جمعية المُنية تكسبُ رهان رقمنة التراث في مؤتمر دولي علمي بمراكش

مـحـمـد الـقـنــور : 

عرفت أشغال إفتتاح المؤتمر الدولي الثامن للعلوم وتكنولوجيا المعلومات التي إفتتحت مساء اليوم الإثنين 6 أكتوبر الجاري، في إطار الملتقى الرابع حول تقنيات رقمنة المخطوطات والتراث وآليات الحفظ والصيانة في قواعد بيانات إلكترونية بفضاء المحاضرات بالمركب الإداري والثقافي محمد السادس، باب إغلي، في مدينة مراكش، والتي ستستمر إلى غاية 10 من نفس الشهر، والمنظمة من طرف فرع المغرب بالمعهد الدولي للعلوم والتكنولوجيا، وجمعية منية مراكش لإحياء تراث المغرب وصيانته، بحضور أكثر من 110 باحثًا وخبيرًا من 25 دولة، إيطاليا، اليابان، البرتغال، ألمانيا، الولايات المتحدة، اليونان، إسبانيا، النرويج، أيرلندا، سويسرا، لوكسمبورغ، سلطنة عمان، الأردن، السعودية، سوريا، تونس، فلسطين، السنغال، فرنسا، المملكة المتحدة، النمسا، أوكرانيا، جنوب إفريقيا، وصربيا، بالإضافة إلى البلد المضيف المغرب، وذلكــ من خلال مجموعة من الأكاديميين والأوساط العلمية ، والدوائر الثقافية، والجامعات المغربية والدولية، والجهات المختصة في تقنيات رقمنة التراث والمخطوطات، وآليات الحفظ والصيانة الرقمية ضمن قواعد بيانات إلكترونية، مع الوقوف على مختلف آليات الذكاء الاصطناعي في معالجة الصور، والصوت، والفيديوهات التراثية ضمن ورشات علمية وعروض مشاريع بحثية.

 

هذا، وتناولت أشغال الإفتتاح، عروض مشاريع بحثية ومعرض للمخطوطات التراثية وتطبيقات تقنية في خدمة التراث المغربي والعالمي من طرف أبرز الشخصيات العلمية، المشاركة في فعاليات المؤتمر المذكور، أبرزها الأستاذة وفاء النحلي والأستاذ أنجلو ديلكروصو من جامعة بيزا والأستاذ فرانز فيشر من جامعة فينيسيا بإيطاليا، والأستاذ محمد مهاجر من جامعة عبد المالك السعدي بتطوان، والأستاذ جعفر الكنسوسي الخبير الأكاديمي في قضايا التراث المادي والغير المادي المغربي ورئيس جمعية منية  بمراكش، الذي أبرز أن أهمية المؤتمر  الدولي الثامن للعلوم وتكنولوجيا المعلومات، والملتقى الرابع حول تقنيات رقمنة المخطوطات والتراث وآليات الحفظ والصيانة في قواعد بيانات إلكترونية،  ليس فقط مجرد لقاء علمي، بل هو لحظة تأمل جماعي في المسؤوليات المشتركة تجاه الذاكرة الإنسانية، وفي مقدمتها التراث المغربي الغني والمتنوع، والذي تترجمه عن قرب جماليات هذا المركب الإداري والثقافي محمد السادس، التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والنابض بالحكمة المعمارية، والجمال الإبداعي الهندسي، والمترجم لعمق الهوية المغربية، المتلاقحة مع العديد من الروافد، بفعل إنصهارها داخل بوثقة الوحدة.

وذكر الأستاذ جعفر الكنسوسي، أن مدينة مراكش، تظل حاضرة ليست فقط للثقافة الإسلامية والمتوسطية، بل تظل إحدى حواضر العالم الإسلامي التي إحتضنت صفحات ومحطات التاريخ ومنابع الأعمال الجليلة والمآثر المتنوعة المتضمنة لإشعاعات  فكر العلماء والفقهاء والفلاسفة والأدباء، ومهارات وإبداعات الحرفيين وأرباب الصنائع، ومؤلفات المفكرين وتصانيف المؤرخين، والمعماريين والجغرافيين، والنقاشين والموسيقيين، واللغويين.

