فرع مراكش لرابطة كاتبات المغرب يطرح حق التعبير الإبداعي كضرورة نسائية
مــحـمــد الـقـنـور:
عـــدســـة : مـحـمـد أيت يـــحـــي :
نظمت السبت الفارط 24 مارس الحالي، فرع مراكش لرابطة كاتبات المغرب،بشراكة مع مؤسسة “هابريس”للإعلام والنشر والتوزيع والصحافة، وبدعم من المديرية الجهوية للثقافة لجهة مراكش أسفي، ندوة فكرية تواصلية، تحت عنوان “الحق في التعبير ضرورة نسائية”، وذلكــ إحياءً لليوم الوطني للكاتبة المغربية، 9 مارس ، وتزامنا مع تخليد اليوم العالمي للمرأة .
وخلال إفتتاح أشغال الندوة التي حضرتها مجموعة من الأطياف الثقافية والجمعوية والحقوقية والسياسية ، والعديد من الشاعرات والأديبات المعروفات بمراكش، وبعض ممثلي المنابر الإعلامية الوطنية، بالإضافة إلى حكيمات الرابطة ، الشاعرة الدكتورة الأديبة الباحثة مالكة العاصمي، والإذاعية الزميلة نجاة بناني، والباحثة الدكتورة بشرى تاكفراست، أوضحت الأستاذة الزهرة خيالي رئيسة فرع مراكش لرابطة كاتبات المغرب، أن 9 مارس هو محطة لحصر خلاصات إشتغال الرابطة على المستوى المحلي والوطني، من أجل الإحتفاء بالبوح التعبيري والتشكيلي النسائي، وكل مايتعلق بإبداعات المرأة المغربية، مشيرة أن البوح النسائي أدبيا وتشكيليا، ليس بضد البوح الرجالي وإنما هو بوح بالاحرى مضاد للقيم البالية الذكورية ذات النزوع التسلطي الاطلاقي، تحت سطوة الموروث الثقافي الرجعي، المضاد للوعي المتجدد.
وشددت خيالي على أهمية رابطة كاتبات المغرب ، برئاسة المبدعة الأديبة عزيزة يحضيه عمر ، في كونها تروم جمع شمل كل صاحبات لأقلام الجادة من مختلف جهات المملكة ، وعبر كل الأنماط الثقافية من عربية وأمازيغية وحسانية التي تزخر بها المملكة، وأن تنظيم الندوة يأتي في سياق رفع إيقاع التحليل والنقاش حول واقع وآفاق الأدب النسائي في المغرب،والتعريف به في سياق يتسم بالمتابعة والإستمرار والتواصل، وتأهيل وتوطين ما تستحقه المرأة المغربية من اهتمام بأفاق الكتابة والإبداع والدراسات النقدية، وتكريس ثقافة جدية وفعالة للتواصل بين مختلف أجيال الكاتبات والمبدعات من الشاعرات والتشكيليات والتعرف على إنتاجاتهن ، في أفق العمل على وضع بيبليوغرفيا لإنتاجات الكاتبة المراكشية، ورسم معالم أجندات سنوية لأنشطتهن، وفق معايير إيمان الرابطة بأهمية المغايرة والاختلاف بين مختلف التجارب الإبداعية النسائية، وإن كان من حيث المبدأ ليس هناك تصنيف لفنين أو لأدبين نسائي ورجالي…
من جهتها ذكرت الإعلامية الأستاذة سعاد تقيف “هابريس” أن عنوان الندوة “الحق في التعبير ضرورة نسائية” ، يتضمن شق حقوقي وشق إجرائي، مشيرة إلى أن يحيل إلى أهمية حضور “التعبيرالنسائي” في الثقافة المغربية الشفاهية والأدب الشعبي، عبر مختلف الأزمنة والعصور، وأن الإبداع النسائي كان دائما موجودا في المغرب ، وأنه كان دائما يكشف عن تطلعات وهواجس وآمال وألام وطموح المرأة المغربية المبدعة ، في مختلف الفنون التعبيرية والتشكيلية ، وعبر شتى مناحي الفلكلور المغربي من خلال الأهازيج الشعبية والأغاني الدارجة ، والمقطوعات الغنائية واللوحات الفنية وحتى الصنائع اليدوية من تطريز وحياكة ومن زخرفة ، ويترجم بوحها وتماهيها مع ذاتها ومع محيطها الخارجي.
