دردگ! زيد دردگ! تعرية مشهد “ثقافي” يحتاج للفضيحة
دردگ! زيد دردگ!
أمطرت أذني بالشكوى صديقة عبر الهاتف:
“أتعلمين أنه بقدر ما تنعتين الوطن مختزلا في مراكشك بالقطة التي تنبذ صغارها ليشتد عودهم.. كيلا تبتئسين ونبتئس معك.. بقدر ما يزداد نفور ذاك القطّ -الوطن- ويبالغ في خربشاته المُدمية؟!.. أتعلمين أنه بقدر ما تحاولين ونحاول بدورنا أن نُلمّع صورته معك.. بقدر ما يجعل أرواحنا شظايا متناثرة؟!”..
هممتُ بمقاطعتها لأنني استشرفت من شكواها طولا قد يجهز على تعبئة الهاتف كاملة.. ولا سبيل لتحصيل أخرى اعتبارا بتواجدي حينها بالبوسنة والهرسك!.. وتحديدا بسراييفو.. لكن الصديقة لم تترك لي مجالا إذ استرسلت:
“كلماتي ليست من قبيل التساؤل الذي يبغي منك أو من غيرك جواباً.. بقدر ما هو تعجب واستغراب للاحتفاءات التي بات يغدقها مغربنا في ظلال الشعبوية السائدة على شريحة معينة من المهاجرات دون غيرهن!”..
أمسكت منها بطرف الحديث ووقع كلماتها يعلو على كلماتي:
“الشعبوية غيمة ككل الغيوم مهما تكاثفت ستنجلي.. لكن لا تنكري أن بعضها طريف ولربما مضحك أيضاً.. كتلك المهاجرة إسبانية المقام التي كانت ضيفة بملتقى عن المرأة المغربية بغرب أوروبا.. واستوقفتني بعد العشاء بالفندق حيث كنا نقيم مع المنظمين والمنظمات مستفسرة أين (سأقصّر).. وأجبتها بأنني سأقصّر في غرفتي.. فزاد فضولها لتعرف مع من؟.. ولما شرحت لها أن التقصير لا يستوجب الصلاة الجماعية.. علقتْ باستغراب: “هل يعقل أن تغادر امرأة البيت لأيام معدودات لتقضي لياليها في الصلاة!؟!”..
فقالت الصديقة :
“ولو تقصيت أخبار تلك (المقصرة) ستجدينها واحدة من الموشحّات.. المكرّمات والمحتفى بإصداراتهن -بين قوسين -الأدبية من الهيئات والمؤسسات الساهرة على قطعان المهاجرين والتي يعتقد أربابها الميامين أننا قد ننقاد والعياذ بالله.. !”
لأجيب:
“اعتدت التحليق في رحاب الله الواسعة بعيدا بما ظل من ريش بجناحين تفنن أهل وطني في نتفهما.. لأنني أهواهُ!.. ووقتي لا أبدّده في تقصي أو استجداء السريالية من وطن صرّفني إلى زمن مجهول منذ زمن.. لأنني أحبه!.. وخاصّةُ شيوخ الصوفية بمراكش.. جعلوني أحفظ: كم من حاجة قضيناها بتركها.. وعامّة عوامّه جعلوني أردد: (إذا دحاك البخيل عند الكريم تبات).. وإذا زهد المغرب في إنتاج أمَة ربّها التربوي والفكري والأدبي.. فبيت الشعر الإيطالي وهيئات شعراء العالم بتايوان والبرازيل والأرجنتين ومقدونيا والكوسوفو وألبانيا وصربيا وبوليفيا والأردن ومصر وغيرها من البلدان تثمّنه لأنني مغربية عربية اللسان وأمازيغية العرق ومسلمة العقيدة.. وترجمت أعمالي إلى لغات سبع.. وانتدبتني بالتالي لأصدح بلواعج وأحلام وآمال المرأة المهاجرة بالغرب والشرق والشمال والجنوب لما يسمى بالبسيطة التي نعمر.. بين جنبات القصور العتيقة وقاعات العروض الفنية.. وها أنذا بعاصمة السلام سراييفو ضمن فعاليات ماراثونها الدولي للشعر.. هذا طبعا إذا أذنتِ لي بالعودة إلى داخل المتحف لاستكمال بروتوكول البرنامج مع قبيلتي الشعرية الجديدة..”
