تدريس اللغة الفرنسية من السنة الأولى بالمغرب، بادرة ضد الإنطوائية و العزلة الفكرية
مـحـمـد القـنـور :
تم اتخذ تدابير جديدة من قبل وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، تروم مواجهة أحد الأعطاب التي تعاني منها المدارس، من قبيل الاكتظاظ في الأقسام ، إذ وصل عدد التلاميذ في القسم خلال السنوات الماضية، في بعض الأحيان إلى 70 تليمذا.
وقررت الوزارة، التي يشرف عليها محمد حصاد، استعمال قاعات الدرس بصفة مستمرة بالمؤسسات التعليمية التي تعرف نقصا في المساحة أو القاعات الدراسية وهو ما سيمكن من توفير أكثر من 25 بالمائة من الطاقة الاستيعابية.
ويروم هذا الإجراء بلوغ هدف 40 تلميذا في القسم كحد أقصى عبر استغلال قاعات الدراسة الشاغرة بين فترة الظهيرة والساعة الثانية بعد الظهر. في حين تم إتخاذ تدبير آخر من طرف محمد حصاد سيهم تدريس اللغة الفرنسية منذ السنة الأولى من التعليم العمومي ابتداء من الدخول المدرسي، مما إعتبره عموم الشعب المغربي بادرة ناجعة وإستباقية ضد الإنطوائية و العزلة الفكرية، خصوصا وأن تعلم اللغات هو أساس التحضر، والتحصيل الشاسع للمعارف ، حيث تعتبر اللغات أحد أهمّ الاختراعات الإنسانية ، بل يمكن عدّها الاختراع الأهم الذي قام البشر بإيجاده في التاريخ الإنساني بأجمعه، إذ إنّ اللغات هي المفتاح الأساسي لتواصل البشر مع بعضهم البعض وتبادل المعلومات والإكتشافات والأفكار وحتى المشاعر وغيرها من الأمور المختلفة والتي لولا الكلمات لما استطاع أي شخص على أن يفهم الآخر، ولا يمكن لأي روحان أن يندمجا مع بعضهما البعض في أي عمل من الأعمال، ولا ما وجدنا العديد من الاختراعات التي نجدها في أيامنا الحالية كالمعاملات الرقمية والإنترنت على سبيل المثال.
إلى ذلكــ فإن التمكنّ من لغة واحدة والتي هي اللغة الأم يعتبر أمراً ضرورياً ولكنه ليس كافيا ولا مفيدا لأي إنسان كي يعيش على سطح الكوكب، إلّا أنّ إتقان عدّة لغات يعتبر أحد الأسلحة المهمّة للنجاح ، ولتأسيس مغرب المستقبل ببناته وبأبنائه المنفتحين عن العالم وعن التطورات البشرية والتي تمكن ممتلكيها من فتح العديد من الأبواب المغلقة أمامهم والدخول إلى كل ثقافات البشر ، بعيدا عن التطرف والمحدودية والتعصب والإنغلاق والدوغمائية .
كما أنّ تعلم اللغات المختلفة ، مكن أجيال سابقة من المغاربة من الحصول على العلوم والأفكار والفنون بشكل أكبر وأدق وأوسع،ومن منابعها، وخصوصاً مع تطور العلم بشكل كبير بحيث أصبح العلم لا يقتصر على أصحاب لغة معينة، خصوصا مع وجود الانترنت الذي أصبح يفتح المجال للناس من مختلف الأقطار بالتواصل مع بعضهم البعض،وغدا العالم بإسره قرية صغيرة .
ويظل السؤال الحقيقي ، متمثلا في كون الأمي بالمنظور العالمي خلال العقود الأخيرة هو من لا يتقن سوى لغته الأم، وهو ما ظل مقولة راسخة للملك الراحل المغفور الحسن الثاني طيب الله روحه .
ومهما يكن، فإن تعلم اللغات يُمكِْنُ من اكتشاف الحضارات والتعمّق في جذور تاريخها، ورؤية العالم من زوايا مختلفة، إذ لولا تعلم اللغات الأجنبية لما تمكن المسلمون الأوائل من النبوغ في الطب والهندسة والجغرافيا والحكمة والرياضيات والكيمياء وحتى علوم التشريع المعتمدة على القياس والإستنباط والإجتهاد، ولما كان لهم اسماء لاتزال تزدان كنجوم ساطعة في سماء العلوم والآداب الإنسانية على غرار الشريف الإدريسي وإبن طفيل وإن رشد وإبن البناء العددي المراكشي وإبن ياسمين وإبن زهر واللائحة طويلة من مغاربة ومشارقة طبعوا مسار فكر الإنسانية .