وأشارت الزميلة سعاد تقيف ، أن المغرب أصدرمدوّنة “الأحوال الشخصية” عام 1957، ثم عدلت أولاً عام 1993، وعدلت مرة ثانية في 5 شباط عام 2004؛ لتصبح مدونة للأسرة. تلك المدونة، وتعديلاتها لاحقاً؛ تضمنت كثيرا من حقوق المرأة المغربية: في المساواة، وفي الزواج، وفي الطلاق، وحقوق الأطفال، وتقييد تعدد الزوجات، وفي صرامة تنفيذ القانون، وهو ما إنعكس إيجابيا على الحركية الإبداعية المغربية ، وشكل بنية تحتية نفسانية وسوسيو ثقافية تدعم مشاركة المرأة المغربية في الإنتاج الإبداعي الثقافي، مما جعلها تتبوأ ركناً أساسياً في عالم الإبداع التشكيلي والتعبيري، والتصنيفات الفكرية والنقدية وحتى الفقهية، بل وأن تقتحم مجالات النحت،والموسيقى تلحيناً وتأليفاً،والإخراج السينمائي والمسرحي وعوالم الإنتاج الإقتصادي، مما بات يشكل ظاهرة مغربية عالمية بإمتياز.
في ذات السياق، إستحضرت فعاليات الندوة عبر مداخلات كل من المشاركين الدكتور حسن المازوني،أستاذ الدراسات الشرقية بكلية الأداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض بمراكش، والدكتور المامون المريني أستاذ علم الأديان المقارن، بكلية اللغة التابعة لذات الجامعة، والأستاذ القيدوم الإعلامي محمد العمراني أمين،الباحث في خصائص الثقافة الشعبية المغربية،مختلف أنماط التعبير النسائي في المغرب بجميع أبعاده التاريخية والفكرية والسوسيو ثقافية، بدءا من الفلكلور المتضمن للأهازيج والأغاني النسائية وإنتهاء بفنون السرد والنظم النسائي، الذي تترجمه مختلف الأجناس الأدبية الشعرية والنثرية، ومرورا طبعا بفنون المسرح والسينما والفن التشكيلي، عبر كل الإبداعات التي تناولتها الفنون، والتي وقعتها نساء مغربيات كاتبات وشاعرات وإعلاميات وفنانات تشكيليات وممثلات ومخرجات سينمائيات ومسرحيات .
هذا، وتطرق المحاضرون إلى خصوصيات الكتابة النسائية بالمغرب، وإلى تاريخها وأبرز النقلات الشكيلة والمضمونية التي عرفتها ، وإلى تطوراتها التي تعكسها وفرة الإنتاجات المتنوعة من طرف المبدعات المغربيات، وأنّ أية امراة ما لا يمكنها ولوج باب الكتابة أو الإبداع التعبيري أو التشكيلي ورسم شخصيتها ونقل شواغلها بقلمها أو بريشتها التشكيلية أو برؤيتها المسرحية أو السينمائية دون أن تكون على خطّ التماس مع قضايا عديدة أخرى كقضايا السياسة والإقتصاد والثقافة التقليدية المؤسسة على النمطية الذكورية ، وهو ما يتطلب الجرأة في التناول والقدرة على النقذ، والإبداع في الكشف عن الإختلالات وعن مختلف نقاط الضعف القائمة بينها وبين المجتمع .
