المسجد المحمدي بحي الأحباس بالدار البيضاء،رمزية الإسم وتفرد التاريخ
عبد اللطيف الجعفري :
و م ع :
ينتصب شامخا وسط حي الأحباس بالدار البيضاء الذي ينضح بالثقافة وعبق التاريخ بالعاصمة الاقتصادية ، بيد أن ما يميزه ، فضلا عن حمولته الروحية، هو معماره الفريد وهندسته الرفيعة وامتداده الزمني الذي يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي .
إنه المسجد المحمدي بالدار البيضاء ، الذي يحمل إسم السلطان محمد بن يوسف الذي أمر بتشييده، وكان يزوره بانتظام أثناء فترة البناء ،حيث تم بناؤه بتاريخ 1355 هجرية الموافق لـ 1934 ميلادية .
وحسب معطيات تقنية وإحصائية، وفرتها المندوبية الجهوية للشؤون الإسلامية لجهة الدار البيضاء سطات، فإن أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، سبق له أن أدى صلاة الجمعة ، خمس مرات بهذا المسجد خلال 01 أبريل 2005 إلى 21 أكتوبر 2005ومن 07 دجنبر 2012 إلى 26 شتنبر 2014 وصولا إلى 02 يونيو 2017 .
وأشارت هذه المعطيات إلى أن المساحة الإجمالية للمسجد المحمدي في حي الأحباس بالدار البيضاء تبلغ 3600 متر مربع ، منها 2707 كمساحة مفروشة، و200 متر مربع كمساحة خاصة بجناح النساء، فضلا عن كونه يضم مجموعة من الثريات أهمها ثرية عتيقة ضخمة يفوق وزنها ثلاثة أطنان ، على سبعة أبواب، تنتشر على الواجهات الثلاث للمسجد، يأخذ منها الباب المشرف على ساحة المسجد مرتبة الباب الرئيسي.
كما يشتمل هذا المسجد، الذي تبلغ الطاقة الاستيعابية للمصلين به 6 آلاف مصل ، على 25 من القيمين الدينيين ومرافق وتجهيزات جيدة، ومنبر للوعظ والإرشاد، وأفرشة وتجهيزات صوتية جيدة ، وعلى قاعة الصلاة على أعمدة يصل عددها إلى ستين عمودا، تتوزع على أحد عشر بلاطا طوليا متعامدا مع جدار القبلة، على سبعة بلاطات عرضية.
ويغلب على الأعمدة الشكل الهندسي المربع أو المستطيل ، ولكن أهم ما يثير الانتباه في تصميم الأعمدة هي أعمدة جدار القبلة، وأعمدة البلاط المشرف على الصحن، وهي أعمدة متعددة الأضلاع تصل إلى إثني عشر ضلعا.
وقد تعرض المسجد المحمدي لتآكل بعض جنباته، لذلك قامت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بترميم وإصلاح سقفه، وتم تجديد شبكة الماء والكهرباء سنة 2007.
ويذكر صحن المسجد المحمدي، بصحون المساجد الأندلسية، إذ تصل مساحته إلى 900 متر مربع ، تتوسطها نافورة كبيرة من الرخام، وعلى جانبي الصحن هناك نافورتان، كل واحدة تظللها قبة بها زخارف رائعة على الجبص والخشب، وتمنح النافورتان للمتوضئين فضاء روحيا خاصا، يكون صوت خرير الماء فيه مهيمنا، نظرا لما للماء من مكانة خاصة عند المسلمين، كطاهر مطهر.
ومن أجل أبراز مكانة المساجد العتيقة على أكثر من مستوى ، فقد اعتبر الكاتب والباحث في الثقافات المحلية محمد البوزيدي،أن الأهمية المعمارية للمساجد العتيقة تتجلى في كونها تعكس الحضارة والفن الإسلاميين ، خاصة في الجوانب المتعلقة بهندسة المحراب والصومعة ، التي ترجع إلى عهد قديم مرتبط بدولة الأمويين ، كما يتجلى ذلك في رونق الخط المغربي من خلال الكتابات التي تزين المساجد .
ويضيف البوزيدي أن الإشعاع الروحي للمساجد المغربية بشكل عام والمساجد العتيقة بشكل خاص ، يكمن في كونها فضاء عاما وخاصا في نفس الوقت من أجل تزكية النفس البشرية وتحفيزها لتمثل القيم الروحية في الإسلام وتحويلها إلى معاملات،وهو مكان ينقطع فيه الإنسان على المؤثرات والعوامل الخارجية ليتصل بالخالق عز وجل .
وحسب البوزيدي، فإن الأهمية الثقافية للمساجد العتيقة، تتمثل في كونها عبر التاريخ معالم فكرية لها وظيفة تعليمية وتثقيفية في آن واحد ، بل كانت تعتبر مدارس وجامعات علمية قائمة بذاتها وما تزال تؤدي هذه الوظائف ، ويتضح ذلك من خلال عدد الطلبة الذين كانوا يدرسون بها، كما كانت تعتبر ملتقى للعلماء فيما بينهم للنقاش والتعلم والتعليم الفكري .
وفي سياق متصل ، وضمن جهود المحافظة على الموروث المعماري الديني الوطني وحمايته من كل تحريف أو تشويه، أنجزت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية جردا بالمساجد التي قد تكتسب صبغة تاريخية أو أهمية هندسية أو زخرفية ، والذي يعد المسجد المحمدي أحدها بامتياز.
وتتوزع هذه المساجد ، البالغ عددها 978 مسجدا، على مختلف جهات المملكة، حيث تحتضن جهة الدار البيضاء سطات 25 مسجدا منها .
على أن الأهم في “المسجد المحمدي”كـمعلمة الفريدة بحي الأحباس البيضاوي، كونه يجر وراءه تاريخا مهما وغنيا بالدار البيضاء،لتموقعه في قلب حي الأحباس، الزاخر بحمولة تاريخية ومعمارية وثقافية لاتخطئها العين، حيث يحيل الحي المحمدي بالدار البيضاء مباشرة إلى فضاء مشهور تتعايش فيه الأجواء الروحانية والثقافية والمعمارية والسياحية والتجارية والاجتماعية .
وبالعودة إلى التاريخ، فإن حي الأحباس، يعد أحد أحياء مدينة الدار البيضاء القديمة والجميلة، يجتمع فيه فعلا ما تفرق في غيره من الأحياء، إذ يعود بناؤه إلى سنة 1917، ويتميز بكثرة الأقواس، والدروب الملتوية الضيقة والقناطر والمساحات الخضراء والأزقة المرصوفة والفنادق على غرار هندسة المدن المغربية العريقة كمراكش وفاس ومكناس وسلا، كما يشكل الحي المعني قبلة للباحثين والمثقفين بالنظر لاحتضانه لأكبر المكتبات التابعة لأشهر دور النشر المغربية والعربية، بالإضافة إلى معماره التقليدي الذي جعله محجا للسياح من كل الجنسيات .
وفي الشق الاقتصادي التجاري، يعج هذا الحي بالمحلات التجارية التي تعرض منتجات الصناعة التقليدية كالزرابي المغربية وأواني الخزف القديمة ، ومحلات بيع الملابس التقليدية من الجلابيب والقفاطين والحلي وقطع الأثاث والديكور من المصنوعات الخشبية والفضية والنحاسية، علاوة على محلات الخياطين والحرفيين، والمقاهي والمطاعم.