إحتضنت القاعة الكبرى بمقر جمعية النخيل، بمدينة مراكش أول أمس الجمعة 07 أبريل الحالي ، فعاليات حفل تكريم فقيد طرب الآلة الأندلسية مولاي عبد الله الوزاني، كأحد الرموز التراثية الموسيقية المغربية،والذي نظمته جمعية إستهلال الطرب بمراكش، ضمن سهرة الربيع بحضور عبد الفتاح البجيوي عامل عمالة مراكش والي جهة مراكش آسفي ، ومجموعة من المنتخبين والمنتخبات، والفنانين والفنانات والفعاليات الثقافية والحقوقية والإقتصادية، والباحثين في قضايا التراث الوطني والثقافة المغربية، وممثلي العديد من الجمعيات الثقافية والتنموية. في سياق مماثل، تم خلال الحفل تكريم نجل مولاي عبد الله الوزاني،إعتبارا لدور والده الريادي في مجالات الموسيقى والفن والطرب، والحفاظ على التراث المغربي ، من طرف الدكتورة زكية المريني ، البرلمانية و رئيسة جمعية النخيل ، حيث قدمت لنجل الفقيد مجموعة من الهدايا ، عرفانا بالدور الذي قام به والده في الحفاظ على التراث التليد بمدينة مراكش . هذا، وعرف الحفل الفني، الذي إنتظم في إطارسهرة الربيع لطرب الآلة الأندلسية، تحت عنوان، “دورة المرحوم مولاي عبد الله الوزاني، تقديم مجموعة من صنائع الطرب الأندلسي، على غرار ميزان قدام الحجاز المشرقي، ووميزان بسيط الإستهلال” وميزان قدام الإستهلال” والعديد من الصنائع والتوشيات التي أبدع خلالها جوق بديع مراكش، برئاسة الأستاذ الفنان زكريا الهيشو”، والتي تجاوب معها الحضور طربا ونغما، أكدت براعة جوق بديع مراكش للطرب الأندلسي الموسيقية، ومدى قدرته على إستحضار أبهة النغم المغربي الأصيل، وحرص مؤسسيه في الحفاظ على الرصيد الغنائي المغربي الأدبي والموسيقي ، ومدى إرتباط جمهور مدينة الرجال السبعة بأبعاده الحضارية الممتد إلى باقي مدن المملكة ، ومختلف البلدان المغاربية، كذكرى تحتفظ بما تبقى من هذا التراث الموسيقي الأندلسي من خلال مدارس ثلاث هي الآلة الأندلسية و الطرب الغرناطي وفن المالوف .
وحظيت السهرة الفنية لجوق بديع مراكش، بإستحضار دور الفنان الرائد ، الفقيد مولاي عبد الله الوزاني الأملاحي، كأحد أبرز الأسماء المتألقة التي عرفتها مدينة مراكش، في طرب الآلة والموسيقى الأندلسية. فقد ولد الرائد الفقيد مولاي عبد الله الوزاني الأملاحي، بدرب مولاي الغالي في حومة القصور بمراكش، في بداية القرن المنصرم، ونشأ في أجواء روحية وصوفية، وأدبية ثقافية باذخة، في كنف والده مولاي أحمد الوزاني، عميد الزاوية الوزانية بمراكش،حيث كان يستقبل في منزله بذات الدرب المذكور، كبار العلماء والشعراء والمفكرين والمتصوفة والشيوخ والمؤسسين الأوائل للموسيقى العالمة المغربية على غرار الفنان الفقيد مولاي أحمد لبريهي، والفقيه الفنان المطيري، والرائد التمسماني، مما جعل الطفل مولاي عبد الله الوزاني الأملاحي، يتشبع بما كان يجري من مداولات فنية ومجالس أدبية وحضرات فقهية في محيط أسرته، ويستلهم بواكير تلكـ الأجواء الفنية والفقهية والثقافية التي كانت تسود بيت عائلته، فإنصرف منذ صباه إلى حفظ القرآن الكريم وعلوم الحديث وبرع في إستظهار المتون الفقهية والنحوية والبلاغية، في مدرسة والده بالزاوية الوزانية ، ليلتحق بجامعة أبن يوسف قصد إستكمال دراسته .
