جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني حول مظاهرة المشور بمراكش :
• … إن أنسى فلا أنسى أن جماعة من الخدام الأوفياء والوطنيين الأحرار بهذه المدينة نصبت نفسها في هذه الساحة للدفاع عن القصر وساكنيه”•
مـحـمـد الـقـنـور :
خلدت أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير ومعها ساكنة تراب عمالة مراكش مساء يوم الاثنين 15 غشت 2022 ، بقاعة الندوات والمحاضرات بمقر فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير التابع للنيابة الجهوية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين و اعضاء جيش التحرير بمراكش،الذكرى 69 لمظاهرة المشور الخالدة، كصفحة مشرقة ومنعطفا حاسما في ملحمة التحرير الخالدة بقيادة العرش العلوي المجيد والشعب المغربي الأبي وفاتحة ملحمية لفترة الكفاح الوطني من أجل الشرعية والذود عن الوطن وتوابثه، والنضال من أجل التحرير والانعتاق من ربقة المستعمر الغاشم.
وحضر فعاليات الإحتفاء بالذكرى التاريخية الطافحة بالأمجاد والبطولات كل من مدير الأنظمة والدراسات التاريخية ممثلا المندوب السامي لقدماء المقاومين أعضاء جيش التحرير، والكاتب العام لولاية جهة مراكش آسفي. ممثلا لوالي جهة مراكش آسفي،عامل عمالة مراكش، ورئيس المجلس الجماعي للمشورالقصبة،ونائب عمدة رئيسة المجلس لجماعي لمراكش، وممثل المجلس العلمي المحلي لمراكش، وعدد من الشخصيات المدعوة و أفراد من أسرة المقاومة وجيش التحرير وذوي حقوقهم و فعاليات المجتمع المدني وممثلي المنابر الاعلامية الوطنية والجهوية .
كما تم خلال الإحتفاء بالذكرى المعنية،تكريم ،وتوشيح وتوسيم ثمانية (8) من المقاومين منهم الأحياء والمتوفين موازاة مع شهادات في حقهم تشيد بمناقبهم وبخصالهم الحميدة وبجلائل الأعمال التي قدموها فداء للوطن والملكـ ، وتوزيع بعض المساعدات المادية ، وتوقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين النيابة الجهوية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين و اعضاء جيش التحرير بمراكش والمجلس العلمي المحلي لمراكش، وتوزيع مساعدات مادية ، كواجب العزاء والاسعاف لفائدة بعض أرامل قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير وذوي حقوقهم ومنح امداد لإقامة مشروع اقتصادي، حيث بلغ الغلاف المالي الاجمالي لهذه المساعدات 117610.00 درهما، فضلا عن توقيع اتفاقية شراكة وتعاون بين النيابة الجهوية للمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير والمجلس العلمي المحلي لمراكش تتمحور جل بنودها حول تكثيف التنسيق بين الطرفين للمساهمة في ابراز ملاحم المغرب وأمجاده وبطولاته وتاريخ المقاومة وأدوار العلماء للمساهمة في بث الروح الوطنية وقيمها النبيلة في فضاءات الوعظ والارشاد وبالمساجد .
هذا، ويخلد الشعب المغربي ومعه أسرة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير من طنجة إلى الكويرة يوم الإثنين 15 غشت 2022، الذكرى 69 لانتفاضة المشور بمدينة مراكش، كحدث وطني تأسيسي لما أتي بعده من انتفاضات ومظاهرات شعبية ضد الإحتلال الفرنسي، كما إعتبر من الإرهاصات الأولى لملحمة ثورة الملك والشعب التي عرفتها مراكش هذه المدينة المجاهدة والتي صدرت جذوتها في مسيرة الكفاح الوطني،إلى كافة مدن وقرى ربوع المملكة، على غرار مظاهرة يوم 16 غشت 1953 بوجدة ومظاهرة يوم 17 غشت 1953 بتافوغالت وقبائل بني يزناسن بالمغرب الشرقي وصولا إلى ثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 1953 بعد إقدام سلطات الحماية الفرنسية على نفي رمز الأمة جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه وعائلته الملكية إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر ، وتنصيب صنيعة الإقامة العامة للحماية الفرنسية محمد بن عرفة، من أجل إخماد جذوة الروح الوطنية وتقويض االالتحام بين العرش والشعب وعرقلة الكفاح الوطني في سبيل الحرية والاستقلال والوحدة الترابية.
