جامعة القاضي عياض بمراكش و تحديات الادماج المهني
محـمـد الـقـنـور :
تواجه الجامعات مجموعة من التحديات تتجلى في مدى ملاءمة عروضها في التكوين مع حاجيات سوق الشغل، وانطلاقا من هذا الرابط بين جودة التكوين والتشغيل، يبقى تعزيز التشغيل رهينا بتمكين الطلبة من المعارف والمهارات والكفاءات التي تتماشى وحاجيات المجتمع والاقتصاد وكذا بتعزيز الشراكة بين الجامعة ومحيطها السوسيو اقتصادي.
وفي هذا السياق،نظمت جامعة القاضي عياض، يوم الجمعة الفارط 17 فبراير الحالي لقاء بين الجامعة ومحيطها الاجتماعي والاقتصادي، تحت شعار ” في مواجهة تحديات الإدماج المهني: معاً من أجل حلول مبتكرة ومنسجمة مع المعايير الدولية” وذلك بالمدرج 10 برحاب كلية العلوم السملالية في مراكش.
دينامية وطنية واعدة
وأوردت الورقة التمهيدية الصادرة عن جامعة القاضي عياض بمراكش، والتي توصلت بنسخة منها ”هاسبريس” أن المغرب تبنى في السنوات الأخيرة جملة من الإصلاحات على المستويات السياسية والاجتماعية والبيئية. كما أطلق استراتيجيات طموحة تروم إلى تطوير القطاعات الرئيسية، بهدف خلق الثروات وإحداث فرص للشغل في ميادين الفلاحة والصيد البحري والصناعة والاستثمار والطاقة والبنى التحتية… إضافة إلى ذلك، فان استراتيجية المغرب في التنمية بإفريقيا تتيح العديد من فرص التنمية والاستثمار.
كما يستأثر قطاع التعليم العالي والمؤسسات الجامعية بدور مهم في تحقيق وإنجاح المشاريع التنموية الكبرى ببلادنا، كما يستوجب السياق العام للدينامية الوطنية انفتاح الجامعة الواسع على العالم السوسيو اقتصادي من اجل ترسيخ نظام تكويني متكامل قادر على مواجهة التحديات والإكراهات التنموية.
وانسجاما مع التوجهات الملكية السامية، أطلق المغرب مجموعة من البرامج تصبو إلى الرقي بجودة التكوين في مجمل أسلاكه الأساسية والعالية، ومن تم فأشغال كل من المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، والوزارات الوصية تسلط الضوء على أهمية جودة التكوين في التنمية ببلادنا. كما تؤكد الرؤية الإستراتيجية لإصلاح المنظومة التعليمية 2015 – 2030 على أهمية تحسين النظام البيداغوجي باعتباره أولوية كبرى لضمان جودة التكوين وملاءته لحاجيات سوق الشغل.
تموقع ورؤية مسؤولة
إلى ذلكـ ، فقد مكن المخطط الإستراتيجي لجامعة القاضي عياض لسنوات 2013 – 2016 حسب ذات المصدر من ترتيبها ضمن كبريات الجامعات على المستوى العالمي، من خلال استجابتها لمجموعة من المعايير الدولية، وباعتمادها حكامة جيدة في التدبير، وتنويع عروض التكوينات وضمان جودتها، واستجابتها للطلب المتزايد على التعليم العمومي عبر بيداغوجية تقوم على رقمنة الدروس، كما شكلت من خلال تبنيها لبحث علمي مندمج عبر “مدينة الابتكار” ، تجسيدا عمليا لأهداف المخطط ومراميه التنموية والمجتمعية، كما جسد تطوير وتنويع الشركاء والشراكات المرتبطة بالأولويات البحثية للجامعة، مظهرا من مظاهره.
