في الواقع ، وأنا أنظرُ وأقرأُ لوحات الفنانة المغربية خديجة بن التاجر ، لاحظتُ أن الفن هو الأكثر قدرة على تبيان ذلك الوعي بالذات وبالآخر وتجسيده وتمثلّه.
ولايتبدى ذلك عند هذه الفنانة المتميزة في طبيعة المعالجة الجمالية للواقع والتقاليد والعادات المغربية بمختلف تلاوينها فحسب. بل يتبدى في التقنيات الفنية التي عمدت الفنانة بن التاجر إلى إستعمالها، في إبراز حقيقة المظاهر وطبيعة المواضيع عن طريق الألوان والأطياف والحركة والضوء. وتظل الأعمال التشكيلية للفنانة المغربية خديجة بن التاجر تمظهرا فكريا وذوقا حسيا وإنعكاسات دلالية لكل ما هو معنوي مغربي وثقافي جمالي ، وحضاري وطني، فثمة ، إذاً في التجربة التشكيلية للفنانة خديجة بن التاجر ، علاقة جدلية بين الوعي الجمالي والشكل الفني. ومن هنا فإن مقاربة ذلك الوعي لاتتمّ، على النحو الأمثل،إلا من خلال الوقوف على أعمالها مرارا،وإعادة النظر والقراءة في ماتتضمنه هذه اللوحات من منازع الوعي الجمالي الجذرية والجوهرية. وتأسيساً لما قـُـلتُه حول التجربة التشكيلية للفنانة المغربية خديجة بن التاجر، فإن تجربتها تختزل كذلكــ مختلف ضروب الحداثة التشكيلية المغربية والعالمية،ليس فقط في كونها حداثة في الوعي الجمالي للفنانة، وإنما في قدرتها على مزاوجتها لرؤيتها الشخصية ولايمكن لنا فهم الاختلاف والتميّز بين مواضيع لوحات الفنانة بن التاجر ، مالم نأخذ بالاعتبار الاختلاف والتميز بين وعي الفنانة نفسها الثقافي والجمالي، ومدى انعكاسهما على ثراء لوحاتها اللوني، والعابق بنسمات الحياة اليومية المغربية
والحقيقة، فقد تمكنت الفنانة المغربية خديجة بن التاجر، بأن ترتشف من التراث المغربي العريق، بشخوصه، ورمزياته،بأفراحه وأيامه،بأطيافه،وبمواسمه وأعراسه، بحلي نسائه وعمق أفكاره، كما إستلهمت مجمل نوازع الحداثة التشكيلية، التي جعلت من لوحاتها نصوصا شعرية، حتما سيلتفت إليها النقد المغربي المعاصر ،من منظورات عديدة ومتباينة. وأنا على يقين، أن النقد للتجربة التشكيلية للفنانة خديجة بن التاجر ، سيتناول أعمالها سواء فيما يتعلق بتحديد ماهو جوهري وحضاري مغربي فيها، أو من حيث براعة الفنانة وقدرتها على المعالجة التحليلية لهذه الأعمال، ومدى أسهامها في بلورة أطروحات الشخصية التشكيلية المغربية الفنية والجمالية، إسهاماً فعّالاً يرتبط بهذه الموسيقى اللونية التي تزخر بها لوحاتها.
هذا، وإن كان النقد المغربي للفن التشكيلي قد قال كلمته الفصل في شأن الحداثة الفنية،وهو يتناول أعمال الفنانات والفنانين التشكيليين المغاربة المؤسسين، فإن تجربة بن التاجر ، تدعو إلى أن الكلمة الفصل في التشكيل وفي الفن عامة، لم تظهر بعد، مالم يتم ربط التجارب التشكيلية المغربية المعاصرة، ومن أبرزها تجربة فنانتنا بن التاجر بالعلوم الإنسانية، وبالنقد الفني والأدبي كواحد منها، والتي تتأسس على علم الجمال،والأنثروبولوجيا وعن النقد الأدبي بشأن الحداثة التشكيلية. وفي رأيي المتواضع، فإن تجربة الفنانة التشكيلية المغربية خديجة بن التاجر تعطي شرعية مستمرة للأخذ بشتى المقاربات النقدية الجديدة جزئياً أوكلياً.
ولعل هذا يكون سبباً وراء مقاربتي النقدية هذه،لأعمال الفنانة بن التاجر ، وتمكنها في التأسيس لشخصيتها الفنية الخاصة بها، ولأسلوبها في التناول التشكيلي، وفي قدرتها على خلق الاختلاف، بصرف النظر عن تقويم هذا الاختلاف . وفي تقديري، فإن الفن عامة ، تعبيريا وتشكيليا، هو نتاج الوعي الجمالي السائد والمشروط بالبنية المجتمعية العامة، وأن مساراته لا تحدث بمعزل عن التطورات الحاسمة التي يعرفها المجتمع.
ولكن مع كل ذلكــ، فإن الفن نفسه ليس انعكاساً بالضرورة مباشراً للواقع، بل هو انعكاس للوعي الجمالي المشخّص تاريخياً من هذا الواقع، أولا، والمشخّص فردياً من الفنان نفسه ثانيا.
فتحية لخديجة بن التاجر ، فنانة تشكيلية مغربية أصيلة، وسيدة مبدعة محترمة ونابهة تفوقت في التعبير عن أسرار ثقافتنا المغربية .