في حين تناول المحاضرون عدوان الماضي وظلم بعض الأمثال الشعبية والتصورات القبلية حول المرأة المغربية هنا وهناكـ ، هو مادفعها في الحاضر إلى التمرّد أحيانا وإلى النضال الفكري والثقافي من أجل انتزاع الحقوق، وإثبات الذات، حيث باتت الحرية لدى المغربيات ، و”الحق في التعبير ضرورة نسائية” ومطلبا مشتركا لدى كل المغربيات من مختلف المرجعيات الفكرية والنوازع الذاتية والخلفيات الثقافية ، وسيلة يعالجن بها شتى الإختلالات ويتصدين لأكثر العوائق،في مبادرات وإبداعات سعت إلى تقويم الإعوجاج في الرؤية وفي المنهج وفي المعرفة المكتسبة والتراكمات النمطية .
وإرتباطا بنفس الموضوع ، شدد المحاضرون على أهمية المقارنة بين حال المرأة المغربية أمس، وحتى إلى الثمانينيات من القرن العشرين، وحالها اليوم، في القرن الحادي والعشرين، مؤكدين على التقدم الملحوظ في وضع المرأة المغربية، والذي يتمثل في زيادة إدماجها في المجتمع، من خلال الازدياد في المشاركة السياسية والمساهمة في صنع القرار السياسي والإقتصادي والتنموي الجمعوي،وذلكـ نتيجة إرتفاع نسبة النساء المتعلمات، والتطورالحاصل في النساء المساهمات في الإنتاج الثقافي الإبداعي، والحياة الإقتصادية بشكل لم يسبق له مثيل، خاصة على المستوى الثقافي والإبداعي ، وكذا إلى التراجع في نسبة الأمية الأبجدية بين النساء، وتزايد المشاركة النسائية في سلك القضاء والسلطة والجماعات الترابية والمؤسسة التشريعية والعمل الجمعوي والمبادرات الإقتصادية المقاولاتية .
هذا، وعرفت أشغال ندوة “الحق في التعبير ضرورة نسائية”الفكرية التواصلية، مداخلات من طرف الحضور من مختلف الفعاليات والأطياف الثقافية والإبداعية والإهتمامات الفكرية والمعرفية ، حيث تناولت أوجها من نضالات النساء المغربيات خلال فترة الستينيات في القرن الماضي، ووصفتها بالنضالات الجبارة من أجل حقوقهن الطبيعية والدستورية والثقافية، حيث أثبتن كفاءة متميزة في واجهات وميادين عديدة؛ وهو ما جعل النساء المغربيات بعد ذلك يحصدن نتيجة ما زرعت النساء الرائدات في مجالات بوح الكتابة، والصحافة، والسياسة، والطب، والفن، والفكر؛والفقه، كما كشفت مداخلات أخرى على أن الإنجاز الأعمق للنساء، زاوج بين التقدم السياسي والاجتماعي؛ وبين القدرة على الإبداع والتصنيف الأدبي والفكري وهو ما جعل الإنجاز الأكبر لنساء الوطن العربي والعالم الإسلامي ، يتحقق في المغرب .
في حين رأت مداخلات أخرى، أن الانتقادات الغر الهادفة واللابناءة الكثيرة التي كانت تستهدف بعض الكتابات النسوية، التي تتحدث عن طبيعة المرأة، وما كان يعقبها من هجوم شرس على الصادق والفاضح الصريح منها في أوقات كثيرة؛ باتت في عداد الماضي بالمغرب ، بسبب زيادة عدد المبدعات من النساء، ونتيجة إرتفاع وثيرة الوعي داخل المجتمع، وبسبب الانفتاح على العالم، وعبر أجهزة الاتصال الحديثة المختلفة، ومواقع التواصل الإجتماعي ، إذ ربطت هذه المداخلات بين اتساع مشاركة المرأة في الإبداع، ودورها العملي داخل المؤسسات العامة والخاصة التي تخطط لهذا الإبداع ، أو ترعاه، مؤكدة على أن تواجد المرأة المغربية في المؤسسات ، وإن كان لايزال لم يرق للمستوى المنشود بات جزءاً من طبيعتها، وعنوانا لمساهمة النساء المغربيات في الواقع الثقافي،والعام ، وأصبح الآن إنجازا للمرأة المغربية ذاتها، وجزءاً من حركة المجتمع المغربي، وموقعها بداخله ، وقد بات من النادر غياب المرأة المغربية عن مواقع اتخاذ القرار في المؤسسات الرسمية في الوزارات ودوائر الثقافة، ومراكز التنمية والفكر ، ودوائر الإقتصاد كما بات وجودها في المجالس المنتخبة إنعكاسا لوجودها الفعلي والناجع في المجتمع المغربي ذاته، بل صار لها إطارات ثقافية ومهنية وحقوقية جمعوية مستقلة .