لم تزد المراتب التي احتلتها جامعة القاضي عياض في التصنيفات الدولية في الثلاث سنوات الأخيرة، إلا إصرارا على مواجهة التحديات من أجل جامعة تساير التطورات المعرفية والعلمية والتقنية والمعلوماتية التي يعرفها العالم من حولها، وتواكب الأوراش الكبرى التي تشهدها بلادنا، وتستجيب للحاجيات الوطنية والمحلية في مجال التنمية المستدامة والتشغيل وتكريس الجهوية المتقدمة، لن يتحقق هذا المسعى دون تركيز جهودها على جودة التكوينين الأساسي المستمر والبحث العلمي.
تسعى جامعة القاضي عياض إلى ترسيخ دورها كفاعل مسؤول اجتماعيا، كما تهدف إلى تعزيز مكانتها عبر انخراطها في المعايير الدولية، وفي هذا السياق، تؤكد جامعة القاضي عياض على ضرورة تبني مرتكزات التنمية المستدامة في سياستها وانخراطها الفعال في استراتيجية تتميز بالمسؤولية الاجتماعية، وتهدف إلى المساهمة في ارتقاء المغرب نحو اقتصاد مستدام وشامل.
إجراءات الاستراتيجية
عملت جامعة القاضي عياض في غضون السنوات الأخيرة، على تعزيز مكانتها كجامعة رائدة في مجال الابتكار، وذلك من خلال إطلاقها مجموعة من المشاريع، ستمكنها من تحسين اكتساب المعارف والمهارات، وتتيح لطلبتها تكوين شخصية منفتحة، ذات كفاءة عالية بمهارات متنوعة، تتقن اللغات الأجنبية، وقادرة على الاندماج في سوق الشغل .
في هذا الإطار، تم إطلاق العديد من المشاريع الإستراتيجية أهمها ׃
• مشاريع البحث والتنمية التي تعنى بالقضايا المجتمعية، إذ يشكل مشروع مدينة الابتكار بمراكش قاطرة بين الجامعة ومحيطها السوسيو اقتصادي، ويمكن من تسخير مهارات البحث والابتكار الجامعي لصالح التنمية المحلية والوطنية.
• ترسيخ مفهوم ”الجامعة الذكية”، الذي يرتكز على استراتيجية رقمية، تهدف إلى بلورة برامج بيداغوجية جديدة، تسعى إلى رقمنه الدروس وتعزيز البحث العلمي المشترك، وتبسيط المساطر الإدارية وتحسين التدبير المالي، بهدف تحقيق النجاعة والحكامة الجيدة.
• تقديم تكوينات تقوم على الابتكار البيداغوجي، من خلال توظيف الرقمنة في التكوين، حيث تعتبر جامعة القاضي عياض رائدة على الصعيد الإفريقي في مجال تسجيل الدروس Mooc أي massive open online course، الذي يعد وسيلة تربوية بيداغوجية، تمكن من تعويض النقص الحاصل في نسبة التأطير، ومحاربة التعثر الدراسي، وكذا مواجهة مجموعة من الإكراهات ذات الصلة بالارتفاع المتزايد في أعداد الطلبة، وتتوفر حاليا منصة UCA@Mooc على 100 وحدة مسجلة، وتعتزم جامعة القاضي عياض إنشاء مختبرات افتراضية لتمكين طلبتها من إنجاز الأعمال التطبيقية عن بعد، وهي وسيلة للتكوين يتم من خلالها محاكاة المختبرات الحقيقية، كما تهدف هذه البادرة إلى تنمية مهارات التفكير والعمل المخبري لدى الطلبة.
• إنشاء أكبر مركز لتعلم اللغات بالمغرب، مع إعطاء عناية خاصة لللغة الإنجليزية لكونها من مستلزمات الولوج إلى سوق الشغل. ولهذا الغرض تعتزم الجامعة فتح وحدات التدريس باللغة الإنجليزية، بموازاة مع تلك المفتوحة باللغة العربية أو الفرنسية في بعض التخصصات.
• تأسيس مركز الإدماج المهني الذي يجسد التزام الجامعة الراسخ، من أجل تعزيز فرص التشغيل لخريجيها، ومواكبتهم في بناء مسار مهني ناجح، مع الاستجابة المتواصلة لحاجيات العالم السوسيو اقتصادي على مستوى المهارات.