وعلى كل حال، فإن الفقيد مولاي عبد الله الوزاني ، ولع بفنون الموسيقى والإنشاد منذ نعومة أظافره، فأخذ فنون المديح وفن السماع على يد شيخه الفنان الحافظ عمر المواسني ”الجد”، وتعلم العزف على الرباب والعود ، وصنائع ونوبات الطرب الأندلسي على يد الأخوين الفراج، ثم إلتحق بمعهد دار السي أسعيد بمراكش، ليتتلمذ على يد الفنان الكبير سيدي عبد السلام الخياطي، حيث برع على يديه، في أخذ جميع نوبات وميازين وصنائع الموسيقى الأندلسية، ناجحا متمكنا ومبدعا إستشرافيا،سواء على مستوى الحفظ أو فيما يتعلق بالعزف والأداء . ويجمع مختلف الباحثين والدارسين للثقافة المغربية ، والفنون الوطنية ، أن لولم يكن الفقيد مولاي عبد الله الوزاني ، لضاعت مجموعة من نوبات وميازين وصنائع الموسيقى الأندلسية في مراكش، ولإندثر منه الكثير، ذلكــ ، أن الرجل كان خزانة وحده في هذا المضمار، وكان إلى جانب حفظه ، يتمتع بالكثير من النباهة والذكاء الروحي، وقوة البديهة وحضور الذوق والعرفان، حيث ترأس جوق مراكش لطرب الآلة،إذ ظلت إذاعة مراكش تذيع وصلاته الفنية طيلة عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم ، كما تولى تعليم العزف على العود وعلى الرباب ، وتلقين مختلف نوبات طرب الآلة بمعهد دار السي أسعيد بمراكش،حيث تخرج على يديه العديد من الفنانين الموسيقيين ، ممن ضربوا بسهم كبير وثاقب في درى الإبداع الموسيقي . وبالإضافة، إلى تألق الفقيد مولاي عبد الله الوزاني الأملاحي في فنون الموسيقى الأندلسية العريقة، فقد ظل في مراكش إلى يوم وفاته الإثنين 23 ماي 1996 شيخ فنون السماع وقلعة الدفاع عن أشعار المديح في وجه الإندثار والنسيان، من خلال مبادراته أثناء رئاسته للجمعية العباسية للموسيقى والمديح والسماع .
وإذا كانت هذه المدن، قد احتضنت ما اصطلح عليه من هذا التراث بطرب الآلة، فإن مدينة مراكش، وإن كانت متأخرة زمنيا من حيث إحتضان هذا الأسلوب الخاص المتميز من الموسيقى الأندلسية الذي يذكرنا بحضارة طليطلة وإشبيلية وقرطبة والمرية ورندة وغرناطة آخر معاقل الإسلام في الأندلس ذاك الفردوس المفقود الذي ظلت تربطه بالمغرب أواصر المثاقفة وعلاقة التأثر ومضامين الإندماج الحضاري والفني . هذا، وإن هجرة كثير من العائلات الأندلسية بعد سقوط غرناطة سنة 1492 كانت قد نزحت للمغرب، وكانت على صلات وثيقة بساكنة مراكش وفاس والرباط إنسانيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، مما أسهم في استمرار التواصل مع هذا التراث عبر المدن التي إحتضنه في المغرب ، والتي أعطت لهذا الفن كل أسباب استمراره وحيويته. والواقع، أن جوق بديع مراكش للطرب الأندلسي منذ تأسيسه عمد إلى تعليم الجمهور المراكشي الولع بالطرب الأندلسي،من خلال إشتغال جمعية إستهلال الطرب، ونضالات أعضائها من أجل الاعتناء بهذا الفن الأصيل الذي طبع الشخصية الذوقية المغربية، ودفاعها المستميت قصد الحفاظ عليه والعمل على مواصلة الجهود في حمل مشعله بجهة مراكش تانسيفت الحوز متوهجا رغم قلة الإمكانات وغياب التشجيع اللازم. وإزاء هذه التحديات كون هؤلاء الشباب في مراكش جمعية وجوقا موسيقيا بديعا ومتناغما يستقطب من خلال السهرات التي يحييها أمام الجمهور المراكشي، أفواجا من الأجيال الصاعدة ذكورا وإناثا. إذ تنحصر النوبات الاثنتا عشرة الكاملة في الرصد والمزموم والزيدان والمْجَنْبة والَحْسِين والرَّمْل والماية ورَمْلْ الماية والسِّيكَة والذيل ورصد الذيل والغريب. وأما الناقصة فهي الموال وغْريبَة الحْسْين والجَّرْكاه والعُراق.
