إستهلال الطرب تكرم مولاي عبد الله الوزاني فقيد ‏أصالة طرب الآلة بمراكش ‏

محمــد الـقـنــور :

عدسة : محمــد أيت يــحـي

إحتضنت القاعة الكبرى بمقر جمعية النخيل، بمدينة مراكش أول أمس الجمعة 07 أبريل ‏الحالي ، فعاليات حفل تكريم فقيد طرب الآلة الأندلسية مولاي عبد الله الوزاني، كأحد ‏الرموز التراثية الموسيقية المغربية،والذي نظمته جمعية إستهلال الطرب بمراكش، ضمن ‏سهرة الربيع بحضور عبد الفتاح البجيوي عامل عمالة مراكش والي جهة مراكش آسفي ، ‏ومجموعة من المنتخبين والمنتخبات، والفنانين والفنانات والفعاليات الثقافية والحقوقية ‏والإقتصادية، والباحثين في قضايا التراث الوطني والثقافة المغربية، وممثلي العديد من ‏الجمعيات الثقافية والتنموية.‏
في سياق مماثل، تم خلال الحفل تكريم نجل مولاي عبد الله الوزاني،إعتبارا لدور والده الريادي في مجالات الموسيقى والفن والطرب، والحفاظ على التراث المغربي ، من طرف الدكتورة ‏زكية المريني ، البرلمانية و رئيسة جمعية النخيل ، حيث قدمت لنجل الفقيد مجموعة من ‏الهدايا ، عرفانا بالدور الذي قام به والده في الحفاظ على التراث التليد بمدينة مراكش . ‏
هذا، وعرف الحفل الفني، الذي إنتظم في إطارسهرة الربيع لطرب الآلة الأندلسية، تحت ‏عنوان، “دورة المرحوم مولاي عبد الله الوزاني، تقديم مجموعة من صنائع الطرب ‏الأندلسي، على غرار ميزان قدام الحجاز المشرقي، ووميزان بسيط الإستهلال” وميزان ‏قدام الإستهلال” والعديد من الصنائع والتوشيات التي أبدع خلالها جوق بديع مراكش، ‏برئاسة الأستاذ الفنان زكريا الهيشو”، والتي تجاوب معها الحضور طربا ونغما، أكدت ‏براعة جوق بديع مراكش للطرب الأندلسي الموسيقية، ومدى قدرته على إستحضار أبهة ‏النغم المغربي الأصيل، وحرص مؤسسيه في الحفاظ على الرصيد الغنائي المغربي ‏الأدبي والموسيقي ، ومدى إرتباط جمهور مدينة الرجال السبعة بأبعاده الحضارية الممتد ‏إلى باقي مدن المملكة ، ومختلف البلدان المغاربية، كذكرى تحتفظ بما تبقى من هذا ‏التراث الموسيقي الأندلسي من خلال مدارس ثلاث هي الآلة الأندلسية و الطرب ‏الغرناطي وفن المالوف .‏

وحظيت السهرة الفنية لجوق بديع مراكش، بإستحضار دور الفنان الرائد ، الفقيد مولاي ‏عبد الله الوزاني الأملاحي، كأحد أبرز الأسماء المتألقة التي عرفتها مدينة مراكش، في ‏طرب الآلة والموسيقى الأندلسية.‏
فقد ولد الرائد الفقيد مولاي عبد الله الوزاني الأملاحي، بدرب مولاي الغالي في حومة ‏القصور بمراكش، في بداية القرن المنصرم، ونشأ في أجواء روحية وصوفية، وأدبية ‏ثقافية باذخة، في كنف والده مولاي أحمد الوزاني، عميد الزاوية الوزانية بمراكش،حيث ‏كان يستقبل في منزله بذات الدرب المذكور، كبار العلماء والشعراء والمفكرين ‏والمتصوفة والشيوخ والمؤسسين الأوائل للموسيقى العالمة المغربية على غرار الفنان ‏الفقيد مولاي أحمد لبريهي، والفقيه الفنان المطيري، والرائد التمسماني، مما جعل الطفل ‏مولاي عبد الله الوزاني الأملاحي، يتشبع بما كان يجري من مداولات فنية ومجالس أدبية ‏وحضرات فقهية في محيط أسرته، ويستلهم بواكير تلكـ الأجواء الفنية والفقهية والثقافية ‏التي كانت تسود بيت عائلته، فإنصرف منذ صباه إلى حفظ القرآن الكريم وعلوم الحديث ‏وبرع في إستظهار المتون الفقهية والنحوية والبلاغية، في مدرسة والده بالزاوية الوزانية ‏، ليلتحق بجامعة أبن يوسف قصد إستكمال دراسته .‏

