مُنية مراكش تَستحْضِرُ علاقة “رحى القندوسي” بوسائل التعبير الشعبية

مـحـمـد الـقـنــور : 

إستمرارا لبرنامجها الفكري “مجلس الكتبيين” ودوره الإشعاعي والتأطيري المتنوع، وفي سياق حلقات المجلس المذكور، وإستضافته للعديد من القامات المعرفية والرموز الثقافية ورواد الفكر والكفاءات العلمية والجهات الأكاديمية الوطنية والدولية، وفي منتدى تواصلي رفيع المستوى، إستقبلت جمعية منية مراكش، الأستاذ الفرنسي حسن شيابوتي، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة باريس، الذي قدم محاضرة حول الفنون الشعبية والحقيقة المحمدية الموضحة في الرسم البياني لــ “طاحونة الهمة” أو ”حجر رحى الطاقة الروحية“،  للشيخ القندوسي المتوفى سنة 1861، بمدينة فاس، أحد النساخ المبدعين لدلائل الخيرات للقطب الصوفي محمد بن سليمان الجازولي، أحد رجالات مراكش السبعة.

وأبرز رئيس حمعية منية مراكش، الأستاذ جعفر الكنسوسي، الباحث في التراث المادي واللامادي المغربي، وقضايا التصوف وأبعاده العمرانية والروحية والسوسيو ثقافية، أثناء تقديمه للمحاضرة، التي حضرتها مجموعة من الدوائر الأكاديمية، والأوساط الثقافية والمنابر الإعلامية، والباحثين الجامعيين والطلبة والفعاليات الجمعوية، أن محمد بن القاسم القندوسي ، مصنف كتاب “التأسيس” كان عشابا وخطاطاً مبدعا وشيخا مُربيا ، مما مَكَّـنهُ من أن يُعتبر من أعلام المغرب في القرن التاسع عشر، مشيرا ، أنه ينحدر من منطقة القنادسة القروية، إذ قبل أن يشد الرحال إلى مدينة فاس، أحد حواضر المغرب العريقة، ومدينة شكلت قِبلةً للعلماء ومجمعا للأولياء والصالحين، كان قد رأى رؤيا للرسول ﷺ ، أثناء وجوده في ضريح مولاي إدريس، حيث قرر التخلي عن مسيرته للديار المقدسة لأداء الحج، ليستقر في ذات المدينة المذكورة فاس.

وأفاد الأستاذ الكنسوسي، أن القندوسي كان مؤلفًا غزير الإنتاج، حيث ألَّف عددًا كبيرًا ومتنوعا من الرسائل الصوفية التي لا تزال غالبيتها مخطوطة، مستخدما رسوماً بيانية في مجمل هذه النصوص، وخاصةً بكتابه التأسيس كعمل له رئيسي.

من جهته، أستعرض الأستاذ حسن شيابوتي، من خلال عرض توضيحي على الشاشة، دلالات هذه الرسومات البيانية التي يتضمنها “كتاب التأسيس” للمؤلف الفقيه والخطاط الصوفي القندوسي، مبرزا،  أنها كانت غالباً ما تُدرج في نهاية كل فصل من فصول الكتاب، قصد توضيح الموضوعات، وتيسيير المفاهيم وروابطها الدلالية وعمقها المعرفي بالنسبة لطلاب العلم خصوصا، وللقراء عموما .

وأكد شيابوتي ، أن كتاب التأسيس للشيخ القندوسي، يُعد  كتاباً معقداً ومربكاً ، لكونه يمزج بين الكوسموغونيا الكونية والأنثروبولوجيا الكيميائية، تذييلا لأعمال وفكر الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي ، وتوضيحا لمراميها وتجلياتها ، والتي كان بن عربي يبتعد عنها في العديد من الجوانب.

وأثناء محاضرته، قدم الأستاذ المحاضر “شيابوتي”، رسما بيانيا واحدًا ، من كتاب القندوسي، يصف من خلاله روابط الحقيقة فوق الزمنية والميتافيزيقية للنبي محمد ﷺ ، وذلكــ بمجاهدة وعمل الإنسان وبالإلهامات المكتسبة من الوجد والعرفان اللتان يتلقى نورانيتهما في قلبه.

وأوضح  “شيابوتي” أن حركة “حجر الرحى” التي تحكم الرسم موضوع المحاضرة، يوضحها القندوسي كوسيلة لممارسة استهلالية،  باستخدام الحجر” المعروف“ والمعهود في حياة الناس اليومية، ليحوله إلى رسم تخطيطي رمزي يشكل صلب  الأدب الصوفي، واحتراما للحظر المفروض على التمثيل التشكيلي للنبي، والسمو به نحو حقيقته الروحية، التي تجسد الحقيقة المحمدية.

وخلص “شيابوتي” أن الرسومات البيانية في كتاب “التأسيس” للقندوسي الفقيه المتصوف الخطاط، تلعب دورًا هامًا في توضيح المفاهيم الروحية والرمزية التي قد تكون معقدة أو غامضة عند التعبير عنها بالكلمات فقط.

كما أفاد أن هذه الرسومات على غرار الرسم موضوع المحاضرة، كانت تُستخدم لتجسيد الأفكار المجردة، مثل العلاقة بين المخلوق  والخالق، أو المراحل الروحية التي يمر بها السالك في طريقه إلى الله، أو درجات تسلسل الحالات والمراتب الروحية، أو تداخل العوالم الروحية المختلفة، مما يساعد الطالب والقارئ والمتعلم المريد على فهم هذه المفاهيم والمقاصد بشكل بصري ميسر، ويروم توضيح الأفكار المرتبطة بالتصوف، والمتعلقة بمفاهيم المراتب والوحدة و التعددية، والعلاقة الجدلية بين الثقافة الروحية المتعلمة، ووسائل التعبير ”الشعبية“ على غرار “رحى القندوسي” .

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.