مؤسسة النواة للحقوق والتنمية تضع فصول القانون الجنائي 490 إلى 493 تحت التشريح القانوني والسوسيو إقتصادي والثقافي

مـحـمـد الـقـنـور :

عــدســـة : بـلـعـيـد أعـراب :

نظمت مؤسسة النواة للحقوق والتنمية ورشة تفاعلية بمركز محمد السادس للمعاقين في مراكش، حضرتها العديد من الفعاليات الحقوقية ، والأوساط الأكاديمية،والجهات القانونية، وممثلي بعض المنابر الإعلامية، والفئات الطلابية الشبابية، والدوائر التربوية والأطياف الحقوقية الجمعوية،حيث تم تقديم عرض تأطيري للأستاذة الإعلامية والخبيرة الكوتش حنان التاجر، من إعداد أطر مؤسسة النواة للحقوق، تحت شعار الحماية بدل السجن،تناول كيفيات إسهام تجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج في ارتفاع العنف ضد النساء.

وأبرزت الأستاذة حنان التاجر، أن هذا العرض يستعرض خلاصات بحث ميداني قامت به كل من مؤسسة النواة للحقوق و التنمية من إقليم شيشاوة وجمعية أمل للمرأة و التنمية من مدينة الحاجب، وفيدرالية رابطة حقوق النساء بورزازات،وجمعية تفعيل المبادرات من مدينة تازة، وجمعية المحصحاص للتنمية البشرية بالعرائش،وجمعية صوت النساء المغربيات من مدينة اكادير.

وأشارت التاجر،أن هذا البحث الميداني تم إجراؤه بــ 16 مدينة و قرية في 6 في مناطق مغربية بالشمال الغربي،والأطلس المتوسط،وجهة مراكش آسفي،ومدينة ورزازات،وبمدينة أكادير ومنطقة ماسة،وعلى مستوى أقاليم ومدن الشمال الشرقي.

وتناول العرض التعريف بالبرنامج، وبأهدافه، وإطاره القانوني،الرامي إلى تحليل مقتضيات الفصول من 490 إلى 493 و انعكاسها على إعمال القانون 103-13، حيث تم تسليط الضوء على مدى تأثير فصول القانون الجنائي المعنية التي تجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وانعكاسها على إعمال مضامين قانون 103-13 المتعلق بمناهضة العنف الممارس ضد النساء، ضمن دراسة وتحليل كيفية تعامل وتجاوب السلطات العمومية مع مختلف القضايا ذات الصلة بالمواد التي تجرم العلاقات الجنسية خارج نطاق الزواج.

وتطرقت الزميلة حنان التاجر بالعرض المذكور، إلى تقديم مقترحات ضمانا لإعمال المغرب التزاماته الدستورية ومصادقته على العديد من الإتفاقيات الدولية، الرامية إلى “بذل العناية اللازمة” من أجل الحد من قضايا العنف ضد النساء، وحماية الضحايا ومنع العنف ومحاكمة المعتدين ومعاقبتهم، مع تقديم سبل الانتصاف والتعويضات المناسبة لهؤلاء النساء، وتكريس القضاء على جميع اشكال التمييز ضد النساء، حيث تناولت مضامين الفصل 490 من القانون الجنائي المغربي ، الذي يجرم كل علاقة جنسية خارج إطار الزواج ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة، ومضامين الفصل 491 والفصل 492 اللذان يعاقبان بالحبس من سنة إلى سنتين على الخيانة الزوجية ، حيث تكون المتابعة في هذه الحالة، بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج. الذي يمكنه أن يتنازل عن شكايته.