وعلى كل حال، فإن الفقيد مولاي عبد الله الوزاني ، ولع بفنون الموسيقى والإنشاد منذ ‏نعومة أظافره، فأخذ فنون المديح وفن السماع على يد شيخه الفنان الحافظ عمر المواسني ‏‏”الجد”، وتعلم العزف على الرباب والعود ، وصنائع ونوبات الطرب الأندلسي على يد ‏الأخوين الفراج، ثم إلتحق بمعهد دار السي أسعيد بمراكش، ليتتلمذ على يد الفنان الكبير ‏سيدي عبد السلام الخياطي، حيث برع على يديه، في أخذ جميع نوبات وميازين وصنائع ‏الموسيقى الأندلسية، ناجحا متمكنا ومبدعا إستشرافيا،سواء على مستوى الحفظ أو فيما ‏يتعلق بالعزف والأداء . ‏
ويجمع مختلف الباحثين والدارسين للثقافة المغربية ، والفنون الوطنية ، أن لولم يكن الفقيد ‏مولاي عبد الله الوزاني ، لضاعت مجموعة من نوبات وميازين وصنائع الموسيقى ‏الأندلسية في مراكش، ولإندثر منه الكثير، ذلكــ ، أن الرجل كان خزانة وحده في هذا ‏المضمار، وكان إلى جانب حفظه ، يتمتع بالكثير من النباهة والذكاء الروحي، وقوة ‏البديهة وحضور الذوق والعرفان، حيث ترأس جوق مراكش لطرب الآلة،إذ ظلت إذاعة ‏مراكش تذيع وصلاته الفنية طيلة عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن ‏المنصرم ، كما تولى تعليم العزف على العود وعلى الرباب ، وتلقين مختلف نوبات طرب ‏الآلة بمعهد دار السي أسعيد بمراكش،حيث تخرج على يديه العديد من الفنانين الموسيقيين ‏، ممن ضربوا بسهم كبير وثاقب في درى الإبداع الموسيقي .‏
وبالإضافة، إلى تألق الفقيد مولاي عبد الله الوزاني الأملاحي في فنون الموسيقى الأندلسية ‏العريقة، فقد ظل في مراكش إلى يوم وفاته الإثنين 23 ماي 1996 شيخ فنون السماع ‏وقلعة الدفاع عن أشعار المديح في وجه الإندثار والنسيان، من خلال مبادراته أثناء رئاسته ‏للجمعية العباسية للموسيقى والمديح والسماع .‏

وإذا كانت هذه المدن، قد احتضنت ما اصطلح عليه من هذا التراث بطرب الآلة، فإن ‏مدينة مراكش، وإن كانت متأخرة زمنيا من حيث إحتضان هذا الأسلوب الخاص المتميز ‏من الموسيقى الأندلسية الذي يذكرنا بحضارة طليطلة وإشبيلية وقرطبة والمرية ورندة ‏وغرناطة آخر معاقل الإسلام في الأندلس ذاك الفردوس المفقود الذي ظلت تربطه ‏بالمغرب أواصر المثاقفة وعلاقة التأثر ومضامين الإندماج الحضاري والفني .‏
هذا، وإن هجرة كثير من العائلات الأندلسية بعد سقوط غرناطة سنة 1492 كانت قد ‏نزحت للمغرب، وكانت على صلات وثيقة بساكنة مراكش وفاس والرباط إنسانيا ‏واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، مما أسهم في استمرار التواصل مع هذا التراث عبر المدن ‏التي إحتضنه في المغرب ، والتي أعطت لهذا الفن كل أسباب استمراره وحيويته.‏
والواقع، أن جوق بديع مراكش للطرب الأندلسي منذ تأسيسه عمد إلى تعليم الجمهور ‏المراكشي الولع بالطرب الأندلسي،من خلال إشتغال جمعية إستهلال الطرب، ونضالات ‏أعضائها من أجل الاعتناء بهذا الفن الأصيل الذي طبع الشخصية الذوقية المغربية، ‏ودفاعها المستميت قصد الحفاظ عليه والعمل على مواصلة الجهود في حمل مشعله بجهة ‏مراكش تانسيفت الحوز متوهجا رغم قلة الإمكانات وغياب التشجيع اللازم. ‏
وإزاء هذه التحديات كون هؤلاء الشباب في مراكش جمعية وجوقا موسيقيا بديعا ومتناغما ‏يستقطب من خلال السهرات التي يحييها أمام الجمهور المراكشي، أفواجا من الأجيال ‏الصاعدة ذكورا وإناثا. ‏
إذ تنحصر النوبات الاثنتا عشرة الكاملة في الرصد والمزموم والزيدان والمْجَنْبة والَحْسِين ‏والرَّمْل والماية ورَمْلْ الماية والسِّيكَة والذيل ورصد الذيل والغريب. وأما الناقصة فهي ‏الموال وغْريبَة الحْسْين والجَّرْكاه والعُراق.‏

