشاركتها في الفعاليات والأنشطة الخاصة بالموهوبين من المكفوفين والمبصرين على حد سواء ، تؤكد فنانة المكرامي أن مشاركتها المحلية والوطنية والدولية في المعارض وفي أوراش العمل، تشكل مبادرات لصقل التجارب وتوسيع مشاركاتها التواصلية الثقافية، وأن إعجاب الجمهور يزيدها تعلقا بتجربتها الفنية ، وتعلقا بأهمية دور أسرتها في حياتها ، وتشجيع أبنها في المضي نحو العطاء وقصد التقدم والتطور، لكون الحياة في نظرها سلسلة من الأفكار والمحطات المتنوعة التي لا تختلف عن جمالية وتنويعات تحف وصنائع المكرامي ، كلاهما يتطلب الإستمرار خطوة بخطوة ، فمسافة المائة ميل تبدأ بخطوة واحدة .

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.