وتتكون كل نوبة من خمسة مقاطع أو إيقاعات تسمى “ميازين” هي الَمْصَدَّرْ والبْطايْحِي والدَّرْجْ والاِنْصِرافْ والْمُخْلَصْ. أما المشالية والتويشية فعزف آلي غير مصحوب بإنشاد يأتي في بداية النوبة وأما الاستخبار أو الموال فيمكن وضعه بين المقاطع. وإذا اكتفي ببعض المقاطع فيقال “شذرات من نوبة”. من جهة أخرى، فإن النوبة الغرناطية لا تختلف في مفهومها عن مفهوم النوبة في طرب الآلة إلا في المصطلح وفي وحدة الطبع غالبا، كما تتميز عنها بالمحافظة على المتن الموروث وبالصرامة في الأداء وفق اتحاد لحني لا يدع مجالاً لتعدد الزخارف. ومع الإرهاصات الأولى التي مهد لها الراحل الفنان مولاي عبد الله الوزاني بمراكش، فإن جوق بديع مراكش للطرب الأندلسي بات يعد في نظر العديد من الباحثين والنقاذ والمهتمين بالحركة الفنية في جهة مراكش تانسيفت الحوز وبعموم جهات المغرب ، أول جمعية فنية في هذا الصدد بمراكش، تذكر بالجمعية الأندلسية التي تأسست في المغرب في بداية العشرينيات من القرن الماضي، وأخذت على عاتقها تكوين أجيال من الشباب الفنانين ممن عملوا على صيانة هذا التراث الأصيل الذي لم يبق منه إلا ست عشرة نوبة، اثنا عشرة كاملة وأربع نوبات ناقصة ضاعت منها بعض ميازينها الخمسة. والواقع، أن الأسباب التي جعلت المغرب يرث الرصيد الأكبر من التراث الموسيقي الأندلسي، تعود إلى تاريخ المغرب المشترك مع الأندلس وقربه منها، واستقبال مدينة مراكش على غرار حواضر المغرب كفاس وسلا وتطوان ووجدة لأكبر الهجرات الأندلسية المتتالية عبر مختلف العصور، حيث إستوطن المهاجرون الأندلسيون في مراكش بحي روض الزيتون والمواسين والزاوية العباسية وحارة السورة والباهية وزاوية لحضر و القنارية، الذي أخذ إسمه من جزر الكناري، بالإضافة إلى امتزاج الحضارة الأندلسية بالمغربية على شتى الأصعدة العمرانية والثقافية وعلى مستوى الزي والمطبخ المغربي امتزاجا توحدت في بوتقته الشخصية المغربية الأندلسية مما أدى إلى إبداعات في مجال هذا التراث الأصيل وغيره من ألوان الحضارة المغربية الأندلسية ، وصهرها ضمن أساليب وطرق للأداء زادته غنى وثناء وبخاصة في المدن المغربية الكبرى كتطوان وفاس وشفشاون ووزان وسلا والرباط ، ثم مدينة مراكش مؤخرا عبر تأسيس جوق بديع مراكش للطرب الأندلسي، برئاسة الفنان المتميز الأستاذ زكريا الهيشو، كإمتداد للجهود الأولية التي قام بها الفقيد الفنان الرائد مولاي عبد الله الوزاني الأملاحي، قصد الدفاع وصيانة الطرب الأصيل .