وتتكون كل نوبة من خمسة مقاطع أو إيقاعات تسمى “ميازين” هي الَمْصَدَّرْ والبْطايْحِي ‏والدَّرْجْ والاِنْصِرافْ والْمُخْلَصْ. أما المشالية والتويشية فعزف آلي غير مصحوب بإنشاد ‏يأتي في بداية النوبة وأما الاستخبار أو الموال فيمكن وضعه بين المقاطع. وإذا اكتفي ‏ببعض المقاطع فيقال “شذرات من نوبة”.‏
من جهة أخرى، فإن النوبة الغرناطية لا تختلف في مفهومها عن مفهوم النوبة في طرب ‏الآلة إلا في المصطلح وفي وحدة الطبع غالبا، كما تتميز عنها بالمحافظة على المتن ‏الموروث وبالصرامة في الأداء وفق اتحاد لحني لا يدع مجالاً لتعدد الزخارف.‏
ومع الإرهاصات الأولى التي مهد لها الراحل الفنان مولاي عبد الله الوزاني بمراكش، ‏فإن ‏جوق بديع مراكش للطرب الأندلسي بات يعد في نظر العديد من الباحثين والنقاذ ‏‏والمهتمين بالحركة الفنية في جهة مراكش تانسيفت الحوز وبعموم جهات المغرب ، ‏أول ‏جمعية فنية في هذا الصدد بمراكش، تذكر بالجمعية الأندلسية التي تأسست في ‏المغرب في ‏بداية العشرينيات من القرن الماضي، وأخذت على عاتقها تكوين أجيال ‏من الشباب ‏الفنانين ممن عملوا على صيانة هذا التراث الأصيل الذي لم يبق منه إلا ‏ست عشرة نوبة، ‏اثنا عشرة كاملة وأربع نوبات ناقصة ضاعت منها بعض ميازينها ‏الخمسة. ‏
والواقع، أن الأسباب التي جعلت المغرب يرث الرصيد الأكبر من التراث الموسيقي ‏الأندلسي، تعود إلى تاريخ المغرب المشترك مع الأندلس وقربه منها، واستقبال مدينة ‏مراكش على غرار حواضر المغرب كفاس وسلا وتطوان ووجدة لأكبر الهجرات ‏الأندلسية المتتالية عبر مختلف العصور، حيث إستوطن المهاجرون الأندلسيون في ‏مراكش بحي روض الزيتون والمواسين والزاوية العباسية وحارة السورة والباهية وزاوية ‏لحضر و القنارية، الذي أخذ إسمه من جزر الكناري، بالإضافة إلى امتزاج الحضارة ‏الأندلسية بالمغربية على شتى الأصعدة العمرانية والثقافية وعلى مستوى الزي والمطبخ ‏المغربي امتزاجا توحدت في بوتقته الشخصية المغربية الأندلسية مما أدى إلى إبداعات في ‏مجال هذا التراث الأصيل وغيره من ألوان الحضارة المغربية الأندلسية ، وصهرها ضمن ‏أساليب وطرق للأداء زادته غنى وثناء وبخاصة في المدن المغربية الكبرى كتطوان ‏وفاس وشفشاون ووزان وسلا والرباط ، ثم مدينة مراكش مؤخرا عبر تأسيس جوق بديع ‏مراكش للطرب الأندلسي، برئاسة الفنان المتميز الأستاذ زكريا الهيشو، كإمتداد للجهود ‏الأولية التي قام بها الفقيد الفنان الرائد مولاي عبد الله الوزاني الأملاحي، قصد الدفاع ‏وصيانة الطرب الأصيل .‏

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.