البلاستيكـ يغزو الموارد الحيوية بالعالم
مـحـمـد القـنــور :
:Et si on évitait…l’eau en bouteilles… :
نـــعــم ، فماذا يحصل لو إمتنعنا عن المياه المعلبة في قنينات البلاستيكــ
فقد كشف بحثُ علمي حديث أن التلوث بالألياف غير المرئية من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة يؤثر على حوالي 83 بالمئة من مياه الصنابير بالمدن في جميع أنحاء العالم، لكونها تختلط بالفرشاة المائية ، وتصل النسبة إلى 94 بالمئة في الولايات المتحدة و72 بالمئة في أوروبا.
وأفادت ذات الدراسة التي أجرتها مجموعة “أورب” للصحافة الاستقصائية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها عن “وجود تلوث بلاستيكي لم يكن معروفا من قبل في مياه الصنبور في مدن معروفة وشهيرة حول العالم”.
وتفاعلا مع نتائج البحث، نشرت جريدة “الغارديان البريطانية” تقريرا عن تلوث مياه الشرب في جميع أنحاء العالم بجزيئات البلاستيك الدقيقة. وتساءل داميان كارينغتون كاتب التقرير “إذن ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى سبعة مليارات نسمة يعيشون على هذا الكوكب؟ لا أحد يعرف حتى الآن. ولكنّ هناك اتفاقا وإجماعا من الخبراء على وجوب التحرك وإيجاد حلول سريعة، لا سيما بعد ظهور العلامات التحذيرية التي ترسلها بيئة المحيطات”.
والحق، أننا نعلم جيداً أن البحار والمحيطات من حولنا معبأة بالبلاستيك،فمثلا حوض البحر الأبيض المتوسط بات مشهورا بمزابله العميقة، حيث صارت تطفو العناصر البلاستيكية التي يتخلص منها أفراد المجتمع وربابنة السفن منذ بدايات القرن التاسع عشر في هذه البحار والمحيطات ، وصارت تتقادف الكثير من النفايات رفقة إهتزازات الأمواج بألوانها الواخزة، في دوامات من النفايات القبيحة تؤثر عن سلامة البحار والمحيطات لترسو بعد ذلك وتتناثر حتى على أبعد الشواطئ وأقلها جولانا من طرف البشر ، بداية من “ألاسكا” والقطب الشمالي حتى أعماق المحيط الهادئ في جزر الفلبين وبروناي، مرورا طبعا ببعض السوحل المغربية، وإن كانت النتائج لم تسجل بعدُ خطورة تذكر.
غير أن تلوث الأرض بقينينات المياه والمياه المعدنية لم يكن ملحوظاً البتة، حيث كانت تأتي مياه الشرب عادة من التلال والأنهار والبحيرات والآبار، ولكن فيما بعد اتضح أن ألياف البلاستيك الصغيرة تنتشر في كل مكان.
ومهما يكن، فـــلا يجب أن نولي الأمر اهتماما أكبر من حجمه، فمادة البلاستيك رائعة ومرنة ويصعب التخلص منها بسهولة، ما لم يتم حرقها. ويبدو أنها مادة مفيدة جداً للاستخدام في الحياة اليومية لأغلب ساكنة العالم، ولكن مع كل ذلكــ لابد من الإشارة حسب دراسات مغربية ودولية ، أن مادة البلاستيكــ باتت تشكل الآن حوالي نصف مجموع النفايات الناتجة عن الاستهلاك البشري. ولكن في الوقت الذي نُدرك فيه الفائدة التي تعود من استخدام مادة البلاستيك، ما زلنا نجهل الثمن المدفوع مقابل هذه الفائــدة، ومقابل تلكـ القنينات التي نلتقيها مركونة على الأرصفة المغربية، أو مدهوسة بناصية الشارع والزقاق، وبين أعشاب البراري وعلى مسافات السواقي والأنهار .
وما من شكــ ، أنه صرنا نشرب وربما نأكل جزيئات ليست باليسيرة من البلاستيك الدقيقة في كل وقت، فهل يعني هذا شيئاً؟ لا أحد يعرف، ولكن الأبحاث التي تُجرى على التلوث البحري بعنصر البلاستيك تثير المخاوف. فالكائنات البحرية التي تتغذى على جزيئات البلاستيك الدقيقة يمكن أن تتضرر بشكل كبير وليس فقط من خلال الضرر المادي الجسدي؛ حيث يحتوي البلاستيك غالبا على مجموعة كبيرة من المواد الكيميائية التي تعمل على تغيير خصائص المنتج البلاستيكي ولونه وتكون عادة سامة وتُسبب خللاً هرمونياً. ويعتبر البلاستيك أيضاً عنصراً جاذباً للملوثات الأخرى، بما في ذلك الديوكسينات والمعادن وبعض المبيدات الحشرية.
