سر الصقيع الذي يُخيم على مراكش

محمــد القـنــور ‏:

    عدسة : محمد أيت يحي :‏

عبر طُرقٍ ومسالكَ شديدة الوعورة، تمتد ما بين جماعات “تيخْفَست” و”أوكايمدن” ومابين ‏جماعة “تدارت” وممرات “تيشكا” نزولا إلى جماعة أيت حكيم بجهة مراكش آسفي، كان ‏الثلج في كل مكان، وكنت والزميل المصور أيت يحي، ومرافقنا الحاج محمد أويحي،وقد ‏تنفسنا ثلجا، ولبسنا ثلجا، وإفترشنا ثلجا، وشربنا ثلجا..

كانت الرياح القارسة تضرب في ‏وجوهنا مباشرة، وسحب الثلج تلتف في دوامات حولنا في كل اتجاه، حتى أننا لم نعد ندري فيما إن كان هذا الثلج يتساقط من السماء أم يتصاعد من الأرض..
وعلى كل حال ، فقد كانت الرؤية صعبة ، وتكاد ‏تكون معدومة تماما لكثافة الضباب الثلجي، فلم أكن أرى شيئا من تلك الأشجار ولا من ‏تلك السواقي والأَكَمات الصغيرة التي كنت أعرفها، ولا من الحقول والغابات وأعمدة ‏الكهرباء وسقوف المنازل الصامتة والأكواخ الخجولة المنزوية على حافات جبال الأطلس الكبير ‏العملاقة .‏

تذكرتُ أبا الطيب المتنبي شاعر العربية الأكبر ، عندما كان شابا في مقتبل العمر، شاعرا ‏متسكعا يجول في البلدان،ويجوبُ الآفاق، بَاحِثا عن موطأ قدم في عالم القرن الثالث الهجري، المملوء ‏بالنَّعرات والصراعات الطائفية، وإرهاب القرامطة والحشاشين لاحقا، ولم يكن المتنبي بعد ‏ثريا ولا شهيرا،ولم يدخل بَعْدُ ضمن جماعات أثرياء عصره، وقد مر على شِعاب لبنان ‏في فصل شتاء قارس، وعبر عن صعوبة الطريق في الثلج،وما تجشمه من صعاب ‏للوصول إلى ممدوحه الكاتب أبي علي هارون بن عبد العزيز الأوْارَجي، وكان من ‏رجالات دولة بني حمدان، وكان تقيا ونابها، وكان شهما ومعروفاً بميله للفضائل وللتصوف، وقد ‏إستقبل هذا الرجلُ ، أبا الطيب فأحسن ضيافته …. فما كان من الشاعر الشاب الهارب ‏المتسكع، إلا أن خلد ذكره في الصالحات ، بقصيدته :‏

بَيْني وبَينَ أبي عليٍّ مِثْلُهُ…………………شُمُّ الجِبالِ ومِثْلُهنّ ‏رَجاءُ

‏ فأنشد في نفس القصيدة : ‏

وعِقابُ لُبنانٍ وكيفَ بقَطْعِها ………………. وهُوَ الشّتاءُ وصَيفُهُنّ ‏شِتاءُ

لـــبَسَ الثُّلُوجُ بها عَليّ مَسَالِكي …………… فَكـــَأنّها بِبيَاضِها ‏سَوْداءُ


ولقد فكرتُ في قـَـرارة نفسي أثناء الطريق، بهذه الصورة الجميلة التي جعلت الشاعر ، ‏يحول بياض الثلج إلى سواد، حيث أن الطريق خَفِيَ عليه في هذه العقاب والشِعاب ‏البيضاء بفعل تساقط الثلوج ، فأصبحت رغم بياضها الشديد، سوداء ومظلمة لا يعرف ‏منها أين يتجهُ، وكأنه قد أصبه عَمَى الثلج la cécité‏.‏

.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.