فأخذت مني طرف الحديث من جديد وكأني بها لم تعِ ما قصدتُه:
“إذن الالتفاتة كانت بوسنية-إيطالية- أوربية شرقية -دولية وليست ريفية أو ورزازية أو رباطية؟!.. على ذكر الرباط.. أتعلمين أن بالهيئات الراعية لشؤون المهاجرين قد تم التشطيب على اسمي واسمك من قائمة تكريم 8 مارس في آخر لحظة.. ليتمّ توشيح نساء فولكلوريات الطابع والهوى وإن ارتدين الــ tailleur الفرنسي الذي لا يستطيع مهما اتسع أن يسع بطونا بارزة ومؤخرات مكتنزة يتفنن في تدجينها بعلف الأبقار ذي الهرمونات العالية أو الكورتيزون الطبي الذي بسبب أوبئة للكبد والغرض من ذلك لا يعلمه سواهن؟!.. فهل يتحتم يا ترى التخلي عمّا وهبنا إياه الله تعالى من ثقافة وفكرٍ.. كي نحظى بتكريم؟.. هل يتحتم استبدال تغذية عقول مواطني البلدان المضيفة علماً ومعرفةً بتغذيتهم كسكساً و”بيصارة” كي نحظى بتمويلات لمشاريع هلامية بالوطن أو بالمهجر، بمبالغ خرافية الأصفار!؟.. هل يتحتم علينا نبذ اللغتين العربية والأمازيغية والرطن بالفرنسية في الندوات والملتقيات بالمغرب وكأن كل المهاجرين ربائب باريس فقط كي يتم الاعتراف بنا ككفاءات؟!.. هل يتحتم علينا تناسي ما غرسه الأهل فينا من مبادئ وقِيم والجنوح لتدفئة أسِرّة بعض المسؤولين الفارين من رفوف متاحف العاهات كي نحظى بالتفاتة؟!.. هل يتحتم طمس الرزانة والكياسة.. ب(دردگ زيد دردگ)؟!”..
فعلقتُ مازحة:
“بنفس القاعة الرياضية حيث أتمرّن.. هناك فصل (للتدرديگ) الأمريكي Tap-Dance.. لو رغبت في صقل مواهبك للحاق بركب المحتفى بهن بخطوات راقية بدل (القعدة)!”
لتقاطعني:
“سلبيتك لا تعجبني!!.. أنا لا أتوارى مثلك!.. ولا أتلبّس الشعبوية مثلهن!.. وصوتي لن يحوزه حزب الاستقلال ولا العدالة والتنمية ولا الاتحاد الاشتراكي بالمغرب.. ولا Il Movimento 5 Stelle.. بزعامة الكوميدي Beppe Grillo بإيطاليا!.. لا لثقافة اللغط!”
لأقاطعها بدوري: “لك كامل الحق في الشجب والرفض والنقد وحتى “التحياح” لو شئتِ!.. لكن السير قُدُما.. الهروب إلى الأمام.. ليس عيباً بالمرة.. بل فلسفة إيجابية.. حققت لي بحمد الله التوازن الضروري لحياة ملؤها الكبوات والعقبات.. وإذا لم تقفي طويلاً عقبة في طريق عودتي إلى قبيلتي الدولية لأن أطرافي الأربع تجمدت (3 درجات تحت الصفر) لأجعلنّ باكورة قراءاتي إهداء خالصاً لكِ!”
وأقفلت الصديقة الهاتف دون تحية طبعا.. ووفيتُ بدوري بالوعد وإن خالفتُ بروتوكول الملتقى بتلاوة منظومة بدون ترجمة إنجليزية:
سيداتُ الوقت الضائعْ
لن أكون سيدة للوقت الضائعْ
لن أكون البائعة ببخسٍ..
لكلّ ظمآن.. أو جائعْ
يقتاتُ بجسدٍ غضٍّ..
يرتوي بفكرٍ لامعْ
لن أكون سيدة للوقت الضائع
لن أكون سيدة للوقت الضائع
لكل هدّاف مراوغ..
وقناص بارعْ
لأكاذيبه قدودٌ..
بطولٍ فارع
ووقعٌ يصمُّ..
كأنه للطبول قارعْ
لن أكون سيدة للوقت الضائعْ
أجزلُ لأحدٍهم طيباتي..
فيهجر آخر ليلٍ..
يعرّفه بالرائعْ
ولاءً.. ورياءً لنفاق المضاجعْ
لن أكون سيدة الوقت الضائعْ!