مواطن نيبور الفقير : قصة عمرها 3000 سنة

هاسبريس :

كُتبت هذه القصة الرافدية على ألواح الطين باللغة الأكادية قبل3000 سنة، فقد كان العراق القديم حاضنا للعديد من المدن العملاقة،وكانت مدينة بابل أشهرها على الإطلاق،لكن مدينة نيبور، اعتبرت مدينة المعرفة، التي تقع قرب مدينة ايسين،مدينة الشفاء.
سبق لهذه القصة ان وردت في الحكايات التي كتبت في الأصل في العراق القديم على ألواح الطين بالخط المسماري من العصرين السومري والأكدي.، التي يعاد سردها، أن نشرت من قبل جمعية انهدوانا بلغة انجليزية اعتمدت الترجمات الأكاديمية للقصص
هذا،وتتوفر الترجمة الأكاديمية للنصوص باللغة الانجليزية على”مجموعة النصوص الإلكترونية للأدب السومري”، حيث أعادت سردها “فران هزلتون”،وكتب مقدمتها “ستيفاني ديلي”،وحررها “روز سيلز”، مع زياد حالوب مساعد التحرير، كما وضع ووظب رسومها “اد كوين”، وقد قام بالترجمة إلى اللغة العربية الأديب والكاتب المسرحي العراقي ، المقيم في ألمانيا ماجد الخطيب .

مواطن نيبور الفقير

ترجمة : مــاجد الخـطـيب : 

عاش في مدينة نيبور يوماً رجل اسمه جميل نينورتا،كان متواضعاً وفقيراً ورث الحال ً، لايمتلك ذهباً أو فضة، لا خبزاً أو جعة، ولا يستر جسده غير ثوب واحد، ثم اتته فكرة، “سآخذ ثوبي إلى السوق واستبدله بكبش. أذبح الكبش وأدعوا عائلتي وأصدقائي وجيراني إلى وليمة، وحينها ربما قد تتحسن حياتي”.
أخذ ثوبه إلى السوق، لكنه لم يعد إلى البيت بكبش وإنما بمعزاة عجوز، وكان على وشك أن يذبح المعزاة حينما تذكر أنه لايمتلك خبزاً ولا جعة يقدمها خلال الوليمة.
فقال : “لن تتحسن حياتي أبداً”،.
لكن فكرة أخرى أتت جميل نينورتا، حيث قرر أن يتقدم لعمدة نيبور، فيُهدي له المعزاة، وربما حينها ستتحسن حياته.
قاد معزاته إلى بيت العمدة، “من أنت؟”، سأله حارس البوابة.
“أنا جميل نينورتا، مواطن من نيبور”.
قال الحارس : “أنتظر هنا”
“من هو؟”، سأل العمدة
“مواطن من نيبور”
” مواطن من نيبور؟ ها!”
“لديه معزاة”
“لديه معزاة ؟ أدخله!”
أمسك جميل نينورتا بعنق المعزاة من الخلف بيد ثم حيا العمدة بيده الأخرى.
قال العمدة : “على الرحب والسعة،” كن ضيفي على الوليمة من فضلك”.
قدم جميل نينورتا المعزاة إلى العمدة، وسلم العمدة بدوره المعزاة إلى خدمه.
” اذبحوا المعزاة للوليمة”، قال العمدة.
ثم أسر بشيء للخدم.
“اعطوا في الوليمة لمواطن نيبور عظمة مع شيء من غضروف ليأكلها مع جرعة بيرة من الدرجة الثالثة، ثم ورُّوه الباب!”.
وبالفعل، هذا ما حدث،ذبح خدم العمدة معزاة جميل نينورتا للوليمة، فمنحُوه في الوليمة عظمة مع شيء من غضروف ليأكلها مع جرعة الجعة من الدرجة الثالثة، ثم طردوه.

بقايا معبد الإله ايليل في مدينة نيبور في جنوب العراق
بقايا معبد الإله ايليل في مدينة نيبور في جنوب العراق