على ذات السياق، وفي يوم 15 غشت سنة 1953، شهدت ساحة المشور بمراكش، اندلاع انتفاضة شعبية عارمة في مواجهة قوى الإحتلال الفرنسي، خاضت غمارها الجماهير الشعبية، وهزت تداعياتها أركان الاستعمار الفرنسي ووجوده،معلنة رفضها لتعسفات وتجاوزات وتحديات سلطات الحماية الفرنسية بتنصيب صنيعتها محمد بن عرفة سلطانا على البلاد بديلا عن السلطان الشرعي سيدي محمد بن يوسف، رمز الحركة الوطنية ، موازاة مع تسارع كافة القوى الحية الوطنية والدولية وأوسع فئات الشعب المغربي للتنديد بنفي عاهل البلاد الشرعي واستنكاره لهذا الفعل الشنيع في مختلف المحافل الوطنية والدولية.
ومن الجدير بالذكر، أن سلطات الإقامة العامة للحماية الفرنسية وهي تخطط لتنصيب محمد ابن عرفة سلطانا على المغرب، وقع اختيارها أول الأمر على مدينة زرهون وحددت يوم 10 غشت 1953 موعدا لذلك، إلا أنها ما لبثت أن تراجعت عن هذا الاختيار وقررت تنفيذه في مراكش اعتبارا للإمكانيات الأمنية والعسكرية المتوفرة لضمان نجاح مخططها المشؤوم. وكما هو معلوم، فالمدينة كانت خاضعة لسلطات متعاونة مع نظام الحماية بقيادة الباشا التهامي الكلاوي الذي كان يَعُد على الناس أنفاسهم ويحصي حركاتهم وسكناتهم، إضافة إلى تواجد قوات عسكرية ضخمة من الجيش الاستعماري الفرنسي بالمنطقة التي كانت مصنفة منطقة عسكرية.
وبالفعل، فقد حددت السلطات الاستعمارية في أول الأمر تاريخ يوم الجمعة 14 غشت 1953 لتنصيب السلطان المزعوم بمسجد الكتبية، إلا أن فطنة رجال الحركة الوطنية والمقاومة الذين كانوا يتتبعون تحركات السلطات الاستعمارية،أفشلت هذه الخطة في بدايتها، ليتم اختيار يوم السبت 15 غشت 1953 لتنصيب السلطان المزعوم بداخل القصر الملكي،وفور شيوع هذا الخبر،اكتسحت الجماهير الغاضبة ساحة المشور بشعارات تؤكد تمسك المغاربة بالعرش العلوي وبالسلطان الشرعي سيدي محمد بن يوسف، ومطالبين بإنهاء عهد الحجر والحماية.
وكانت السلطات الأمنية الفرنسية قد قامت بمحاولات يائسة لإفشال هذه المظاهرة مستخدمة مختلف الوسائل القمعية، وحملات اضطهاد وتنكيل بالمواطنين. وقد شهد هذا اليوم الحزين استشهاد الشهيدة فاطمة الزهراء بنت مولاي الحسن البلغيتي، كأول امرأة، إختراقت بكل شجاعة وإباء، حاملة العلم الوطني في يدها،الأحزمة الأمنية التي كانت تطوق الساحة،وكانت تصرخ وتزغرد وتهتف بحياة السلطان سيدي محمد بن يوسف مما استفز قوات الأمن الإستعمارية التي أطلقت النار عليها لتسقط شهيدة،ملهبة بذلك حماس كافة المتظاهرين،ثم استشهاد التهامي المسيوي،وبذلك حازت مدينة مراكش من جديد إكليل الفخر في تنظيم انتفاضة شعبية بإحكام وانتظام ، على منوال تلك التي شهدتها ذات المدينة في شهر شتنبر من سنة 1937، تضامنا مع الأحداث الدامية التي شهدتها مدينة مكناس إثر انتفاضة ماء واد بوفكران.
