أمينة المهدي تشكيلية مغربية تنشر رسالة الفن المتناغمة في زمن كورونا
مــحـمـد الـقـنــور :
تختزل الفنانة التشكيلية المغربية أمينة المهدي قصة كل مواصفات التحدي، لتستحضر قوة الإرادة في خلق حدث الجمال في زمن “كورونا كوفيد 19″، ولتتوحد مع حدود الزمن وتراتبية المكان ومكامن اللغة اللونية وروعة الثقافة المغربية، ولترسم حكاية سيدة تشكيلية تقاسمت مع المغاربة وكل بني البشر لأشهر أيام الحجر الصحي، تحت سقف واحد ليس سوى العالم .
ضمن تجربة إبداعية فنية تفاعلت مع هذه الظرفية الحرجة المتسمة بالمواقف الصعبة التي يعيش فيها الفرد حالات من الضياع والتقلبات والحرج.
هذا، وبفضل الفن التشكيلي والإبداع، ركبت أمينة المهدي مدارج أنشودة التشكيل لتترجم منتهى الأحاسيس مع المكان والزمان،ولتمخر عبابا يغور في الوجدان على كل إمتدادات الروح والعشق فخلال من خلال تجربة مميزة ويانعة موشومة بنقلها لبساطة الحياة اليومية المتحدية لمظاهر الحجر الصحي بمنتهى التناغم، كعنوان للتعايش مع الجائحة والحجر الإحترازي ضد الوباء، ولمعرفة الآخر ومن أجل الإنسجام الذي يحاصر كل نسمة، وكل جولة، وكل إنبجاسة قلب وروح وبارقة ضوء وأمل .
فقد نشأت الفنانة التشكيلية المغربية أمينة المهدي ، منذ طفولتها في وسط عوالم الرسم وإبداع كيفيات الخلق والتدوير، ومكنتها تجربتها التواصلية الإعلامية داخل “مجلة الأنامل المبدعة” برئاسة الزميلة الإعلامية والفنانة التشكيلية سعاد تقيف، من صقل تجوالها الذهني وشحد تراكمها المعرفي، وساعدتها في الإرتشاف من ينابيع الإلهام من كينونة عرفت كيف تضع حول تفاصيلها الفروق المتدفقة ألوانا وإيحاءات دقيقة ، فأتقنت أمينة المهدي فنها من خلال تصاميمها التشكيلية وعبر مجموعات اللوحات المتباينة التي أبدعتها، حيث أبحرت الفنانة امينة المهدي، بأشرعة الألوان الزيتية والمائية التي ظلت تسكن قلبها وتؤطر فكرها التشكيلي منذ الصبا تحت ظلال أيقظت في وجدانها على الدوام رغباتها العارمة في الإبداع..
وعلى كل حال، فنادرًا في زمن طفولتها، ما كان يراها أقرباءها ومعارفها بدون مصاحبتها لكراسة الرسم وعلبة الألوان الصغيرة، تحدوها في كل ذلكــ ، الرغبة في رسم الوجود والموجودات، الاطياف والشخوص، الأنوار والظلال بشكل عفوي، تلقائي يذكر بلوعة الإنطباعيين، ومتاهة “ألبير كليه”، وصخب “فان غوغ” وسفريات “أوجين دو لاكروا” ونوافذ “هنري ماتيس” وتجوال “بول غوغان” ، فجاءت رسوماتها وأعمالها أغلى من تلكـ الأوراق البيضاء العذراء الثمينة التي لم تكن لتفارقها …
وطبيعي، فكل شيء كان مكتملا في عالم الفنانة أمينة المهدي ومتلائما ليجعل من هذه المبدعة سيمفونية موحدة في العطاء الفني تتحدى عتمة الوباء وصخب المخاوف، لترسم تفاصيل حكاية جميلة للإبداع وشلالا منسابا رائقا من الأحاسيس، ودفقا للروح التي لاتستكين إلا بالفن وتأبى الإنهيار حتى في زمن “كورونا” وتأنف من النسيان.
إلى ذلكــ ، فإذا كان وباء كورونا كوفيد 19 قد حبس معظم الفنانات والفنانين وسجنهم وخنق تألقهم،وضيق عليهم أنفاسهم، وهدد برميهم في الثقوب السوداء التي لاقرار لها، ورفع في وجوههم بطائق الحرمان من النور، فإنه خلق لدى المغربية التشكيلية أمينة المهدي حافزا نحو الاستفادة من الأزمة والإستلهام من الضائقة، ومكنها من إطلاق العنان للخيال والتحليق في سماء التعبير، والإحساس بالحالات الإنسانية المتراكمة من عمق كل اللحظات، حيث قررت المهدي عدم تقييد إبداعاتها ضدا عن “كورونا” وتداعيات “كورونا”والإنتقام جحيم العزلة، بالألوان وبإبداع أعمال فنية تروي العديد من الأوقات والامكنة والشخوص والقصص، فكأنها عمدت إلى إعادة ترتيب الزمن ، عبر الإفصاح عن التجارب و حصر لحظات العزلة الكبيرة ، بالجولات التشكيلية والسفريات الروحية والمغامرات الفنية بترك البصمات والتوقيعات والروعة على أسوار الروح والعقل والنفس معا .
فكان مما ميز العمل الفني لأمينة مهدي في زمن كورونا، أنه ظل عالما تعايش في كنهه النظام مع الفوضى، فكان أحيانًا متوحشا في جرأته، وأحيانًا أخرى خاما في عفويته. فطريقتها المتعمدة في المبالغة في رؤيتها تعطي للوحاتها بعدا ومنطقًا رمزيًا معينًا خاصًا بها. وبما أن أمينة المهدي ليست المرأة التي ترفض إضافة التجارب لمجال عملها التشكيلي، ولرصيد تجربتها الإحترافية بسرعة حكيمة ومهنية في تتبع الحركات الدقيقة و اللحطات المتوالية بعضها البعض بنفس ديناميكية الموشومة التي تدفع الجمهور المتابع لتجربتها التشكيلية للركون إلى التأمل في رسوماتها، ومتابعة تدفق الحركة والسكون، الصمت والحياة في لوحاتها المترجمة والعاشقة لعزلتها، والمستأنسة بسديم الضياع الذي يمكن من قيد الحياة، عبر الدقيقة تلو الدقيقة بألوان للمشاعر المنبهرة بجمال وبساطة وأناقة “أمينة المهدي” ، وليتولد عن كل هذا شحنات لحياة فريدة مورقة في رسوماتها خلال “زمن كورونا”، خصوصا، وأن التشكيل عند الفنانة المهدي يظل سيلا يجذب الانتباه ويلتقط المشاعر، ويؤثت الوجدان بصدق التعبير وعفوية الموقف، الذي يقوم على جانبه سخائها في وضع الألوان وفي إتقان اللمسات اللامعة، وفي تقريب المسافات الجغرافية والثقافية بين هذه الألوان وتلك اللمسات .
بكثير من التأثر والامتنان اشكر الصحفي النجم والإعلامي المتمكن الأستاذ محمد القنور على هذه المقالة الجميلة بعنوان” أثر المكان على الالوان في تجربه الفنانة التشكيلية المغربية أمينة المهدي” والتي اثنى وأبدع.
فمزيدا للإستاذ القنور من العطاء والتألق والابداع.