كما تساءلت مداخلات أخرى، حول كيفية قراءة تراجع دور المرأة، في ضوء ما سبق من تطور وإنجازات؟ وكيفيات حصر معيقات تطور وضعية المرأة المغربية ، رغم التقدم الملموس الذي أحرزته، في أبرز المجالات ؟ داعية إلى أهمية الوقوف على معاناة النساء المغربيات أولاً، ثم الوقوف على جميع عوامل تقدمهن وأسباب تراجع دورهن.
وأشارت ذات المداخلات إلى أننا لا نستطيع الحديث عن نساء مغربيات ، تحملن السمات نفسها، في أنحاء المغرب؛ لكنا نستطيع الحديث والوقوف عن سمات متقاربة للنساء في المغرب .
وخلصت المداخلات المعنية إلى أنه على الرغم من التقدم النسبي والملحوظ الذي أحرزته المرأة المغربية ، في مجالات متعددة؛ إلا أنها تعاني معاناة مزدوجة: معاناتها كمواطنة ، تحمل هموم شعبها ، وآلامه وآماله، ومعاناتها كامرأة، لاتزال تعاني التمييز والوصم وتداعيات الثقافة الرجعية والأحكام النمطية بسبب جنسها؛ الأمر الذي لايزال ينعكس حتى على بعض القوانين المغربية الغير منصفة، رغم مبدأ المناصفة الذي أقره الدستور ، إذ أن المرأة المغربية لا زالت تضعها هذه القوانين في موقع التابع لا موقع الشريك، مما يضعف إمكانية استفادة المغرب من خبراتها وطاقاتها، فضلا عما تتعرض له المغربيات الفاعلات في الحياة العامة من نقد شديد من طرف القوى المحافظة.
كما ذكَّرتْ مداخلات أخرى، بأهمية نضالات النساء المغربيات على جبهات عديدة، على غرار جبهة الفقر والتهميش وجبهة التخلف، وجبهة الحريات التي لا تتجزأ، والتي تشتمل على حريتها كامرأة، وكشفت ما ظل تقتضيه هذه النضالات من مرافعات لتطوير القوانين، وقصد الإرتقاء بالمشاركة النسائية داخل السلطات التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، والدفع من أجل إندماجها القوي في خطط التنمية، ودعم مختلف مطالب ونضالات المغربيات ممن يخضن مع الرجال المغاربة المؤمنين بأهمية إشراك المرأة في مناحي الحياة جميعها نفس المعركة، حيث شددت ذات المداخلات على أن تقدم أوضاع المرأة لا يمكن أن تكون ذات منحى عمودي بل أفقي تتعلق بالفكر وحرية التعبير والثقافة والإبداع والتربية والتأطير من جهة، وبالقانون والتشريع والإقتصاد والإدارة من جهة ثانية، لكون مكتسبات النساء المغربيات كان دائما تتأكد كنتيجة تتحصل من حلال التطور والوعي المجتمعين، وتنطلق من الرغبة في التغيير؛ ولم تكن يوما هبة من الحكومات المغربية المتعاقبة؛ بل عبر ترافعات ونضالات إحتاجت وقتاً طويلا لكي تترسخ في الحياة الاجتماعية المغربية .