وأكدت التاجر، أن نسبة أكبر من القضايا الجنائية في الجرائم “الماسة بالأخلاق العامة” والقضايا المرتبطة بجرائم العنف المرتكبة ضد النساء، تكشف اختلالاتها الحقوقية والإنسانية من خلال الآثار والانعكاسات التي تسببها المتابعة الجنائية بتهم العلاقة الجنسية خارج إطار الزواج وما ينتج عنها من أمراض نفسية على غرار الاكتئاب، والقلق النفسي والتوتر، والانطوائية والرغبة في العزلة عن المجتمع، والخوف و محاولات الانتحار، ثم الأضرار الاجتماعية الناتجة عن تنكر العائلة، وتغيير مكان الإقامة و المدينة، والاستهداف الدائم لتنميط المجتمعي لهؤلاء النساء الضحايا، وصم عائلتها بالعار، وما إلى ذلك، فضلا عن الاضرار المهنية الناجمة عن فقدان العمل بسبب الطرد من طرف رب العمل، وصعوبة إيجاد عمل باعتبارهن من ذوي السوابق السجنية، والتخلي عن العمل بسبب تغيير مكان الإقامة، أو الأضرار الاقتصادية حيث تصبح هؤلاء النساء ضحايا لمختلف أشكال الاحتيال من طرف أزواج وهميين ممن يستولون على ممتلكاتهن و أموالهن؛ كما تشكل النتائج المترتبة على هذه الأحكام، أضرارا على الطالبات والتلميذات بالنظر إلى دراستهن، حيث ينقطعن عن الدراسة، أو يطردن من الصفوف التعليمية، في غياب تمكينهن من شهادة المغادرة، فضلا عما قد يتعرضن له من أنواع العنف دون أية حماية، من طرف أسرتها أو من طرف أزواجهن وأسرهن.

كما كشفت التاجر من خلال العرض الذي أعدته جمعية النواة للحقوق والتنمية، أن الأضرار المرتبطة بالأبناء و بالنسب، تؤدي إلى حرمان الطفل من النسب، وبالتالي حرمان الأمهات من الحضانة أو حق الزيارة، والتخلي عن أبنائهن في المستشفيات،في المقابل، يُسَجَّل الغياب لأضرار فعلية بالنسبة للرجال المتورطين في القضايا المرتبطة بالفصلين 490-491، إذ في قضايا الخيانة الزوجية غالبا ما تسحب الزوجة شكايتها ضد زوجها،مع صعوبة إثبات قضايا الاغتصاب وبالتالي تبرئة المعتدي أو حتى عدم متابعته أصلا.

وأشارت التاجر،من خلال العرض الذي أعدته مؤسسة النواة للحقوق والتنمية، إلى تهرب معظم الأزواج “الوهميين” من ذوي الزيجات بالفاتحة” من الواجبات و الالتزامات المالية وغيرها التي تترتب عادة عن الزواج الفعلي،مما يجعلهم “يستأسدون” ويواصلون استغلال الثغرات القانونية،والإستمرار في ارتكاب هذه الجرائم، سواء ضد نفس المرأة أو ضد نساء أخريات،مما تنتجُ عنه انعكاسات حول سبل إثبات جريمتي الخيانة الزوجية أو الفساد الواردتين في الفصلين 490 و 491 من القانون الجنائي المغربي، حيث يتم إثبات الجريمة اعتمادا على محضر ضابطة الشرطة القضائية، حيث يمكن إثباتهما اعتمادا على اعتراف المُتابع بإحدى الجريميتين، إذ تعتبر حالة التلبس عند إيقاف طرفين معا في مكان معزول أوفي حالة وجودهما معا في “ملابسهما الداخلية”، أو من خلال رسائل أو أوراق صادرة عن المتهم أو اعتراف قضائي.

فضلا، على أن إلزامية النيابة العامة والقضاء بالبث في القضايا المرتبطة بالفساد والخيانة الزوجية، تتم من خلال محضر ضابطة الشرطة القضائية أو تصريح الضحية بالمعرفة المسبقة بالمعتدي في إطار شكاية بالتعرض للعنف أو اللجوء للعدالة من اجل الإنصاف في قضايا أخرى.