• إدماج وحدات خاصة بالمهارات الذاتيةSoft skills وLife Skills، والثقافة العامة والرياضة في مسارات التكوينات المقدمة.
• توطيد مكاسب الطلبة والخريجين في مجال الإعلاميات، من خلال نظام مندمج للإشهاد المعلوماتي Certifications .
• تنظيم دورات تدريبية مخصصة للمهنيين في إطار تكوينات مستمرة، تتوج بدبلومات جامعية أو شواهد التأهيل، كما يتم فتح تكوينات حسب الطلب.
• إرساء نظام تقييم التدريس من طرف الطلبة، الذي يعتبر سابقة بجامعة القاضي عياض.
عروض تكوين تلائِمُ سوق الشغل
وأفادت ذات الورقة التمهيدية الصادرة عن جامعة القاضي عياض ، أن هذه الأخيرة تحرص كباقي الجامعات بالدول النامية، على تقديم عروض في التكوين تستجيب لتطلعات مختلف الفاعليين السوسيو اقتصاديين ولشروط الإدماج المهني، كما يزداد اهتمامها بمستقبل طلبتها الذين ينحدر معظمهم من أسر محدودة الدخل، ليس بمقدورهم تعلم اللغات، والتمكن من المعارف و المهارات والكفايات المرتبطة بالتنمية الذاتية، مما يقلص من فرصهم في التكوين وبناء الشخصية والولوج لسوق الشغل. وبذلك فإن تجاوز هذه التحديات، رهين بفتح حوار بين الجامعة ومحيطها المؤسساتي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، من أجل إيجاد حلول مبتكرة وموضوعية.
كما تعمل جامعة القاضي عياض اليوم، على دراسة ومراجعة محتوى وأهداف أكثر من 90 عرض تكوين بمختلف التخصصات، وذلك من أجل إطلاق عرض تكوين جديد خلال الموسم الجامعي القادم 2017-2018. كما تهدف من خلال تنظيم هذا اللقاء، الانفتاح على محيطها السوسيو إقتصادي لحثه على تحديد متطلباته بهدف ملاءمة عروض تكويناتها لسوق الشغل، لتمكين طلبتها من آفاق جديدة لاندماج أفضل في سوق الشغل.
وبذلك تعبر جامعة القاضي عياض على رغبتها الملحة للانخراط الفعلي والمساهمة في أوراش التنمية الكبرى بالمغرب، وعلى رغبتها بالدفع إلى التفكير الجماعي في الدور والمهمة المنوطين بها باعتبارها قاطرة للتنمية .
ومن خلال تنظيم هذا اللقاء، تسعى جامعة القاضي عياض إلى حث المحيط السوسيو اقتصادي على إبداء الرأي حول عروضها في التكوين وحول مدى نجاعتها؛ ودعوة الفاعليين وإشراكهم في وضع محتوى عرض للتكوين، ومساهمتهم في تسطير التوجهات الاستراتيجية في هذا الصدد؛ وتحديد المهارات والكفاءات اللازم توفرها في خريجي الجامعة ، مع إعطاء الأولوية للبحث والتنمية، لبلورة مشاريع مشتركة ومتعددة التخصصات؛و حصر الاحتياجات الخاصة للشركات المحلية والوطنية، ومواكبتهم بالخارج وبأفريقيا على وجه الخصوص؛ بالإضافة إلى ربط شراكات تمكن من تقليص الهوة بين متطلبات المحيط السوسيو اقتصادي، ومؤهلات خريجي الجامعة.
وأخيرا تسعى جامعة القاضي عياض إلى جعل انفتاحها على محيطها السوسيو اقتصادي عملية مستدامة، تتيح فرص حقيقية للاندماج الفعلي في النسيج الاقتصادي والاجتماعي، وضمان الجودة في التكوين تماشيا مع متطلبات سوق الشغل .