قبل ساعات ونحن على مائدة الغذاء، إقترحت كل من الصديقتين، الأستاذة فوزية حدوكة، الفنانة التشكيلية المغربية، ومديرة المعهد الموسيقي بمراكش والأستاذة السعدية الهزميري، المستشارة الجماعية، ومديرة مؤسسة رياض الزيتون التربوية والمهنية،والواقعة على جماعة أغمات، بإقليم الحوز، على رائدة العمل الجمعوي بجهة مراكش آسفي خصوصا،وبعموم التراب الوطني، السيدة زهور السبتي العلمي، فيما إذا كان من الأصلح إطلاق إسمها، على مؤسسة رياض الزيتون، فكان جواب هذه السيدة التي غطت شهرة عملها الجمعوي مختلف الآفاق الجهوية والوطنية، أنها لم تؤسس هذه المؤسسة لتخليد إسمها، وإنما لخدمة الصالح العام التربوي والتأطيري .
وطبيعي، فإن إحساسا شفيفا سَرَى في أوصالي، وفرحة عارمة غمرت قلبي، ثم تملكتني الدهشة، وأخذني الإعجاب بها، وأنا أسمع هذا الجواب الحكيم، من سيدة تجاوزت عقدها التاسع، والمليء بالفضيلة والخير والعاطفة ونكران الذات، من سيدة نضالات ميدانية، من العيار النبيل، قوية السريرة متوقدة الذهن، يقظة الضمير، باسمة الثغر، أنيقة ومهذبة، تواقة نحو تلك الوطنية الصادقة، ومتوجة بتثمينها للذكاء الجماعي وتقاسم الأفكار، وبأهمية تضافر الجهود، و روح المبادرة التي تظل حجر الزاوية في تحقيق كل مساعيها التنموية لأكثر من ثمانية عقود، منذ أن وعت عن الحياة العامة. إنها تلكــ الحياة التي أسس لها القياديات المعلمات والقادة المعلمون الرواد الأوائل بالمغرب في المجتمع والفكر والسياسة والإقتصاد والثقافة والرياضة.
ومهما يكن، فإن شغفا ظاهرا، لا تخطئه العين، ظل يدفع السيدة زهور السبتي العلمي إلى التطوع وإلى العمل الاجتماعي، منذ أن فتحت عينيها على الحياة في منزل والدها بمدينة فاس، بين خمسة إخوة ، وأربعة أخوات،وتلقت دروسها الوطنية الأولى، في بيت والدها، وفي منزل عمها الذي لم يرزق بالذرية، والذي إستأذن والدها من أجل تبنيها وتربيتها، وفي خضم بوادر الحركة الجمعوية النسائية الأولى، التي قادتها الراحلة، والزعيمة النسائية المغربية، مليكة الفاسي.
ولقد بدا لي، ونحن الأربعة نتجاذب أطراف الحديث أن عناوين الشغف والتضحية والعزم على مواصلة البناء، تتلخص في حياة هذه الرائدة الجمعوية ، وأن الطاقة الإيجابية ونجاعة التصميم وعقلانية الطموح، تطبع حياتها، حيث لم تدخر “للازهور” السبتي من جهدها ولا من وقتها شيئا، ساعية نحو تأهيل الفتيات ، نساء المستقبل وأمهات الغد، ممن هن في وضعيات صعبة والشابات من غير المتمدرسات، ومتحدية في كل ذلكــ ، جميع أشكال العدمية والخمول، والإسهام في توطين بدائل تربوية تأطيرية وسوسيو اقتصادية لفائدة الناشئة والفتيات والنساء من الساكنة المحلية سواء ببلدة أغمات ، أو بالدواوير المحيطة بها،على تراب إقليم الحوز.
هذا، وقد برزت فكرة إنشاء مؤسسة رياض الزيتون في ضمير زهور السبتي العلمي كمؤسسة تربوية وتكوينية في شهر أبريل 1997، فقد خرجت ذات صباح، من مزرعتها الواقعة في نفس المنطقة، بدوار الحسانية في جماعة أغمات، لتتجول ماشية في الأرجاء، فوجدت في طريقها فتيات صغار يجمعن ماتبقى من حبات الزيتون المتساقطة بعد جني أشجاره، فسألتهن وقد إسترعى إنتباهها صغر سنهن، وإستفسرتهن فيما إذا كن لا يذهبن للمدرسة، فكان الجواب بأنهن لا يفعلن، وكان مجرد هذا الجواب كفيلا في أن تعزم الأستاذة زهور السبتي العلمي على الشروع في بناء المؤسسة مابين غشت 1997، ويناير 1998، لتشرع المؤسسة في عملها التربوي التكويني في 2 فبراير من ذات السنة المذكورة، بعد أن تم تدشينها في 12 مارس 1998، كما حظيت بزيارة ملكية لعاهل البلاد، جلالة الملكـ محمد السادس، نصره الله .