هذا، وأفادت التاجر، أن الفصول من 490 إلى 493 ،من القانون الجنائي المغربي، تؤثر على إمكانية ونجاعة ومردودية الفاعلين العموميين، فعلى مستوى الصحة تشكل عائقا للمهنين من أطباء وممرضين وإداريين، لكونها تتطلب منهم تمكين النساء و أطفالهن من مختلف الخدمات الإستشفائية، و الفحوصات المخبرية المعمقة و التطبيب و آليات العلاج اللازمين، مما يستنزف نسبة مهمة من عمل هذه الأطر الصحية ،كما تواجه المصالح الأمنية والدرك الملكي مُعضلة الاختيار ما بين حماية النساء من المتابعة الجنائية بدلا من حمايتها من المعتدي ومن العنف، وإخبار ضحايا العنف بخطر المتابعة القضائية بسبب علاقتهن خارج إطار الزواج إذا تقدمن بشكوى، حيث يتم اللجوء إلى تفضيل عدم التعمق في التحقيق لعدم إثبات وجود علاقة سابقة بين الضحية المُعنفة و بين المعتدي.
وأمام صعوبة إعتقال الطرفين أثناء الفعل نفسه، تكتفي بعض المحاضر الأمن والدرك الملكي بوصف “وجود الطرفين معا في مكان معزول” وجودهما بــ”ملابس داخلية” ، كما يتم تصنيف بعض قضايا العنف على أنها علاقات جنسية خارج إطار الزواج بسبب إكراهات نقص الموارد البشرية، ونتيجة مطالبتهم من طرف النيابة العامة بالسرعة في الأداء و تفادي تراكم الملفات، وصعوبة الحصول على أدلة تـُـثبت وقوع العنف،مما يستنزف نسبة مهمة من وقت وجهود ومبادرات هاتين السُلطتين.

في ذات السياق، تسردُ حنان التاجر، في عرض مؤسسة النواة للحقوق والتنمية،أن النيابة العامة تجدُ نفسها،أمام أداء دورها القانوني،وإجبارية إعطاء الأولوية لتطبيق الفصلين 490 و 491، اعتمادا فقط على تصريح الضحية أمام الضابطة القضائية بمعرفتها المسبقة بالمعتدي، أو على محضر الضابطة القضائية، مما يحول دون البحث المعمق فيما إذا حصلت جرائم أخرى كالعنف أم لا؛ وهو ما يفسر صعوبة تمكين النساء من التدابير الحمائية الغير موضحة بالقانون 103-13؛ ويستنزف نسبة مهمة من وقت النيابة العامة.

وإرتباطا بنفس الموضوع، يؤدي إلتزام القضاة على التقيد الصارم و الحرفي بالفصول 490 إلى 493، حتى في حالات العنف،إلى تقليص قدرة القضاة فيما يتعلق بتعميق البحث أو اعتماد سلطتهم التقديرية فيما يخص الأخذ بالقرائن،مما يؤدي إلى إستنزاف وقتهم، ومجهوداتهم.

من جهتها، أبرزت الأستاذة أمينة بيوز، رئيسة جمعية النواة للحقوق والتنمية،والفاعلة الحقوقية، أن تجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج ، أو ما يعرف بالفساد و الخيانة الزوجية يحول دون تبليغ الضحايا عن ما يتعرضن له من مختلف أنواع العنف وبالتالي، تُحرم هذه الأحكام المرأة من حقها في الحماية والوقاية والإنصاف والتعويضات المناسبة، مؤكدةً،أن تجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج (الفساد) والخيانة الزوجية تُمكن و تُسهل و تُبيح وتُشجع على العنف الممارس ضد النساء،إذ عادةً، ما تُستخدم من طرف بعض الرجال كأداة لارتكاب مجموعة متنوعة من أشكال العنف ضد النساء،مع تملص الجاني من جرائمه و إفلاته من العقاب المتعلق بالعنف الجنسي، أو الإبتزاز، أو التدليس، أو حتى السرقة…. حيث في كثير من الحالات، ما تُلاحظ النية الإجرامية أو القصد الجنائي غائبا لدى النساء اللواتي تتم متابعتهن بتهمة العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، على الرغم من أن القصد الجنائي هو أحد العناصر المكونة للجريمة.

وشددت الأستاذة أمينة بيوز، على أن مقتضيات الفصول من 490 إلى 493 بالقانون الجنائي المغربي، أصبحت وسيلة لتملص الجناة من واجباتهم و التزاماتهم القانونية حسب قانون الأسرة، وسببا للعديد من الإضرار للأبناء، وتضيف بيوز أن الفصل493 يلعبُ دورا سلبيا في تقييد حريات السلطات العمومية المعنية بالتوسع في البحث و التقصي واعتماد مختلف الإثباتات لإبراز براءة الضحية و جرم المعتدي.

وخـَـلُصت بيوز أن مقتضيات الفصول من 490 إلى 493، تُشجع على المزيد من العنف ضد النساء، وتقوم بتسهيله،وتكريسه من خلال:
1  منع الإبلاغ عن المعتدين وتعزيز إفلاتهم من العقاب .
2  تزويد الرجال بأداة لتهديد النساء واستغلالهن والسيطرة عليهن.