بينما كان جميل نينورتا يغادر بيت العمدة تحدث مع حارس البوابة.
“خدعني سيدك. والأن سأخدعه أنا، ليس مرة واحدة، ولا مرتين، بل ثلاث مرات. انقل له هذا الكلام عني”.
ضحك العمدة كثيراً حينما سمع ما قال جميل نينورتا.
غادر مواطن نيبور الفقير بيت العمدة إلى قصر الملك.
من فضلك يا جلالة الملك، أعرني كيساً من الذهب، وثوب رجل نبيل، وعربة فخمة تجرها الخيول، ليوم واحد فقط”.
حقق الملك لجميل نينورتا أمنيته.
ارتدى جميل نينورتا ثوب النبلاء، واستلم كيس الذهب، وصعد عربة الخيول المطهمة وصار يدور فيها في شوارع نيبور.
استخدم الذهب في الكيس لشراء علبة جواهر جميلة، واشترى طائرين وضعهما في العلبة ثم أغلق غطاءها باللحيم. قاد عربته بعدها إلى بيت العمدة.
حينما شاهد العمدة الرجل النبيل يقود عربته الفاخرة باتجاه بيته سارع إلى الباب لاستبقاله.
“مولاي، على الرحب والسعة، أهلاً وسهلاً بك ضيفاً على مائدتي”.
قال جميل نينورتا وهو يتألق بزي النبيل : “معي علبة الجواهر هذه،كان.”أنها مليئة بذهب الملك، وهو قربان الملك لمعبد ايليل إله مدينة نيبور العظيم، فهل ستكون في مأمن بــبيتك؟”.
قال العمدة،”بلا شك”، تفضل بالدخول.
كان جميل نينورتا هذه المرة ضيف العمدة وبينهما علبة الجواهر الفاخرة. أكل أفضل قطع اللحم، وشرب أجود أنواع البيرة، وبعد الوليمة استرسل في الحديث مع العمدة إلى أن غط العمدة في نوم عميق، فنهض جميل نينورتا حينها،وكسر لحيم علبة الجواهر، فدفع الطائران غطاء العلبة إلى الأعلى وطارا بعد أن أطلقا زعيقاً عالياً بعيداً،. استيقظ العمدة من غفوته.
“أنظر، ولول جميل- نينورتا.” علبة الجواهر فارغة! اختفى ذهب الملك! ما العمل؟”
مزق ثوب النبيل شر تمزيق، ثم أمسك بتلابيب العمدة، وألقاه أرضاً وأشبعه ضرباً من رأسه حتى اخمص قدميه إلى أن إسودت سحنته وإزرورقت عينيه.
“لا تقتلني، أرجوكـ”، توسل العمدة باكياً.” أنا مواطن نيبور، يحرسني الإله العظيم انليل.لا تلوث يديك بدمي !”.
قال جميل نينورتا، ما من بد لكـ أنتَ”، إذ لابد أن تعوض قربان الملك بكمية مضاعفة من الذهب”.
قال العمدة : ” بالطبع”، فتقبل مني يا مولاي ثوبين جديدين فاخرين”، لا ثوباً واحداً.
“بالطبع”، رد جميل نينورتا.
وهكذا جرت الأمور.

صور انهدوانا. أول شاعرة في التاريخ ابنة الملك العظيم سرجون الأكدي
صور انهدوانا. أول شاعرة في التاريخ ابنة الملك العظيم سرجون الأكدي


بينما كان جميل-نينورتا يغادر بيت العمدة تحدث مع حارس البوابة.
“سيدك خدعني. وأنا خدعته الآن، وهي المرة الأولى من ثلاث مرات، انقل هذا إلى سيدك عني”.
صمت العمدة هذه المرة حينما سمع حديث جميل نينورتا.
فإنطلق جميل نينورتا من بيت العمدة إلى صالون الحلاق،حلق شعر رأسه بهيئة طبيب من مدينة ايسين، مدينة الشفاء، وأخذ معه جرة مليئة بالماء. وبتنكره هذا عاد إلى بيت العمدة.
“من أنت؟”، سأل حارس البوابة.
“طبيب من ايسين، أنا اشفي الجروح”.
سأل العمدة “هل تستطيع شفاء جروحي؟”.
“نعم، ولكن فقط في حجرة بعيدة عن الخدم”.
قال العمدة: “أتبعني”، فقاد جميل نينورتا إلى حجرة بعيدة عن الخدم. حجرة أرضها صلبة ولا يضيئها غير بصيص موقد نار صغير.
اضطجع العمدة على الأرض الصلبة، فدق جميل نينورتا خمسة أسافين قيد بها يدي وقدمي العمدة وعنقه، تناول جرة الماء، فصب مابها من الماء على النار، فساد الظلام بالحجرة، بعدها أشبع جميل نينورتا، العمدةَ ضرباً من رأسه حتى اخمص قدميه إلى أن دملت عيناه واسود جبينه ووجنتيه.
” آخ آخ آخ”، صرخ العمدة.”وضعت أصبعك بالـتأكيد على الجرح. هذا العلاج يؤلم أكثر من الجروح!”.
وبينما كان جميل نينورتا يغادر بيت العمدة، أخبر حارس البوابة:
“سيدك خدعني. وأنا خدعته الآن، وهي المرة الثانية من ثلاث مرات، انقل هذا إلى سيدك عني”.
فثارت أعصاب العمدة هذه المرة، حينما وصله حبر جميل نينورتا.
انطلق جميل نينورتا من بيت العمدة مباشرة إلى السوق. تفرس في وجوه الناس إلى أن عثر على شخص يأتمنه.
قال له : “هل تأتي معي إلى بيت العمدة، وتحشد الناس هناك، ثم تصرخ”أنا الرجل صاحب المعزاة”، ثم تهرب؟”

قال الصديق“بالتأكيد، سأفعل “.

الكتابة المسمارية على لوح من الطين الفخار
                                الكتابة المسمارية على لوح من الطين الفخار


ذهبا سوية إلى بيت العمدة. اختبأ جميل نينورتا تحت جسر فاتحاً اذنيه مثل كلب حراسة حذر، بينما كان صديقه يجمع حشداً من الناس أمام بيت العمدة، ثم صرخ بأعلى صوته : “أنا الرجل صاحب المعزاة”، وهرب، راكضا، فإندفع خدم العمدة يطاردون صديق جميل نينورتا في الأزقة والطرقات، بينما بقي العمدة واقفاً بمفرده خارج الباب.
قفز جميل نينورتا من تحت الجسروألقى العمدة أرضاً وأشبعه ضرباً من رأسه حتى اخمص قدميه إلى أن إسودت وإزرقت معالمه.
“خدعتني، والآن خدعتك أنا، ليس مرة ولا مرتين وإنما ثلاث مرات” .
ثم ذهب جميل نينورتا، مواطن نيبور الفقير، للتنزه والفسحة بين المروج، بينما عمدة نيبور، المتواضع الآن، خرج يتجول في شوارع المدينة.
المجد لإيليل إله مدينة نيبور العظيم.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.