الزليج المغربي فن لا ينضب معينه،ووحدة في إطار التنوع

مـحـمـد الـقـنـور :

في إطار لقاءات تينمل السنوية، نظمت جمعية منية مراكش لإحياء تراث المغرب وصيانته، مجلسا أدبيا، ضمن إستعراض حصيلة الدراسات الموحدية، وذلك مساء اليوم السبت 27 ماي الجاري، برياض الجمعية بحي الجبل الأخضر في مراكش.
وخلال كلمته الافتتاحية، لأشغال المجلس الأدبي المعني، أبرز الأستاذ جعفر الكنسوسي رئيس جمعية المنية، أن لقاءات تينمل السنوية الربيعية تم تأسيسها منذ سنة 2001 عناية بتاريخ جهة مراكش ، حيث تقام عادة بجامع تينمل الأثري، غير أنه ونظرا لأشغال الترميم والإصلاح التي تطال هذه المعلمة التاريخية في الآونة الأخيرة، رأت الجمعية أن تعقدها استثناء بمراكش.
وأفاد الأستاذ الكنسوسي، أن مجالس تنمل الأدبية، سعت منذ تأسيسها إلى استقبال شتى فئات المثقفات والمثقفين، ومختلف أطياف المبدعات والمبدعين، قصد تقريب محاضرات الأدباء ومحاورات الباحثين وأعمال الأكاديميين، وإنتاجات المفكرين، وإبداعات الكتاب والشعراء والبلغاء من رواد وزوار وأعضاء هذه المجالس، ومن أجل السعي إلى توضيح بعض الأفكار والطروحات المتعلقة بالثقافة والعمران والفن والفكر والعلوم الشرعية والوضعية المغربية.

هذا، وتناول الأستاذ عثمان محمد العبسي مدير مركز تطوان للتراث وعضو في المكتب التنفيذي لجمعية تطاون أسمير محاضرة تحت عنوان” الزليج المغربي الوحدة في إطار التنوع، انطلاقا من الزليج التطواني كنموذج، مستعرضا مختلف أنواع الزليج المغربي، من الزليج الفاسي، إلى الزليج التطواني والزليج المراكشي.

وذكر الأستاذ العبسي، أن مدينة مراكش باتت تعتبر عاصمة عالمية للزليج المغربي، الذي بات معروفا في مختلف أصقاع المغرب، وباقي بلدان العالم، كما تناول خصوصيات كل زليج على حدى، وطرق صناعته، والأشكال الهندسية لقطعه، التي تصل أحيانا إلى درجة عليا من التداخل والتعقيد على مستوى التركيب، ومقومات صباغته، بألوان متناسقة بين درجات الأخضر والأزرق والأحمر، والأبيض الغامق، والأسود، مبرزا أن الزليج المغربي ظل منذ ما قبل عصر المرابطين، كصناعة مغربية تقليدية ويدوية صرفة يتميز برونقه وجمالية ألوانه، مما يترجم دقة ومهارة الصناع المغاربة، ضمن ترصيص لقطع من الفخار تتفاوت من حيث الحجم والأشكال الهندسية ، تكشف عن تنوع وعراقة الحضارة المغربية، وتترجم عمقها التاريخي، وعبقرية الذاكرة الحرفية المغربية سلفا عن خلف، ومدى قوة بصماتها على التراث الإنساني العالمي.

إلى ذلكــ، أبرز الأستاذ العبسي، ضمن عرض مصور، أن ازدهار حرفة الزليج، عكسته مدينة مراكش، التي تحتضن أكبر عدد من ورشات وتعاونيات هذه الحرفة العريقة، مشيرا أن وثيرة صادرات الزليج المغربي إلى الخارج، ارتفعت بشكل ملحوظ في الفترة من 2012 إلى 2022، وأن الولايات المتحدة تأتي على رأس المستوردين لهذا الفن الحضاري المغربي، بالإضافة إلى بعض الدول الأوربية، ودول عربية كالسعودية والأردن ومصر.

وأشار العبسي أن ما يميز زليج تطوان عن زليج فاس، وزليج مراكش، يكمن في حجم القطع الصغيرة الحجم والدقيقة من حيث الألوان والتداخل الهندسي فيما بينها، حيث تشكل النجمات الصغيرة والمعينات والمربعات، والدوائر والمستطيلات، أو المربعات المنحنية أو المتوازية الأضلاع، أو حتى الأغصان والأزاهير مكونات لهذا الزليج، مستعرضا مختلف المصطلحات المهنية التي تطلق على هذه الأشكال، وعلى طرق ترتيبها بشكل هندسي دقيق يكرسه معجم قاموسي حرفي متداول في أوساط الحرفيين.

وأوضح العبسي، أنه بعدما يتم تحضير الطين الذي يخلط في “الزبى” كحوض كبير، وبعد عجنه التي تساعده في تهيئة القطع والأشكال الهندسية المختلفة، قبل أن تدخل إلى الفرن لتأخذ شكلها الأول ثم تخرج وتصبغ ثم تعاد مرة أخرى للفرن لتأخذ الشكل النهائي، وتأتي المرحلة الدقيقة، المتمثلة في التقطيع حيث يستعين الصانع بأدوات وتقنيات علوم الترسيم، ثم تركيب كل هذه النماذج بشكل متناسق وبديع لقطع هذا الزليج المتنوعة والملونة التي تتراوح ألوانها عادة بين الأزرق المائل للخضرة أو البنفسجي أو الأسود الفاتح والكستنائي أو الأصفر أو الأحمر، بعدما يتم تشكيل هذه القطع بحذر باستعمال القطع، ثم جمعها وتثبتها بالمقلوب بالإسمنت والجير، في أفق الحصول على لوحات من التميز العمراني المغربي .

في حين تطرق المؤرخ امحمد بن عبود أستاذ التعليم العالي بجامعة عبد المالك السعدي في تطوان سابقا، والعضو المؤسس ونائب الرئيس المنتدب لجمعية تطاون أسمير لمختلف الفترات التاريخية التي شملت ما بين عصر الطوائف وعصر المرابطين وعصر الموحدين، مؤكدا أن صناعة الزليج المغربي، تعود حسب الدراسات التي شملت مواقع أثرية مغربية، إلى ما قبل فترة المرابطين، قبل أن تزدهر هذه الصناعة في عهد سلاطين المرينيين الذين حكموا المغرب في الفترة من القرن 13 إلى القرن 15 الميلادي، حيث لا تكاد تخلو أية بناية تاريخية من قصور أو مساجد، مدارس أو منازل، أضرحة أو زوايا، سواء بمراكش أو في تطوان أو في غيرها من الحواضر المغربية العريقة من وحدات هذا الزليج، ومشيرا إلى مدى رقي هذه الصناعة ومدى خصوبة تجلياتها في مدرسة إبن يوسف المرينية .

وأضاف الدكتور إبن عبود، أن قصر البديع في مراكش لايزال في بعض جوانبه، يعكس ما وصلته هذه الصناعة شكلا ومضمونا، من قوة وصيت وإبداعية، وخصوصيات في عهد السعديين، كحرفة مغربية تاريخية وعريقة، كانت قد بلغت أوجها في عصرهم، بعدما باتت قطع الفخار المتحولة إلى زليج، تحفا رفيعة تنافس أغلى القطع المعدنية، وتعكس مسارات التاريخ المغربي، وملاحمه، ومعاركه، وسفاراته، وعلاقاته بمحيطه الخارجي.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.