وما من شكــ، أن مظاهرة المشور أربكت حسابات السلطات الاستعمارية وبعثرت أوراقها وتأكد لها بالملموس أن تنفيذ أجندتها الإستعمارية ليس بالأمر الهين، وأدركت أن الشعب المغربي واقف وقفة رجل واحد، وصامد كالبنيان المرصوص في وجه كل من سولت له نفسه المس بمقدسات الوطن وثوابته ومقوماته.
وكان الاستياء قد بلغ أشده والاستنكار إلى ذروته، عندما أَصَرَّت سلطات الحماية الفرنسية على نفي السلطان الشرعي سيدي محمد بن يوسف طيب الله مثواه خارج أرض الوطن في 20 غشت 1953، لتتجدد المواقف الثابتة للشعب المغربي، توجت بالعملية الفدائية والبطولية التي نفذها الشهيد البطل علال بن عبد الله في 11 شتنبر 1953 عندما تصدى لموكب السلطان المزعوم محمد بن عرفة صنيعة الاستعمار بالمشور السعيد بالرباط، مضحيا بروحه ومفتديا السلطان الشرعي محمد بن يوسف بحياته،ومدافعا عن العزة والحرية والكرامة.
كما كانت مظاهرة المشور في مراكش،كانت الشرارة الأولى لمختلف المظاهرات الحاشدة والعمليات الفدائية البطولية التي عمت سائر ربوع الوطن مطالبة بالتحرر وعودة الملك الشرعي إلى عرشه، وهو ما تحقق بالعودة المظفرة لبطل التحرير والاستقلال حاملا بشرى انتهاء عهد الحجر والحماية وإشراقة شمس الحرية والاستقلال والوحدة الوطنية، وداعيا رحمه الله للانتقال من الجهاد الأصغر في سبيل الحرية والاستقلال إلى الجهاد الأكبر من أجل البناء والنماء وإعلاء صروح الوطن، وإستحضار القول المأثور الذي خص به جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني مظاهرة المشور، مخاطبا منتخبي المجلس الاقليمي والمجلس البلدي لمراكش سنة 1978 ” …إن أنسى فلا أنسى أن جماعة من الخدام الأوفياء والوطنيين الأحرار بهذه المدينة نصبت نفسها في هذه الساحة للدفاع عن القصر وساكنيه”.
إلى ذلكــ، سيظل التاريخ يذكر باعتزاز وإكبار الانتصار العظيم لمسيرة الكفاح الوطني والتحرري التي جسدت الالتحام الوثيق والترابط المتين بين العرش والشعب من أجل عزة الوطن وسؤدده، إذ بقدر ما يطفح هذا التاريخ بالأمجاد والبطولات، بقدر ما يُرصَّع سجله الذهبي بالدروس والعبر المفعمة بالقيم النبيلة وبالمعاني البليغة وبالدلالات الوطنية العميقة كقيم ومثل عليا عبدت الطريق أمام جلائل الأعمال والتضحيات الجسام للمغاربة ورموزهم الأخيار وأعلامهم الأبرار ممن خاضوا غمار ملحمة الحرية والاستقلال بقيادة العرش العلوي المجيد، في ملاحم سجلها التاريخ للشعب المغربي بمداد الفخر والاعتزاز وسجلت في حق مراكش الحاضرة التاريخية، في أجواء طافحة بمشاعر التقدير والإكبار والروح الوطنية الصادقة.
وفي ختام حفل هذه المناسبة الخالدة، تم تلاوة نص البرقية المرفوعة الى السدة العالية بالله سيدي محمد السادس،كما تم الترحم على أرواح شهداء الاستقلال والوحدة الترابية وفي طليعتهم روحي المغفور لهما الملكين العظيمين محمد الخامس بطل التحرير والاستقلال والحسن الثاني، باني المغرب الحديث وموحد البلاد،وبالدعاء بالنصر والتمكين لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ورعاه ولكافة الأسرة الملكية الشريفة .