أكاديميون وباحثون يضعون البطاطس تحت الأضواء في يومها العالمي
مـحـمـد الـقـنــور :
قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة تحديد يوم 30 ماي يوما دوليا للبطاطس لزيادة الوعي بالقيم الغذائية والاقتصادية والبيئية والثقافية المتعددة للبطاطس ومساهمتها كمورد غذائي لا يقدر بثمن وكمصدر دخل للمنتجين من تجار الخضراوات والمزارعين والفلاحين والطباخين وباعة السندويتشات،وكل المهن التي تسبح في فلك البطاطس.
وتُعد البطاطس رابع أهم محصول في العالم بعد الأرز والقمح والذرة، والأول بين غير الحبوب، كما تُعرف دائرة المعارف البريطانية البطاطس بأنها نبات جذري من فصيلة الباذنجانيات واسمها العلمي سولانوم توبيروسوم Solanum tuberosum، وتُزرع لمحتواها النشوي الصالح للأكل .
وعلى الرغم من أن الدول الرائدة في إنتاج البطاطس في العالم اليوم هي الصين والهند وروسيا وأوكرانيا، على التوالي فإن هذه الدول ليست الموطن الأصلي لها، إذ يعود موطن البطاطس الأصلي إلى جبال الأنديز في بيرو وبوليفيا، حيث لم تكن معروفة في العالم القديم خلال العصور القديمة والعصور الوسطى، قبل فترة الإكتشافات الجغرافية الكبرى مع البحارة الإيطاليين والإسبان والبرتغاليين، ووصول كريستوف كولمب إلى العالم الجديد، أو قارة إمريكا.
وحسب دائرة المعارف البريطانية، فإن البطاطس تعتبر واحدة من المحاصيل الغذائية الرئيسية في العالم، حيث غالبًا ما يتم تقديمها كاملة أو مهروسة كخضراوات مطبوخة، أو يتم طحنها، فيما يعرف بدقيق البطاطس الذي يستخدم في الخبز.
ولقد تم تدجين البطاطس حسب رأي أغلب الباحثين والأكاديميين المختصين، وزراعتها على نطاق واسع في أمريكا الجنوبية بواسطة شعوب الإنكا منذ القرن الثاني الميلادي.
في سياق متصل، يتساءل الكثير من الأدباء والإعلاميين، حول الكيفية التي تمكنت البطاطس من خلالها أن تقنع العالم، في غضون بضعة قرون فقط، ودفعت بأغلب ساكنة المعمور إلى تبنيها كأكلة قابلة للطهي والقلي والشي معا، غير أنهم يجمعون أن ما جعل البطاطس لا تقاوم هو قيمتها الغذائية التي لا تضاهى، وسهولة زراعتها نسبياً مقارنة ببعض الحبوب الرئيسية، وقدرتها على التنقل بسهولة سواء في فترات الحروب أو في أيام السلم .
وفي مقال كان قد نشره الصحافي الباحث في تاريخ الحضارات، “دييغو أرغويداس أورتيز” في مارس من عام 2020 كتب أورتيز أن المركز الدولي للبطاطس (سي آي بي)، الواقع في ليما عاصمة بيرو، يشير إلى أن بداية زراعة البطاطس كانت في أعالي جبال الأنديز، بالقرب من بحيرة تيتيكاكا، التي تعتبر أعلى بحيرة في العالم، والتي تقع على بعد حوالي ألف كيلومتر جنوب شرق ليما، ثم انتشرت بعد ذلك البطاطس وأصبحت مصدرًا غذائيًا رئيسيا للمجتمعات الأصلية، بما في ذلك الإنكا والمايا، لا سيما باعتبارها مادة غذائية أساسية، كانت تسمى لدى شعب الأنكا بــ “تشونيو”، إذ كانت هذه الشعوب تجفف البطاطس بالتجميد في ثلوج جبال الأنديز، مما يمكنها في أن تبقى صالحة للاستهلاك لسنوات أو حتى لعقود.
وبينما يصر شعب بيرو على أن البطاطس تم تدجينها في بلادهم، فإن وزيرًا من الشيلي أكد أن الغالبية العظمى من درنات البطاطس حول العالم تنحدر من بلاده.
ومهما يكن، فإن النقاش، بين أحقية البيرو أو الشيلي على البطاطس، لم يكن يتعلق بالتاريخ، بل كان يتعلق بالفخر الوطني، لدرجة أن تشارلز كريسمان، الباحث في المركز الدولي للبطاطس، أكد وهو يتحدث عن هذا الصراع بين الدولتين حول نسب البطاطس أن الجزء السخيف هو أن قصة البطاطس بدأت قبل آلاف السنين من ظهور مفهوم الدول القومية، وفترة سيمون بوليفار، وإن كان آخرون يجزمون أن بدرة البطاطس الأولى وردت مما يعرف اليوم بدولة البيرو.
والحق، أن هذه المزاعم من الشيلي، كانت قد أغضبت شعب البيرو لأنها تزامنت مع السنة الدولية للبطاطس في عام 2008،حيث اعترفت منظمة التغذية والزراعة في إحتفال رسمي، أن البطاطس “جاءت من بيرو”. جيث لم يكن أمام هذه الأخيرة، إلا أن تعلن عن تأسيس المركز الدولي للبطاطس في عام 1971 وعملت مع المجتمعات الأصلية في قمم جبال الأنديز من أجل حماية التراث الوراثي للبطاطس.