وأشار الكنسوسي أن أهمية المؤتمر تكمن في الثقل العلمي  للمشاركين والمشاركات فيه، المنتمين إلى أكثر من خمس وعشرين دولة، ولكون مدينة مراكش تشكل فضاءً للحوار، ومنصة للتجريب، وبوثقة للإبداع المشترك ، ومركزا لتبادل الخبرات وبحث إمكانات التعاون الأكاديمي، كمنطلق لمشاريع رائدة، وشراكات مثمرة، وأفكار تتجاوز الحدود، خدمةً للتراث، والمخطوطات وللعلم، وللإنسان، في زمن تتسارع فيه التحولات الرقمية، ويصبح الحفاظ على المخطوطات، والوثائق، والرموز الثقافية مسؤولية حضارية، تتطلب تضافر جهود الأكاديميين، والمهندسين، وخبراء المؤسسات الجامعية، من أجل بناء جسور بين الماضي والمستقبل، بين المخطوطات والرقمنة، بين رسم الحروف ودبدبات الصوت، وبين التراث والمعرفة.

كما أوضح الكنسوسي أن رقمنة التراث، تعد عملية دقيقة تهدف إلى تحويل الموروث التراثي المادي وغير المادي إلى صيغ رقمية قابلة للحفظ، والدراسة، والنشر على نطاقات دولية، وليست مجرد تصوير أو نسخ، بل مشروع حضاري يتطلب أدوات تقنية، خبرة علمية، ورؤية ثقافية، شكلت أبرز أهداف المؤتمر .

إلى ذلكــ ، وبعد إختتام أعمال يوم الإفتتاح، نظمت جمعية منية مراكش لإحياء تراث المغرب وصيانته، حفلا طربيا على شرف الخبراء والشخصيات الأكاديمية الدولية والوطنية من المشاركات والمشاركين، وفي ليلة مراكشية دافئة، حيث تختلط نسمات مساء الخريف بعبق التراث وعطر التاريخ، تصدر الفنان محمد باجدوب أحد أركان فناء مقر جمعية المنية، رياض الجبل الأخضر، بحي الرميلة في مراكش العتيقة، وسط تصفيق جمهور من المغاربة والأجانب متعطش للطرب الأصيل. وتحت وهج الأضواء، حيث تمايلت الرؤوس وإسْتئنَسَتِ الأسماع على وقع أنغام العود وباقي الآلات الإيقاعية، فيما تابع الحضور وصلات الطرب الأندلسي، التي شكلت في نفس الآن، درسا تعليميا بين لمعلم باجدوب وتلاميذته وطلبته من رواد فضاءات المنية، في لحظات إمتزج فيها سحر صوت الرخيم، بعذوبة اللحن، مع طلاوة إشاراته اللطيفة، وتعليماته الفنية الإصاتية لمُتعلميه حول المقامات، والطبوع، وتحت جمالية قوة الأداء، التي ظلت تنساب كالماء الزلال بين المقامات، توقظ الذاكرة وتستحضر في لحظات مؤثرة، زمن القصور و العراصي، وليالي السمر التليدة في مراكش وفاس، وشفشاون ووزان وتطوان وغيرها كما كانت في غرناطة والمرية وبلنسية وإشبيلية وسائر حواضر الأندلس، وكأن الزمن عاد إلى بداياته، في لحظات إهتزت لها القلوب قبل الأجساد، وتمايلت تحت أنغامها رؤوس الحاضرين في صمت مهيب، على مسارات “التخليلات”،  كأن كل كلمة باقة ورود، وكل نغمة زخات وجد وعرفان، وكأن باجدوب عميد الطرب الأندلسي، بخبرته الطويلة، لم يكن يغني فقط، بل يسرد حكاية إرتباط عميق مع المنية، ويروي وجدان شغف بين فنان أصيل ومعلم كبير وبين جمعية أتقنت  الغوص في أعماق درر ومفاتن التراث المغربي، وعرفت كيف تصقل أوتار الذاكرة الجماعية.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.