وأشارت ذات المداخلات أنه من الضروري من أجل ترسيخ “الحق في التعبير كضرورة نسائية” بات من المفروض أن يتجسد ليس في الحركة الإبداعية والثقافية النسائية المغربية فقط ، بل في مختلف القوانين والتشريعات التي قوم على إعمال مقاربة النوع ، قصد تحصين المكتسبات النسائية،والتماهي مع المطالب الحقوقية الثقافية والإقتصادية والسياسية التي تتبناها قواعد عريضة من النساء المغربيات، وليس فقط المبدعات منهن ، والعمل على تثبيتها في نصوص قانونية .
وثمنت مداخلات أخرى ارتفاع في وتيرة الإصلاحات القانونية المتعلقة بحقوق النساء على المستوى الوطني، من خلال وضع حد للتمييز القانوني وتوسيع أفق الحماية للنساء، من خلال سن القوانين، ومن خلال تحمل الدولة مسؤولية وضمان تطبيقها. على غرار حظر العنف الأسري، و تجريم التحرش الجنسي في أماكن العمل، و”العنف الجنسي، والاتجار بالنساء، إضافة إلى انهيار الوضع الأمني، والحد من ارتفاع معدلات تزويج القاصرات، وانحسار الحريات النسائية وتوجيه الميزانيات الجماعية لخدمة الإبداعات النسائية المغربية، وجندرة هذه الميزانيات.
على واجهة أخرى ، أكدت مداخلة أخرى لإحدى الحضور، على ضرورة التفريق بداية بين الثقافة المغربية ككل، الثقافة التي احترمت النساء المغربيات، ووثقت إنجازاتهن، عبر العصور من خلال نضالات زينب النفزاوية والسيدة الحرة والعودة السعدية وأعمال إبن رشد وإبن طفيل، وإبن زهر وإبن خلدون، وإبن باجة،إلى جلالة المغفور له محمد الخامس والمغفور له الحسن الثاني ورواد سياسيين ومفكرين مغاربة على غرار علال الفاسي وعبد الله إبراهيم وأحمد عصمان ومحمد بن أسعيد أيت إيدر وعبد الرحيم بوعبيد وعلي يعتة ومحمد عابد الجابري وفاطمة المرنيسي وعبد الله العروي وعبد الكبير الخطيبي ، وغيرهم ، وبين الثقافة المغربية، التي رسَّختها مفاهيم شعبية، لم يَجْرِ الوقوف عليها بشكل نقدي جدي وشجاع، بل تم الصمت عليها تحت عنوان: “تقديس التراث”؛ الأمر الذي ثبَّت وكرس كثيرا من هذه المفاهيم المغلوطة ، في الثقافة الشعبية الجماعية، وساهم في تكريس صورة نمطية للمرأة المغربية ، بات الآن يصعب التخلص منها، إلا من خلال التربية والتكوين والتأطير والتحسيس، خصوصا وأن الذاكرة الشعبية المغربية كما العربية رسَّخت صورة سلبية للمرأة المغربية، تربط بينها وبين الخيانة والمكر والمراوغة والخداع. كما أن مفهوم “الطبيعة الأنثوية الدائمة” ظل عبر العصور مطبوعا بقوة في أذهان غالبية الناس بشكل سلبي ، حيث بقيت المرأة في نظرهم “جاهلة”، و”عاطفية”، و”ضعيفة”، بل هي لا تستطيع التحكم حتى في أفعالها، كما أنها رقيقة، وحساسة، وحنون، ومختلف الصفات التي تم ربطها بالتركيب الجسدي للنساء، وبأنها ملحقة وتابعة للرجل، كابنة، أو زوجة، أو أم، وبداخل بعض الأمثال الشعبية في كون ” النساء لهن نصف عقل”، والمثل الشعبي الشائع حول “إسمع للمرأة ولا تاخذ برأيها” كما أن المرأة غير قادرة على الاختيار الحكيم، لدرجة أنه يقال في الثقافة الشعبية النمطية والبالية عن الرجل الضعيف بأنه “بحال لمرا”.