وبحلول نهاية القرن السابع عشر وصلت زراعة البطاطس إلى بريطانيا و أيرلندا، وكان القرويون يقدرون البطاطس لأنها توفر محصولًا غذائيًا لا مثيل له في الهكتار الواحد، مقارنة بباقي المزروعات، خصوصا في أيرلندا الوعرة التضاريس على وجه الخصوص،
ولقد استأجر المزارعون الإيرلنديون الأراضي التي حرثوها، ومع زيادة اللوردات لرسومهم، اضطروا إلى إنتاج أكبر قدر ممكن من الغذاء في أصغر مساحة ممكنة.
ثم من الجزر البريطانية، انتشرت البطاطس شرقًا عبر حقول الفلاحين في شمال أوروبا، وسرعان ما اكتشف القرويون في السهول الأوروبية التي مزقتها الحرب، بسبب صراعات مثل حرب الأسرة النمساوية وحرب السنوات السبع، ميزة أخرى لزراعة البطاطس حيث كان من الصعب حقًا فرض الضرائب عليها ونهبها، فإذا كان لديك حقل قمح، فهو مرئي بالفعل ويمكن لجامعي الضرائب قياس حجمه بصريًا والعودة في الوقت المناسب للحصاد، لكن البطاطس الموجودة تحت الأرض تظل مختفية عن عيون جباة الضرائب، لدرجة أنه في زمن هذه الحروب دمر الجنود الغزاة المحاصيل بمعظم الحقول، وداهموا مخازن الحبوب، غير أنهم نادرا ما كانوا يتوقفون لحفر ربع هكتار من البطاطس.
هذا، ولاحظت النخب الأوروبية في ذلك الوقت أهمية هذه البطاطس المتوارية عن العيون، والمفيدة للتغذية، فأمر فريدريك الأكبر ملك بروسيا حكومته بتوزيع تعليمات حول كيفية زراعة البطاطس، قبل أن تشرع الدول الأخرى المجاورة في نهج حذوه.
ومع اندلاع حروب نابوليون بونابرت في أوائل القرن التاسع عشر، باتت البطاطس تمثل الاحتياطي الغذائي لدى كل دول أوروبا.
وطبيعي، فقد بدأ العلماء في العقود الأولى من القرن العشرين في دمج الجينات من البطاطس السائدة مع البطاطس البرية في أفق الحصول على مقاومتها للأمراض. ومعظم الدرنات المزروعة اليوم هي نتيجة لمثل هذه الاختبارات.
وقد توفر هذه الأنواع البرية أيضًا إجابة لقضية ملحة أخرى وهي تغير درجات الحرارة وظروف الأمطار بسبب أزمة المناخ. وخلصت دراسة حديثة إلى أن ارتفاع الانبعاثات يمكن أن يؤدي إلى انخفاض يصل إلى 26 في المئة من إنتاج الدرنات العالمية بحلول عام 2085. ومن الممكن أن توفر الموارد الجينية من هذه الأنواع سمات مرغوبة، مثل تحمل الصقيع أو الجفاف أو ارتفاع درجات الحرارة.
كما تعد البطاطس من المحاصيل الصديقة للمناخ، لأنها تنتج مستويات منخفضة من انبعاثات الغازات الدفيئة مقارنة بالمحاصيل الأخرى، وعنصرا مهما في استراتيجيات توفير أغذية مفيدة تضمن تحسين سبل العيش في المناطق النائية المعزولة، وغيرها من المناطق التي تكون فيها الموارد الطبيعية، وخاصة الأراضي الصالحة للزراعة والمياه، محدودة والمدخلات باهظة الثمن، فتنوع المحصول وقدرته على النمو في مجموعة متنوعة من الظروف يجعله خيارًا مفيدًا للمحصول.
في العقد الماضي، زاد الإنتاج العالمي من البطاطس بنسبة 10 %، مما أدى إلى نمو في فرص العمل والدخل في أكثر البلدان، ولكن لا يزال هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به لتسخير الإمكانات الكاملة للمحصول في السعي للقضاء على الجوع وسوء التغذية على مستوى العالم.
ومن الطريف، أن الفيلسوف والناقد الأدبي الفرنسي رولان بارت، كان قد وصف رقائق البطاطس في مقال له صدر عام 1957، بأنها منتوج “فرنسي وطني” وأنها ”العلامة الغذائية للفرنسية”، وذلكــ قبل أن تتحول البطاطس لدى المغاربة إلى أكلة شعبية لاتنافسها على منصة الصدارة سوى البيصارة والفاصوليا .
فقد تفنن المغاربة في أكل البطاطس مقلية ومطبوخة، ومسلوقة، وتحولت إلى العمود الفقري لكل الوجبات المغربية السريعة والبطيئة على حد سواء، فقد أكل المغاربة البطاطس مع اللحم، والبطاطس مع الدجاج والبطاطس مرفوقة بالسمك، والبطاطس مع البيض، والبطاطس وحدها مع الكمون والملح.