الجفاف يُهدد مدن كبرى بالعالم
هاسبريس :
لا تعاني مدينة “بومباي” في الهند أو “كيب تاون” في جنوب إفريقيا،وحدهما من شح المياه؛ بلمدينتا ساوباولو في البرازيل وبوغوتا في كولومبيا.
ففي كيب تاون تمّ تأجيل «ساعة الصفر» التي كانت تتوقع فيها ثاني أكبر مدينة أفريقية تعداداً للسكان بعد القاهرة في مصر، بدء معاناتها من نفاد المياه. وهذا أمر مؤقّت فقط؛ لأن المدينة اليوم تنتظر نفاد مائها، ومواجهة الفوضى التي سينتجها، بدءاً من التاسع من يوليو (تموز)؛ بدل الرابع من يونيو (حزيران)؛ وفقاً للتوقعات السابقة.
ويستحق سكان هذه المدينة التقدير على جهودهم الكبيرة في خفض استهلاك المياه إلى أكثر من النصف؛ مقارنة بما كان عليه الاستهلاك قبل أربع سنوات. ولكن على اعتبار أن ميزان القوة يميل لصالح الطبيعة، وإلى جانب تأثيرات التغيّر المناخي، فلن يستطيع سكان كيب تاون القيام بالكثير.
وبعد أربع سنوات من الهبوط الحاد في معدل هبوط الأمطار، أصيبت منابع المياه في المدينة بالجفاف التام. وتعرض صور سدّ «ذا إيواترسكلوف» الذي يبدو قاحلاً كالصحراء في هذه الأيام، لمحة عن مدى صعوبة الوضع هناك.
قد تكون كيب تاون المدينة الكبرى الأولى التي ينفد ماؤها في العالم، ولكنها ليست الوحيدة التي تعاني من عجز حاد، ففي الجهة المقابلة من المحيط الأطلسي، تعاني مدينة ساوباولو البرازيلية من أزمة مياه منذ سنوات كثيرة. وعلى الرغم من أن الأمور تحسّنت قليلاً منذ أن بلغت الأزمة ذروتها عام 2015؛ فإن معدلات المياه في منابعها انخفضت إلى معدلات أقلّ بكثير مما كانت عليه سابقاً.
ففي العام الماضي، اعتمدت العاصمة البرازيلية (برازيليا) برنامج ترشيد للمياه، بعد أن أعلنت السلطات حالة الطوارئ. بموجب هذا البرنامج، تمّ تزويد الغالبية الساحقة من السكان بالمياه لستة أيام في الأسبوع فقط.
في كولومبيا، يشدّد المراقبون على ضرورة اعتماد تدابير ترشيدية في العاصمة بوغوتا، مع بداية العام المقبل.
تعيد بعض المدن مشكلة شحّ المياه إلى مشكلات تقنية، تتمثّل في تأخر مشروعات البناء التي كان من المفترض أن تزيد الموارد المائية على علوّ مرتفع (2640 متراً فوق سطح البحر). ولكن خوان بابلو سوتو، أشار في مقال كتبه في الصحيفة الكولومبية «إل إسبكتادور» إلى أن سبب الشحّ هو التصحّر في حوض الأمازون.
ونقل عنه موقع «وورلد كرنتش» أن الغابة المطرية تلعب دوراً كبيراً في تعديل مناخ القارة، وخاصة فيما يتعلّق بهبوط الأمطار، ودورة المياه الطبيعية، في قلب الغابة وفي محيطها. ويضيف في مقاله أن التصحّر الحاصل هناك يؤثر على كلّ من ساوباولو وبوغوتا، ولو بتوقيت وقوّة مختلفين. ويرى سوتو أن ساوباولو بدأت منذ بعض الوقت بالمعاناة من هذه التأثيرات، وأن بوغوتا على موعد مع هذه المعاناة في المستقبل القريب.
يجمع العلماء على أنّ الغابة المطرية قادرة على الاحتفاظ بالمياه وتوزيعها على امتداد القارة، عبر ما يعرف بالأنهار الطائرة، وعلى أن التصحّر قد أضعف هذه القدرة لديها. ولكن الأسوأ هو أن منطقة الأمازون اليوم تعاني من جفاف شديد يتسبب بحرائق واسعة في الغابات، تدمّر مساحات واسعة منها، وتنتج كثيراً من ثاني أوكسيد الكربون، الذي يوازي ضرره على المناخ ضرر التصحر نفسه، وفقاً لتقرير أصدرته دورية «فولها دي ساو باولو – Folha de S. Paulo».
لسوء الحظّ ، فشلت السلطات في كل من جنوب أفريقيا والبرازيل وفي أي مكان آخر من العالم، في مواجهة هذا التحدّي. فقبل سنتين، توصّل قادة 195 دولة اجتمعوا في مؤتمر باريس للمناخ، إلى اتفاق تاريخي للحدّ من الانبعاثات السامة. ولكن وعلى الرغم من بساطة التعهدات التي قدمها القادة في المؤتمر، فلا تزال الدول عاجزة أمام مواجهة هذه الأزمة. حتى اليوم، فإن عملية الترشيد في استهلاك المياه وحدها تعطي نتائج في تأخير الكارثة المحتّمة. أمّا تفادي حصولها، وإن كان ممكناً، فيتطلّب أكثر من بضعة كلمات جميلة ووعود فارغة.