وأكدت ذات المداخلات على أنه بات من من الضروري أن نُجري غربلة للموروث، لهذه الرواسب الشعباوية من خلال إبداعات وتصنيفات وقراءات النساء المغربيات لها، وكذا من كلا الجنسين، وإعمال نظرة نقدية للتراث المغربي تضع الإيجابي منه في الصدارة، وتعيد امتلاكه، على أساس معرفيّ علمي معاصر، وتستبعد الغث والمتخلف فيه وتنأى من القبيح فيه ، وتمحو صورة الإنسان القدري، المسلوب الإرادة، وتستحضر كل ما هو مشرق ومبدع من تاريخ الإنسان المغربي وداخل ثقافته سواء العالمة أو الشعبية ، وتضع في القلب منه المساهمة الفاعلة للمرأة المغربية أدبيا وفكريا وفنيا وإقتصاديا وعلميا وإجتماعيا وحتى دينيا في مناحي الحياة العامة كافة.
وأعطت ذات التدخلات أثناء النقاش الذي عرفته الندوة الفكرية التواصلية، تحت عنوان “الحق في التعبير ضرورة نسائية”، والمنعقدة إحياءً لليوم الوطني للكاتبة المغربية، 9 مارس ، وتزامنا مع تخليد اليوم العالمي للمرأة ، مثلا عن خُرافة خلق حواء من ضلع أعوج للرجل،أو حتى ضلع سوي، مشيرة إلى كونها أسطورة مستقرّة ومنتشرة بكثرة، في المغرب العميق وعلى طول البلاد العربية، تروم تأكيد سيادة الرجل، وتنقص من مساواة المرأة به، وخرافات أخرى تقْرِنُ بين المرأة والحية والشيطان والجنية. ولكننا حين نعود إلى القرآن الكريم، لنبحث عن أثر هذه الأسطورة؛ لا نجد لها أثراً ؛ إذ أن الله تعالى يؤكد أن مصدر الخلق واحد، وأنه خلق الذكر والأنثى من نفس واحدة لقوله تعالى : “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء” .
كما أوردت مداخلات أخرى ، أن مثل هذه الأفكار التي وصفتها بالبالية نابعة إمّا من شيوع التفكير الذكوري، والذي طال مما طالهُ على طريقة المنطق الصّوري، التقسيم حتى أدبيا ونقديا بين البوح الفني والأدبي الرجالي والبوح الفني والأدبي النسائي.
كما أوضحت ذات المداخلات على أن تسمية الفن والادب النسائي جاء انعكاسا لواقع يتجسد في كون أنّ أكثر نتاج النساء المغربيات قبل اعوام كان لا يدور إلاّ حول موضوع المراة وحريتها وتمردها وقلقها، وعلاقاتها بالرجل .
ولعلّ الاختلاف الموجود بين مؤيد للمفهوم ورافض له – حسب نفس المداخلات – عائد الى سوء الفهم لهذا الإبداع “النسائي” من قبل نقاد هم في الأصل ذكور ظلوا حريصين على عدم انتحال مواقعهم، رغم اختيار النساء دخول حقل مليء بالألغام يمكن أن ينفجر تحت أقدامهنّ في أية لحظة لأنهنّ تطرّقن الى قضاياهنّ وتطلعاتهن التي هي جزء طبيعي من نضال المجتمع المغربي من أجل التنمية والمساواة والمناصفة وحقوق الإنسان وإشراقات الفن والفكر وجزء من استشرف الكاتبات المغربيات خصوصا ومختلف أطياف النساء المغربيات لحلول استمددنها من كون المغرب غنيّ بإمكانات التقدم والمضي قُدُما نحو المستقبل، مع الحفاظ والدفاع عن توابثه وهويته ووحدته الترابية والتاريخية، وتعدده الثقافي وإشعاعه الحضاري .