قبل عيد الحب “الفالانتايـــن”، هذه متعة وأسرار الحب عند القدامى
مـحـمـد القـــنــــور :
“لا حياء في الدين” ذاك هو شعار فقهاء المسلمين الأوائل في تناول موضوع الحب والجنس،ولوعة العشق والهيام، وفنون الجماع والنكاح، لكن في وقتنا الراهن، حيث تُلقى التهم جزافا بالرغبة في إفساد أخلاق الناس، نستعيد فتاويهم بالكثير من الانتقاء والحذر، وللمستزيد أن يطلع على ما خلّفوه من مصنفات فيها الكثير من الجرأة وحب الحياة.
فهل كان عبد الباري الزمزمي، الفقيه المغربي الراحل، والمثير للجدل، يأتي بـــ “بدعة” ينكرها من سبقه من العلماء والفقهاء بفتاواه الجنسية المثيرة أم أنه يواصل تقليدا أصيلا لديهم؟
“هاسبريس ” تعقبت سير الفقهاء في الإسلام حيث يبدو أنهم لم ينشغلوا فقط بما ينفع الناس في عباداتهم ومعاملاتهم، بل اعتبروا الحديث عن الحب وحتى الجنس من صميم الدين. هذا ما عكسته كثير من المصنفات التي ألّفها ثلة من أولئك العلماء والمصنفين ، دون أدنى حرج أو خشية من اتهام.
تصنيف.. أنواع النسـاء
يحكي أبو الفرج الأصفهاني عن أنواع النساء أنهن الكاعب: وهي الحديثة السن، التي قد كعب ثديها، أي ظهر، من طباعها الصدق في كل ما تسأل عنه وقلة الكتمان لما علمته وقلة التستر والحياء وعدم المخالفة للرجال، والناهد: وتسمى المفلكة ، وهي التي نهد ثديها وفلك، أي استدار ولم يتكامل بعد، فتستتر بعض الاستثار، وتظهر بعض محاسنها وتحب أن يتأمل منها ذلك، والمعصرة: وهي الممتلئة شبابا التي استكمل خلقها، وعظم ثديها، فيحدث عندها دلال وأدب وتحلو ألفاظها ويعذب كلامها وتشتد ألمتها ويقال أيضا معصرة، والعانس: وهي المتوسطة الشباب التي قد تهيأ ثدياها للانكسار، فتحسن مشيتها ومنطقها، وتبدي محاسنها بغنج ودلال، وأحب الأشياء إليها مفاكهة الرجال وملاعبتهم، وهي في هذه الحالة قوية الشهوة مستحكمتها منها، أما المسلف وهي المتناهية الشباب، ولا شيء أشهى إليها من المباضعة، وتعجبها المطاولة في الإنزال، في حين يطلق نعث الجميلة على التي تأخذ ببصرك عن البعد، والمليحة التي تأخذ بقلبك على القرب.
امرأة تشكو زوجها إلى عمر
أتت امرأة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقالت: «يا أمير المؤمنين، إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل، وأنا أكره أن أشكوه إليك وهو يقوم بطاعة الله»، فقال لها: «جزاك الله خيرا من مثنية على زوجك». فجعلت تكرر القول وهو يكرر عليها الجواب. وكان كعب الأزدي حاضرا، فقال له : «اقض، يا أمير المؤمنين، بينها وبين زوجها»، فقال: «وهل فيما ذكر قضاء؟»، فقال: «إنها تشكو مباعدة زوجها لها عن فراشها، وتطلب حقها في ذلك»، فقال عمر: «أما إن فهمت ذلك، فاقض بينهما». فقال كعب: عليّ بزوجها، فأحضروه فقال له: «إن زوجتك هذه تشكوك»، قال: «أقصرت في شيء من نفقتها؟»، قال: لا، فقالت المرأة:
يا أيها القاضي الحكيم رشده….ألهى خليلي عن فراشي مسجده
نـــــــهاره وليله ما يــــرقده….فلست في حكم النساء أحمـــده
رده في مضجعــــــى تعبده….فاقض القضاء يا كعب لا تردده
فردّ عليها زوجها:
زهدي في فراشها وفي الحجـــــــل….إني امرؤ أذهلني ما قد نزل
في سورة النحل وفي السبع الطوال….وفي كتاب الله تخويف جـلل
فعلّق كعب :
إن خير القاضيين من عدل….وقضى بالحق جهرا وفصل
إن لها حقا عليم يا رجــــل….نصيبها في أربع لمن عــــقل
قضية من الله عز وجــــل…..فاعطها ذاك ودع عنك العلل
فقال عمر: “والله لا أرى من أي أمر أعجب، أ من فهمك أمرها أو من حكمك بينها؟ اذهب، فقد وليتك قضاء البصرة”.
العشق عند ابن حزم.
كما إشتهر علي بن أحمد ابن حزم الأندلسي، بكونه الفقيه العاشق، من خلال كتابه “طوق الحمامة في الألفة والآلاف”، رسالة في الحب ومعانيه، وأسبابه وأعراضه، وما يقع فيه. إذ من الصفحات الأولى للكتاب يؤكد أنه شاهد معظم النساء، وعلم من أسرارهن ما لا يكاد يعلمه غيره، لأنه ترعرع في حجورهن، ونشأ بين أيديهن، ولم يعرف غيرهن، ولم يجالس الرجال إلا بعدما وصل سن الشباب .
