حكايات الجن والعفاريت في الثقافة المغربية والعربية

هاسبريس : 

تشكل حكايات الجن والعفاريت جزءا غنيا ومثيرا من التراث الشعبي في الثقافة العربية عموما، والثقافة المغربية خصوصا، من خلال قصص توارثتها الأجيال عبر العصور،  كوسيلة لسرد تجارب مخيفة أو غامضة، أو كوسيلة للترفيه.

ويُعتقد أن الجن مخلوقات خُلقت من النار كما ورد في جل المعتقدات الدينية، وأنها مخلوقات قادرة على الظهور بأشكال مختلفة، فضلا عن قدراتها الخارقة، في إختراق الأمكنة والأزمنة، حيث تعتبر العفاريت فئة من الجن، وغالبًا ما توصف بأنها متمردة وشريرة.

ومن أبرز الحكايات، كانت قصص الجن التي وردت في “ألف ليلة وليلة”، والتي مزجت بين الخيال والأساطير، على غرار قصة “علاء الدين والمصباح السحري”، حيث يخرج الجنّ خادم المصباح لتحقيق الأمنيات، فضلا عن القصص التي تتناول  “السحر” أو تستعرض خوارق الأشخاص ممن يسيطرون على الجن، ويوظفونهم في خدمتهم.

وتلعب الحكايات عن الجن دورًا في تفسير الظواهر الغامضة، مثل الأصوات الغريبة في الليل أو الحرائق ، أو الزمجرات أو مختلف الحوادث غير المبررة، التي تُحيط بالأماكن المهجورة أو الكهوف أو الوديان السحيقة، أو القصور والقلاع المنزوية في البراري والصحاري ، والتي كان يعتقد بأنها مأوى للجن وللعفاريت، حيث مثلت الحكايات حولها شكلاً من أشكال مقاومة المجهول والخوف من الطبيعة والمجهول..

كما استخدمت حكايات الجن والعفاريت في الثقافة المغربية للتحذير من أخلاقيات سيئة أو نشر رسائل تعليمية بيئية بطريقة غير مباشرة، من قبيل عدم التعرض بالأذى للحيوانات مثل القطط والكلاب واللقالق، والعصافير الدورية .

هذا، وتستمر حكايات الجن والعفاريت في الظهور بأشكال جديدة من خلال الأدب، وأفلام السينما، وحتى على بعض وسائل الإعلام الحديثة، مع إضافة لمسات عصرية.

وتحفل الثقافة المغربية خصوصا والعربية عموما ، بالعديد من حكايات الجن الشهيرة التي تتناقلها الأجيال شفهيًا أو تأتي ضمن المؤلفات الأدبية والأساطير، على غرار حكاية “عيشة قنديشة” في المغرب، وعلاء الدين والمصباح السحري، لدى عموم العرب، والشعوب الشرقية كالأتراك والفرس والهنود ففي “ألف ليلة وليلة”، تحكي القصة عن الشاب الفقير علاء الدين، الذي يكتشف مصباحًا سحريًا يسكنه جني يحقق له الأمنيات، مما يقوده إلى مغامرات مليئة بالخطر والثروة، كما يواجه السندباد في إحدى رحلاته ضمن “ألف ليلة وليلة”، جنيًا عملاقًا محبوسًا داخل زجاجة، حيث تعكس الحكاية منتهى التوتر بين القوة الإنسانية والقدرة الغيبية.

كما تبدأ الحكايات مع شهرزاد في “ألف ليلة وليلة”،التي تسرد قصصًا عن الجن والمخلوقات العجيبة للملك شهريار كجزء من حكاياتها الليلية، ومن بينها قصص الجن الذين يتدخلون في حياة البشر.

وفي التراث الشعبي المغربي، تنتشر القصص المتنوعة عن ظهور الجن في بعض المنازل والرياضات العتيقة بمراكش وفاس وفي بعض الأماكن المهجورة في قصبات صحراء الجنوب الشرقي المغربية، والقرى النائية. 

وعادة، ما تظهر في الحكايات الشعبية المغربية، والعربية شخصيات عجائبية مثل السحرة الذين يُعتقد أنهم يتحكمون في الجن لخدمتهم، سواء للأغراض الخيرة أو المقالب والانتقامات الشريرة.

في سياق مماثل، تناول بعض الشعراء العرب في الأدب القديم، موضوع الجن كجزء من تصوراتهم عن المجهول والقوى الخارقة، وتعتبر قصيدة “لامية العرب” هي واحدة من أبرز القصائد في الأدب العربي الجاهلي، المنسوبة إلى الشاعر الجاهلي والصعلوكـ الشهير الشنفرى، ففي الوقت التي تتضمن هذه القصيدة  الكثير من أوصاف وعبارات الفخر ومواصفات الشجاعة والتحدي، فإنها تشتمل على إشارات عن ذكر الجن، مما يضيف لمسة أسطورية وشاعرية على القصيدة .

في أحد أبيات القصيدة، يتحدث الشنفرى عن سرعة ركضه وتحديه حتى للجن، وهو يقول:

أَقـولُ لـها وَقَـد طـارت شَعاعاً …….. ….مِنَ الأبطالِ وَاحَدُها يَلينُ

حيث يشير الشنفرى في القصيدة إلى قدراته التي لا تهاب أحدًا، حتى أن الشاعر في القصيدة يتحدى الجن الذين كانوا يُعتقد أنهم يملكون قدرات خارقة على الركض والتنقل.

والواقع، فإن الشاعر الشنفرى استغل ذكر الجن لإبراز تفوقه وشجاعته، مما يعكس أن حكايات الجن والعفاريت التي تمزج بين الواقع والأسطورة قديمة في الثقافة العربية، منذ الجاهلية، وحسب النقاد والباحثين فإن استخدام الجن والعفاريت في القصيدة العربية ليس من باب السرد المباشر عن هذه المخلوقات، بل كرمز لإظهار العظمة والقوة، وكوسيلة شائعة في الأدب الجاهلي لإبراز الشخصية البطولية. 

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.