تدابير وقائية ضد الأوبئة سجلها التاريخ للمغرب

هاسبريس :

توالت الأزمات والابتلاءات والمحن التي أصابت البشرية عبر تاريخها الطويل، ونزلت بها شتى صنوف الابتلاء؛ كالطواعين والمجاعات والفيضانات والزلازل والجفاف وغير ذلك. وبالطبع، فقد نال المسلمين عبر تاريخهم الطويل، حصتهم من تلكــ الجوائح، وسجل تاريخهم أحداثا ووقائع ، سسجلت آثارها مؤلفات المؤرخين ووردت على ألسنة الشعراء والأدباء. ولعل أكثرها فتكاً كان مرض “الطاعون” الذي انتشر أكثر من مرة في المغرب والأندلس ومصر والشام والعراق، وقتل ألوفاً من سكانها.

وقد قدم المؤرخون ممن عاصروا تلك الأحداث صوراً متنوعة عن تلك الأوبئة وآثارها وعواقبها في سائر أرجاء الأرض، مثل الطبري والمسعودي والسيوطي والمقريزي وابن “تغري بردي” و”ابن كثير” و”ابن إياس” والرحالة المغربي “ابن بطوطة” وابن عذارى المراكشي، كما بحثت في ذلك كتب النوازل الفقهية للونشريسي وابن رشد وغيرهم… ونظراً لما تركت تلك الأوبئة من آثار في التاريخ الإسلامي نظراً لانعكاسها على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأخلاقية للمجتمع الإسلامي خصوصا والإنسانية عموما .

وعلى غرار باقي دول العالم، فقد مر تاريخ المغرب بالكثير من الأوبئة نتيجة الحروب والمجاعات والجفاف في عصر المرابطين والموحدين وفي عهد بني مرين وحتى الفترة الحديث، ولعل من أهمها طاعون عام 571هـ، الذي انتشر في بلاد المغرب والأندلس ، والذي يعتبر أهم طاعون عرفه عصر الموحدين، حيث كانت له نتائج كارثية ولم يسلم منه أحد حتى أن أربعة أمراء من إخوة الخليفة الموحدي يوسف بن يعقوب ماتوا فيه، بينما كان يموت بسببه ما بين 100 و190 من عامة الناس في اليوم الواحد حسب ما أورده عبد الإلاه بنمليح .

فقد حدث أن ضرب الطاعون المغرب عام 1798م، بعدما انتقلت العدوى إليه، من خلال التجار ممن حملوه معهم من الاسكندرية إلى المغرب، حيث تفشى الطاعون في فاس ومكناس ووصل إلى الرباط ، فكان يخلف حسب المؤرخ البزاز، مايربو عن  130 ضحية في اليوم.

كما أورد ابن عذاري المراكشي في سياق التأريخ لحوادث الأوبئة في الأندلس في أواخر القرن الخامس الهجري، القرن الحادي عشر الميلادي أنه في سنة  498 هـ الموافقة لسنة 1105م تناهى القحط في بلاد الأندلس والعدوة حتى أيقن الناس بالهلاك”، ولا شك أن ما أعقب كارثة القحط من مضاعفات سكانية واقتصادية بكل من المغرب والأندلس، كان بمثابة الشرارة المهددة لسلسة من الكوارث الطبيعية المتلاحقة، حيث كلما حدث اضطراب مناخي كان يدل في ذهنية إنسان تلك المرحلة على ظروف معيشية ونفسية وصحية أصعب، وفي نفس تلك الفترة أصيب المغرب والأندلس بسلسلة من القحوط والمجاعات في الربع الأول من القرن السادس الهجري، القرن الثاني عشر الميلادي، حيث اجتاح جفاف شديد مدينتي فاس وغرناطة عام 524 هـ/ 1130م، وفي عام 526هـ/ 1132م اشتدت المجاعة والوباء بالناس في قرطبة، وكثر الموتى وبلغ مد القمح خمسة عشر ديناراً. واستمرت موجات الكوارث الطبيعية في العدوتين  الأندلس والمغرب وخاصة في فترات المواجهة العسكرية التي عرفت تناوب مستمرحسب المؤرخ المغربي الطيب البياض .

هــذا، وقبيل انتشار الطاعون  في المغرب سنة 1798م، استطاع المغاربة تطبيق حجر صحي واتخاذ إجراءات للوقاية من الوباء الذي قدم من الشرق، فهم وإن لم يستطيعوا أن يتفادوه ولكنهم استطاعوا تأخير قدومه عدة سنوات، فهذا الطاعون أول ما بدأ في الإسكندرية في عام 1783م. والذي ساهم في تأخير قدوم الوباء مجموعة التدابير التي اتخذها السلطان سيدي محمد بن عبدالله لوقاية مملكته من الوباء المتفشي في الجزائر وذلك بأن أقام نطاقاً عسكرياً على الحدود الشرقية للمغرب، وبدأت الهيئة القنصلية المقيمة في طنجة في عام 1792م باتخاذ اجراءات صحية وقائية على الواجهة البحرية، بعد أن استطاعت انتزاع موافقة من خلفه السلطان مولاي سليمان على فرض حجر صحي ضد الجزائر التي كان الوباء فيها قد تفشى آنذاك .

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.