نـــعــم ، فماذا يحصل لو إمتنعنا عن المياه المعلبة في قنينات البلاستيكــ
لأن الجسيمات البلاستيكية باتت من الملوثات الدقيقة التي يمكن أن تعبر من خلال جدار الأمعاء وتنتقل إلى أنسجة الجسم الأخرى وتسبب عواقب مرضية وخيمة لاتزال مجهولة النتائج المخبرية على العموم .
فضلاً عن ذلك تجتذب جزيئات البلاستيك الدقيقة مسببات الأمراض الميكروبية. حيث من المعروف أن الكثير من الطيور والحيوانات باتت تعاني من تأثير النفايات البلاستيكية على نظامها الغذائي،وحتى على سلوكها، لدرجة أيها الأصدقاء المحترمين والصديقات المحترمات، أني لاحظت بنظري المتواضع أن ردة فعل قطط الأزقة والشوارع باتت متباطئة، كما أن بعض العصافير والحمام صارت لاتخشى أحد، ذلكـ لأن طبيعة عمل الأحشاء الداخلية للطيور والحيوانات باتت تؤكد خطورة انبعاثات المواد الملوثة من البلاستيك.
وحول كيفية تأثير جزيئات البلاستيك الدقيقة عن العيش البشري والحياة البرية، وقدرتها على الوصول إلى المياه والغذاء. ووفقا لما نُشر في تقرير صادر عن “مؤسسة المملكة المتحدة لإدارة المياه والبيئة”في بريطانيا، فإن أكبر نسبة من ملوثات المياه البلاستيكية هي من الألياف التي تنبعث من المنسوجات الصناعية وغبار الطرق، فضلاً عن الكميات الضخمة من النفايات البلاستيكية. وتشير الدراسات إلى أن البلاستيك المُهدر على الأرض في أوروبا وحدها يشكل كل عام ما بين أربعة أضعاف الكمية المُلقاة في جميع محيطات العالم وثلاثة وعشرين ضعفا.
هذا بالإضافة إلى أن كميات ضخمة من المخلفات البلاستيكية تنجرف إلى حقينات السدود وإلى السواقي والأنهار والبحار وإلى محطات معالجة مياه الصرف الصحي، رغم أنها تخضع لعملية فلترة لالتقاط العديد منها وحجبها. ولكن ما يقرب من نصف المياه الناتجة يتم استخدامه لحرث الأراضي الزراعية في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، وفي بعض مناطق شمال إفريقيا والشرق الأوسط ، وذلكـ وفقا لأبحاث حديثة نُشر بعضها في مجلة “علوم” ..
وتؤكد هذه الدراسة على أن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة التي تتواجد في الحقول الأوروبية تصل إلى حوالي 430 طنا كل عام مقارنة بكمية تصل إلى 300 ألف طن في حقول أميركا الشمالية كل عام.
وقال العلماء “من المثير للاهتمام أن عمليات انتقال جزيئات البلاستيك الدقيقة والمواد الخطرة المرتبطة بها، من مياه الصرف الصحي للمدن الحضرية إلى الأراضي الزراعية، لم يأخذها العلماء والهيئات التنظيمية على محمل الجد في وقت سابق”. ويقولون في تقرير آخر “يتطلب هذا إجراء تحقيق عاجل إذا أردنا ضمان حماية إنتاج الغذاء”.
وتبقى المدن العملاقة في العالم هي الأكثر عرضة للتلوث، حيث كشفت دراسة حديثة أخرى، سلطت الضوء لأول مرة على هذا الموضوع، تواجد كميات هائلة من جزيئات البلاستيك في هواء مدينة باريس التي يعج مناخها بكمية تترواح بين ثلاثة وعشرة أطنان في العام الواحد. كما وجد نفس الفريق البحثي كميات من جزيئات البلاستيك في شقة وغرفة فندق، كانت الدراسة قد أخذتها كــعـَيـِّنـة للتجربة. وتعقيباً على هذه الدراسة، رجح أحد العلماء أننا نستنشق الجزيئات البلاستيكية من الهواء.
ومثل العديد من المشاكل البيئية الأخرى، كتغير المناخ ومشكلة انتشار مبيدات الآفات ومشكلة تلوث الهواء، تظهر الآثار عادة بوضوح بعد سنوات من وقوع الضرر. ولكننا نستطيع القول بأن الحظ يمكن أن يكون حليفنا إذا لم يصبح هذا الكوكب ساماً تستحيل الحياة عليه. لكن إن حدث العكس، فإنه سيتعين حينها مواجهة مهمة تنظيفه الشاقة. كما أن التعامل بشكل صحيح مع جميع النفايات البلاستيكية سيكون صعبا، بما في ذلك محاولة الحد من الجزيئات البلاستيكية الناتجة دون قصد عن الملابس والطرق.
ولكن قبل كل شيء نحن بحاجة ملحة إلى معرفة ما إذا كنا جميعا نشرب ونأكل ونستنشق الجزيئات البلاستيكية كل يوم، وأيّ أضرار تنجم عن ذلك؟