ولأن مؤسسة رياض الزيتون في أغمات، ليست سوى إمتداد لمؤسسة عملت جاهدة على تأسيسها وحملت إسم شقيق “للازهور” الراحل الشهيد الطاهر السبتي، ذاكـ المناضل الوطني، الذي إغتالته عصابات المستعمر الفرنسي، في أربعينيات القرن المنصرم، بعدما تلقى صدره فداء للوطن ومقدسات الوطن بإثني عشر رصاصة، فإن رياض الزيتون تشمل مجالات الإدماج الاجتماعي ودعم النساء ممن هن في وضعية الهشاشة، والتدريس باللغة العربية وباللغة الفرنسية والتكوين المهني المتلائم مع حاجيات سوق الشغل، لا سيما في مجالات الطبخ والفندقة والخياطة والحلاقة، فضلا عن تلقين الفنون التعبيرية والتشكيلية، وآليات التعبير عن الذات، ولأنها قررت أن تخوض التحدي بكل مواصفاته ، وأن تذهب إلى أبعد مدى فيه من خلال تطوير الناشئة وصقل مواهبهم وتقوية معارفهم ، فقد باشرت هذه المرأة التسعينية العديد من المبادرات التي همت مواكبة وتأهيل الشباب والفتيات غير المتمدرسات بالمنطقة حتى يتمكنوا من إطلاق مشاريعهم الخاصة في ظل التوجه المتزايد لعالم الشغل نحو الإتقان البارع والكفاءة والمهارة.
وعلى كل حال، فقد كتب أمير المؤمنين، جلالة الملك المغفور له، الحسن الثاني طيب الله ثراه، خلال زيارته للمؤسسة الأم، الطاهر السبتي في الدار البيضاء، في 21 مارس 1966 : “أنها لمفاجأة سارة، تلك التي قابلتني في مؤسسة الطاهر السبتي، بالجهود التي شاهدتها والمجهودات التي وقفت عليها، وما واكب هذا كله من مشاعر البر وإرادة إبراز شخصية المرأة المغربية، وإشراكها في الميادين التربوية، كل هذا يجعلنا نبارك خطوات هذه المؤسسة ونعدها بإعانتنا وعطفنا وتشجيعنا وخاصة للساهرة عليها السيدة زهور السبتي” .
ولأن الأستاذة زهور السبتي، سيدة مغربية لها مالها وما عليها من رمزية وطنية جمعوية نشيطة، فإنها لا تستسيغ مظاهر الكسل والتراخي، بل تجزم في أن “التطوع هو أب الفضائل”، لا سيما حين يحركه الانخراط الجاد والمثابرة وحب العمل الميداني، وتحقيق مشاريع التنمية السوسيو اقتصادية، وفك العزلة عن الوسط القروي.
وطبيعيٌّ، فمن خلال إبتساماتها المشرقة وحركاتها الهادئة، وقوة ذاكرتها، وكلماتها الحكيمة وعباراتها البليغة، فإن ملامح النجاح ومظاهر التميز في حياة هذه السيدة للا زهور السبتي بادية للعيان، كما أن هذا النجاح وذاكـ التميز الذي يطبع كل شيء في أعمالها ومبادراتها، لم يأت بمحض الصدفة ولا نتاج إرادة متراخية ، فالحياة أينما كانت وكيف ما كانت لا تخلو من الإكراهات والعوائق، ولكن سر “للا زهور” يكمن في العمل الجاد، وفي إرتباطها بمعاني التربية على احترام الآخر ونكران الذات وإثراء الشخصية والمواطنة والدفاع عن القيم الإنسانية لتحقيق الأهداف المنشودة، والالتزام القوي بالتوابث الوطنية، مما ورثته عن شريكـ عمرها، ورفيق دربها، زوجها الفقيد البطل، الجنرال إدريس بنعمر العلمي، يرحمه الله ،أحد مفخرات القوات المسلحة الملكية.