كما أوضحت بيوز، أن هذه المقتضيات من القانون الجنائي المغربي الصادر في سنة 1962، لم تعد متجاوزة فقط،وإنما تفرغ مكتسبات قانونية أكثر حداثة من محتوياتها،لا سيما القانون 103.13 المتعلق بمكافحة العنف ضد النساء لسنة 2018 وقانون الأسرة لسنة 2004، إذ في غياب تحقيقات مُعمقة سواء في قضايا العنف ضد النساء، أو القضايا المرتبطة بالعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج أو الخيانة الزوجية،لا يمكن إلا إنتاج متابعات قضائية و إدانات خاطئة وغير مبررة، بدلا من التمكن من حماية النساء من جميع اشكال العنف،كما أن السلطات العمومية المتعاطفة مع هؤلاء النساء تقتصر فقط على حمايتهن من المقاضاة ومن السجن ،وهو ما يكشفُ ويفسرُ حسب الكثير من القضايا بأن هاته الفصول المذكورة ،تشكل هدرا للجهود،و استنزافا للوقت الوظيفي وللأموال العمومية والموارد البشرية والمادية للسلطات العمومية.

إلى ذلكـــ ،عرفت أشغال الورشة التأطيرية، والتفاعلية، عرض فيلم تحت عنوان، “الرضا والموافقة” تضمن مجموعة من الإشارات السيميولوجية،والدلالات الاجتماعية،والكنايات الفنية التي ترد عن الكثير من أنماط سوء الفهم العالق في هذا الصدد، وتكشف مدى خلط الأوراق بين ما هو عنف مرير ولا إنساني يستهدف النساء، وبين التمثلات الأخلاقية المكذوبة والنمطية المجحفة، المستندة على الزخم الذكوري، والتي تشرعن لأشكال العنف المبني على النوع من جهة، والمختزل للعنف السياسي من جهة أخرى، نظرًا لكون هذه القرارات التشريعية لها آثار و انعكاسات على النساء، تجعلهن أكثر هشاشة و عرضة للعنف والجرائم الأخرى” مما يطرحُ أكثر من علامات إستفهام، حول مغزى و بُعد ” الخيارات السياسة العمومية التي تدعم وتزيد من حدة هذا العنف ضد النساء.

على ذات الواجهة،انبثقت عن النقاشات المستفيضة التي عرفتها أشغال الورشة المذكورة، توصيات أكدت أن الحل الأكثر فعالية و الدائم يتمثل في إلغاء المواد 490 إلى 493 من قانون الجنائي المغربي،في حين، شددت توصيات أخرى، على إمكانية المشرع في إعتبار “الخيانة الزوجية” كمخالفة لعقد الزواج تخص أساسا الزوجين على المستوى المدني،خوصا، وأن العلاقات الجنسية خارج الزواج و الخيانة الزوجية لا يستوجبان بأي حال من الأحوال السجن أو الغرامة الجنائية أو الحرمان من السجل العدلي.

وفي انتظار تدابير تنظيمية ومؤسساتية أخرى ذات طبيعة مؤقتة،وبشكل مستعجل، أكدت توصيات أخرى، على ضرورة إصدار تعليمات مفادها أنه لا يمكن مقاضاة ضحايا العنف أو الأعمال الإجرامية الأخرى على أساس الإفادات التي يدلون بها في سياق شكايتهم،كما لا يمكن بأي شكل من أشكال اعتبار هده الأقوال “اعترافا قضائيا”، ودعت إلى أهمية إصدار تعليمات لضمان التطبيق الصارم للتعريف المحدد لمصطلح “التلبس”،وتوضيح أن محضر الضابطة القضائية لا يمكنه اعتبار “حالة تلبسية” وفقًا لعناصر ظرفية، وأن لايكون للمحضر قوة إثبات، إلَّا بإجراء تحقيق شامل وكامل.

كما لاحظت توصيات أخرى متسائلة ، أن إصدار التعليمات يفسر كون المتابعات الجنائية من أجل علاقات جنسية خارج إطار الزواج أو الخيانة الزوجية، في حين، لا تقام نتيجة ولادة أم عازبة أو إثر تسجيل دعوى ثبوت النسب أمام محكمة الأسرة أو قضايا أخرى حيث ينتفي القصد الجنائي من قبيل الزواج الغير الموثق.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.