وقد قسّم ابن حزم كتابه “طوق الحمامة” إلى ثلاثين بابا بسط فيها أصول الحب وأعراضه وصفاته المحمودة والمذمومة والآفات الداخلة عليه، فالحب، عند ابن حزم، “أوله هزل وآخره جد .. لا تدرك معانيه إلا بالمعاناة، وليس بمنكر في الديانة، ولا بمحظور في الشريعة”. ويعرّف الحب بأنه اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع. ومن علامات الحب، في نظر ابن حزم، “إدمان النظر للمحبوب، والإسراع بالسير نحو المكان الذي يكون فيه، والاضطراب عند سماع اسم المحبوب أو عند سماع صوته، واستدعاء اسمه، والتلذذ بالكلام عن أخباره، وحب الوحدة والأنس بالانفراد، ونحول الجسم والبكاء. وعن الحب من أول نظرة، يقول ابن حزم:”كثيرا ما يكون لصوق الحب بالقلب من نظرة واحدة، لكن من الناس من لا تصح محبته إلا بعد طول المحادثة وكثير المشاهدة وتمادي الأنس”.
وبعد الحب تأتي المراسلة، حيث يوصي ابن حزم بأن يكون شكل الكتاب ألطف الأشكال، وجنسه أملح الأشكال. ومن بعض صفات الحب: الكتمان باللسان، وجحود المحب إذا سئل، والتصنع بإظهار الصبر، وربما يكون السبب في الكتمان تعاون المحب عن أن يشهر نفسه بهذه الصفة عند الناس.
ويذهب إبن حزم إلى أن أفضل ما يأتيه الإنسان في حبه التعفف وترك ركوب الغريزة والمعصية والفاحشة.
أدب الخلاعة عند السيوطي
ومعروف عن جلال الدين السيوطي، كونه أحد الذين حاولوا تفسير القرآن كي يفهم نوازله العامة، فهذا العالم، الذي عرف بموسوعيته وغزارة إنتاجه، لم يترك فرعا من فروع العلم إلا شارك فيه بقدر ونصيب، وكان أول تأليف خطّ سطوره وهو في سن الـثامنة عشر من عمره كتاب “تفسير الاستعاذة والبسملة”، ثم توالت المؤلفات في شتى أصناف العلم والمعرفة. ومن الحقول التي اختار السيوطي أن يدلي فيها بدلوه، نجد موضوع الجنس والحب، الذي خصص له كتابه “شقائق الأترج في رقائق الغنج”، حيث أجاب فيه سائلا أراد أن يعرف حكم الغنج الشرعي.
ويعتبر السيوطي أن كل جزء من جسم الإنسان له نصيب من اللذة ونصيب من الغنج الذي هو الترقق والتدلل والذهول وتفتير العيون وتمريض الجفون وإرخاء المفاصل من غير سكون حركة والتعلل من غير انزعاج والتوجع من غير ألم.. ويحكي السيوطي عن أحد القضاة المتقدمين “أنه تزوج امرأة مطبوعة على الخلاعة، فلما خلا بها سمع منها ما لم يسمعه قبلها، فنهاها عنه، فلما عاودها للمرة الثانية لم يسمع منها شيئا من ذلك، فلم يجد في نفسه نشاطا كالمرة الأولى ولا انبعثت له تلك اللذة، فقال لها: ارجعي إلى ما كنت تقولين أولا، واجتنبي الحياء ما استطعت”.
وقد تصدّى السيوطي للحديث عما تحبه النساء في الرجال، وما يكرههن فيهم، فالنساء يفضلن الرجال الذين يكونون عالمين بأمورهن، ويكرهن الرجال الذين يبدون إعجابهم بنساء أخريات. ومما يقربهن من الرجال أن يقدموا لهن هدايا دون أن يطلبن ذلك، ويحتملوهن عند الغضب. وذكر السيوطي أن “المرأة تصل إلى الشهوة مع الرجل الذي صلبت رهزته، واشتدت ضمته وعنف إدخاله وبعد إنزاله.. وكان طيب المشاهدة، حلو المفاكهة، قويا على المعاودة، فهذا عند المرأة اللذة الكبرى، والأمنية العظمى، والأمل الطويل، لا تنجح في كبح جماحه صلة نسيب، ولا هيبة رقيب..
القزويني ومودة النساء
كيف تأتي بالنساء إلى فراشك؟ هل تشغل نفسك بما تريده المرأة؟ هذا ما يتصدى الفقيه الشيخ علي القزويني للحديث عنه في كتابه “جوامع اللذة”، حيث يرشد القارئ إلى كيفية كسب مودة النساء في الحلال وقواعد النكاح وأوقات الجماع والأحوال التي يستحب فيها النكاح.
ويؤكد القزويني أن الرجل لا ينال المرأة إلا برضاها، ولا يبلغ رضاها إلا بمعرفة طاعتها، ولا ينال طاعتها إلا العالم بأمر النساء الحاذق فيه، وأحب الرجال إلى النساء أجمعهم للأدب وأجملهم بموافقتهن، ولا شيء أصيد لامرأة، ولا أنقص لعرفها، ولا أذهب لعقلها من أن تعرف أن إنسانا يحبها.
وحسب القزويني يجب على الرجل، أن يتجمّل عند المرأة بأحسن هيأة، ويتطيّب بكل ما يمكنه، ولا يوحشها بمطالبة الجماع في أول جلسة.