الكل يعلم أن تنظيم داعش يتغذى على الأزمات و الإنقسامات الطائفية كما يقع في سوريا والعراق، فهو تنظيم لامركزي يستطيع النفوذ إلى أي مكان وما وقع في موسكو مؤخرا من طرف داعش خرسان يؤكد ذلك. تنظيم لا يستطيع الكمون طويلا ، له القدرة الكبيرة على الجذب والتجنيد والاستقطاب، وانتشاره التنظيمي عبارة عن مجموعات صغيرة أو ما يعرف بالخلايا النائمة .
يستفيد تنظيم داعش من التكنولوجيا الحديثة و مواقع التواصل الإجتماعي من أجل الوصول إلى أكبر عدد من مناصريه والمتعاطفين معه.تنظيم عنيف جدا وأقل مرجعية دينية أو فكرية من تنظيم القاعدة. ورغم انتشاره المهول في جل دول العالم إلا أنه يتمسك بسوريا والعراق على اعتبار أن سقوط سوريا والعراق يعني سقوط الخلافة المزعومة. لكنه يشتغل على أزيد من 13 فرع من بينها وسط افريقيا ، الساحل والصحراء ، افغانستان، الفلبين، نيجيريا، الصومال… وتعتبر هذه الفروع أكثر قوة وعنف من داعش سوريا والعراق.
المكون البشري عند داعش
وعندما نقارن عناصر تنظيم القاعدة بالدواعش يتأكد لنا بالملموس أن عناصر القاعدة ينتمون إلى تدين معين ، بخلاف تنظيم داعش فيعتمد على عناصر غير متدينة أو لها سوابق اجرامية أو تجار المخدرات أو مهربين ويمكن أن نجد بينهم الأمي و الجاهل وعامل البناء وفي بعض الأحيان حتى ( المثقفين) . لقد استطاع التنظيم استقطاب أكبر عدد من المتطرفين باختلاف أفكارهم و عقائدهم وآرائهم ، يقتلون أمهاتهم و آبائهم وأفراد أسرهم و يفجرون المساجد وغالبا ما تكون عملياتهم عمليات مرعبة.
داعش والتكنولوجيا الحديثة
هذا، ويعد التنظيم أذكى التنظيمات الإرهابية عبر التاريخ ، عناصره تستخدم التكنولوجيا الحديثة والذكاء الإصطناعي ومواقع التواصل الإجتماعي، فهو بذلكــ تنظيم يدخل حتى إلى المنازل ويستهدف الأطفال والنساء والشباب ، كما له قدرة كبيرة على الإستقطاب و التجنيد لكونه يلعب على وتر حساس جدا أكثر من أي تنظيم إرهابي آخر في العالم ألا وهو الخلافة أو إعادة الخلافة.
استراتيجية القضاء على داعش
والملاحظ أن الجيوش التقليدية و المقاربة الأمنية فقط لا تستطيع القضاء على داعش والدليل هو أن التحالف الدولي لمحاربة داعش فشل في القضاء على التنظيم ، فنحن في حاجة إلى سياسات عمومية مؤسساتية و مستدامة و استراتيجيات دولية يتفق عليها الجميع تقوم على محورين أساسيين هما الحكامة و الوقاية نحصن من خلالها المجتمعات داخليا ضد الأفكار المتطرفة في المدارس والجامعات و المؤسسات التربوية و المؤسسات الدينية.
إن الإرهاب ينشأ ويتنامى في ظروف وعوامل نفسية واجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية محددة، ومن المؤكد أن معالجته لا تتم إلا من خلال معالجة هذه العوالم مجتمعة، وتتطلب الخطوة الأساسية في محاربة الإرهاب واجتثاثه فهما مستوعبا و موضوعيا لهذه الظاهرة و من جميع جوانبها ، و من تم الوقوف على مسبباتها وفق أطروحات جادة،وليس في الإطار النظري و المعالجات الشكلية ، لذلك فإن متطلبات الإصلاح السياسي و الإقتصادي و الثقافي في المجتمع يجب أن تكون على أعلى مستوى، وضمن مقاربة تزاوج بين التدابير الأمنية والجهود التأطيرية الفكرية، وانطلاقا من خلق” إطار مضاد ” يكون قادر على تعبئة المجتمع بكل ألوانه وأطيافه لمواجهة النفوذ الفكري الجهادي و شن حرب ثقافية واديولوجية ضد الإرهاب و ضد خلاياه النائمة.
ولأن الإرهاب مشكل فكري وسياسي وتربوي و اقتصادي، فإن التصدي له يستلزم اشراك المجتمع المدني و الإعلام و الدراسات المعنية بالمجال الحقوقي و الأكاديمي في السياسات الأمنية، دون أن نغفل دور الأحزاب السياسية، لتقديم مشروع سياسي يعمل على المساهمة في اقامة دولة حديثة تعتمد على نظام ديموقراطي قائم على تحقيق العدالة الإجتماعية.