أقدم مهرجانات المملكة يعود إلى قصر البديع إطاره التاريخي التقليدي

مـحـمـد الـقـنــور : 

تحت شعار “التراث اللامادي في حركة”، وسط أجواء احتفالية نابضة بالتعدد الثقافي الذي يزخر به المغرب، افتُتحت الدورة 54 للمهرجان الوطني للفنون الشعبية بمدينة مراكش، أقدم مهرجانات المملكة، الخميس الفارط 3 يوليوز الجاري، في احتفاء متجدد بالهوية التراثية الوطنية، والثقافة الإبداعية الشعبية المغربية.

هذا، وكانت فعاليات دورة المهرجان المذكورة، قد إفتتحت بموكب استعراضي متنوع توحدت فيه ألوان الأزياء مع تنوع الحلي، وتمازجت خلاله الإيقاعات المغربية مع الأزياء التقليدية في عروض جسدت التنوع الثقافي من الشمال إلى الجنوب.من ساحة قصر البلدية بشارع محمد الخامس في مراكش نحو قصر البديع، مرورا بساحة جامع الفنا وشارع حمان الفطواكي بعرصة المعاش، حيث شاركت فيه أكثر من 60 فرقة فلكلورية تمثل مختلف جهات المملكة، على غرار فرق  الركبة وأكلكال وعيساوة، أحواش، والكدرة والركادة وأحيدوس، والدقة المراكشية، والحوزي وكناوة، وعبيدات الرمى، وغيرها .

كما شاركت فرقة رقص صينية تقليدية من مدينة نينغبو كضيف شرف غلى الدورة، حيث قدمت عروضاً فولكلورية أبهرت الجمهور من ساكنة المدينة وزوارها من المغاربة والسياح الأجانب في تجسيد للعلاقات الحضارية التي تربط بين الشعبين المغربي والصيني منذ زمن إبن بطوطة، وكتوطين لفعل مميز وواقعي عن التبادل الثقافي بينهما.

إلى ذلكــ ، تميزت الدورة، بعودتها إلى قصر البديع فضاءها التاريخي، حيث احتضنت هذه المعلمة الأثرية التي تعود في بنائها لفترة السعديين، على عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي، مختلف العروض الرئيسية للمهرجان، في حين، عملت جمعية الأطلس الكبير، الجهة المنظمة للمهرجان، رفقة شركائها، على إنشاء منصات جديدة بكل من ساحة مولاي الحسن في منطقة باب الجديد، وساحة الكركرات في مركبات أحياء المسيرة السكنية، وساحة الفن السابع بالمنطقة السياحية للمدينة، مما أتاح لسكان المدينة وزوارها الإستجمام بتجربة فنية غنية وفقرات فلكلورية متنوعة.

في سياق متصل، اختُتمت الدورة بـ”ليلة النجوم” يوم 7 يوليوز، حيث تم تكريم الفنانة المطربة سعيدة شرف، التي أبهرت الحضور بأداء غنائي مشترك مع فرق شعبية من مختلف جهات المملكة، في لحظة احتفاء بالمرأة المغربية والفن الأصيل، وضمن سيمفونيات غنائية وطربية، إمتزجت خلالها درى الأغنية الوطنية المغربية المعاصرة، بعمق الفنون الشعبية الوطنية.

وللإشارة، فإن المهرجان الوطني للفنون الشعبية الذي تأسس سنة 1959، يُعد أعرق التظاهرات الثقافية في المغرب،حيث صنفته اليونسكو سنة 2005 كتراث شفهي ولا مادي للإنسانية، ومرآة نابضة للتراث اللامادي المغربي، ورافعة قوية لصناعة السياحة الثقافية بالمملكة. 

وأكد محمد الكنيديري ، مدير المهرجان الوطني للفنون الشعبية، ورئيس جمعية الأطلس الكبير، أن بدايات المهرجان الوطني للفنون الشعبية، تعود إلى سنة 1959 عندما اطلق جلالة المغفور له محمد الخامس، أولى دوراته في قصر البديع بمراكش، كمبادرة للاحتفاء بالفلكلور المغربي، وقصد تجميع الفرق الشعبية الفلكلورية من مختلف جهات المملكة، كما حظي بالاعتراف الدولي سنة 2005 حيث صنفته منظمة اليونسكو كتراث شفهي ولا مادي للإنسانية، مما عزز مكانته عالمياً، وساعد على توسعه الفني، وإشعاعه التنظيمي من خلال إدماج فرق دولية من الصين، السنغال، ساحل العاج ومصر وأذربيجان وغيرها، مما أضفى عليه بعداً عالمياً .

وأبرز الكنيديري، أن المهرجان حقق عبر دوراته الدمج بين الأجيال، مشيرا أن جمعية الأطلس الكبير، بشراكة مع وزارة الثقافة حرصت على إشراك الشيوخ والشباب داخل الفرق، قصد الحفاظ على استمرارية الفنون الشعبية، كما نوعت المنصات المتعددة وفضاءات العرض على مختلف مقاطعات مدينة مراكش، خارج قصر البديع، خصوصا بساحة جامع الفنا، وفي المسرح الملكي، وساحات جديدة مثل الكركرات ومنتزه مولاي الحسن .

وحول دور  المهرجان الوطني للفنون الشعبية، في تعزيز السياحة الثقافية، أوضح الدكتور الكنيديري، أن المهرجان بات عامل جدب للعديد من الزوار الدوليين، إذ يستقطب آلاف السياح سنوياً، خاصة في فصل الصيف، ويُعد من أبرز عوامل الجذب الثقافي لمراكش، ومن أهم الدوافع لتنشيط المدينة اقتصادياً، من خلال مساهمته في تحريك قطاعات الفنادق، ودور الضيافة، والنقل، والقطاع البنكي المصرفي، والمطاعم، وترويج الصناعة التقليدية، وخلق فرص الشغل الموسمية، وترويج التراث المغربي لجهات المملكة الإثنى عشر، مما يُعرّف الزوار على تنوع الهوية الثقافية من أحواش وأحيدوس الأطلس إلى كناوة وكدرة الجنوب.

وخلص الكنيديري، أن ذات المهرجان لا يُقدّم فقط عروضاً فنية، بل يُعيد إحياء الذاكرة الجماعية، ويُرسّخ الهوية المغربية في زمن العولمة، حيث لايعتبر مجرد احتفال، بل متحف حيّ ومتنقل وحديقة شتوية مفتوحة تلتقي فيها التقاليد المغربية بالمعرفة والتطلعات الحداثية والمظاهر الحضارية.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.