التكامل الاقتصادي الأورو متوسطي لا يزال دون المأمول وتحت وطأة التشرذم

هاسبريس : 

أطلق الاتحاد من أجل المتوسط، في برشلونة أول أمس الخميس 11 شتنبر الجاري ، التقرير المرحلي الثاني بشأن التكامل الإقليمي، والذي أُعد بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبدعم من المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي. ويوفّر هذا التقرير، المستند إلى البيانات، قراءة معمّقة لوضع الترابط الاقتصادي في المنطقة الأورومتوسطية، ويقدّم توصيات سياساتية قابلة للتطبيق.

وعلى الرغم من أن التدفقات التجارية بين دول الاتحاد من أجل المتوسط والتي شكّلت 30٪ من إجمالي الصادرات العالمية في عام 2022، فإن السوق الأورومتوسطية ما تزال تعاني من التشرذم. وفي حين أظهر الاستثمار الأجنبي المباشر قدرًا من الصمود، فإنه لا يزال، في العديد من الدول، دون مستوى التحويلات المالية.
شهد عدد المهاجرين بين دول الاتحاد من أجل المتوسط ارتفاعًا بنسبة تقارب 80٪ مقارنة بعام 1990، ومعظمهم من مواطني دول الاتحاد الأوروبي.

هذا، ولا يزال التكامل الإقليمي دون المستوى المنشود، نتيجة التحديات المستمرة التي تعيق حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال والأفراد والتقنيات. ومع ذلك، يتيح التحول الأخضر آفاقًا واعدة، إلى جانب تنامي ترابط البنية التحتية وتطور أنماط تنقّل الأفراد.

 كما استعرض الاتحاد من أجل المتوسط التقرير المرحلي الثاني حول واقع التكامل الاقتصادي في المنطقة الأورومتوسطية، والذي أُعد بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وبدعم من المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي، وذلك في قصر “بالاو رييال” بمدينة برشلونة.

وقد تزامن إصدار التقرير مع الذكرى الثلاثين لإطلاق عملية برشلونة، مستندًا إلى النسخة الأولى الصادرة عام 2021، مستعرضًا نتائج محورية وتوصيات سياساتية في خمسة مجالات رئيسة: التجارة، والتمويل، والبنية التحتية، وتنقل الأفراد، والتعليم العالي والبحث العلمي.

كما جمع حفل الإطلاق عددًا من ممثلي مبادرات التكامل الإقليمي والفاعلين المعنيين، بهدف مشاركة أفضل الممارسات القابلة للتكييف والتكرار في السياق الأورومتوسطي، حيث تناول التقرير بالتفصيل السياق الجيو سياسي المعقد الذي تُجرى فيه محاولات التكامل الاقتصادي، مشيرًا إلى التداعيات العميقة للنزاعات الدائرة في أوكرانيا والشرق الأوسط، وما نتج عنها من تأثيرات على سلاسل التوريد، وأمن الطاقة، والأسعار، فضلًا عن انعكاساتها على جذب الاستثمار، وتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي، وتعزيز الصمود.

في المقابل، يبرز التقرير بوادر إيجابية على صعيد تنامي العلاقات بين دول الاتحاد من أجل المتوسط ومنطقة الخليج، التي باتت تشكل مصدرًا مهمًا للاستثمار الأجنبي المباشر، لا سيما في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى جانب المبادرات القارية في إفريقيا.

ويؤكّد التقرير أن تعزيز الربط في البنية التحتية لا يقتصر على دعم التجارة والاستثمار الإقليميين، بل يسهم كذلك في توثيق التعاون في مجالات البحث والابتكار، وتنويع الاقتصاد في الدول الأكثر احتياجًا. إذ من شأن تطوير شبكات النقل، عبر ربط الطرق والسكك الحديدية والممرات البحرية، أن يُحسِّن المسارات اللوجستية ويعزز الاستدامة، في منطقة مسؤولة عن 13.4٪ من الانبعاثات الناتجة عن قطاع النقل عالميًا، بزيادة بلغت 40٪ منذ عام 1990.

كما أشار التقرير إلى أن تبادلات الطاقة المتجددة في حوض المتوسط، بما تحمله من إمكانات هائلة، خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يمكن أن تساهم في تحقيق الأهداف المناخية الطموحة للاتحاد الأوروبي، شرط تطوير البنية التحتية ودمجها ضمن الشبكات المحلية والإقليمية للطاقة.

وفي سياق متصل، ومع ارتفاع معدلات الهجرة داخل دول الاتحاد من أجل المتوسط بنسبة 6٪ بين عامي 2021 و2024، يلفت التقرير إلى تنامي الوعي بالحاجة إلى إدارة أفضل لأنماط الهجرة. وتبرز في هذا الإطار أهمية برامج شراكة المهارات والمواهب، التي توفّق بين احتياجات البلدان المُرسِلة وتلك المستقبِلة، وتحدّ من هجرة الكفاءات، وتُسهم في تلبية متطلبات سوق العمل .

وتستضيف منطقة الاتحاد من أجل المتوسط اليوم أكثر من 34 مليون مهاجر من داخلها، غالبيتهم من دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب تزايد أعداد القادمين من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وغرب البلقان.

إلى ذلكــ ، أبرز ناصر كامل، الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط: أن  التكامل الإقليمي لايزال في صميم مهمة الاتحاد من أجل المتوسط، مؤكدا أن هذا التقرير يُقرّ بالتقدم المحرز، كما يرصد التحديات القائمة.

كما أشار كامل أن الأزمات الإقليمية والدولية تواصل إعادة تشكيل اقتصادات المنطقة، وتُبرز الحاجة إلى التحول نحو نماذج اقتصادية أكثر حداثة واستدامة، مشددا على  اغتنام هذه اللحظة لبناء اقتصادات شاملة، تُمكّن الشباب والنساء من الإسهام والازدهار، انطلاقًا من التزام جماعي بجعل التكامل الإقليمي محرّكًا للتنمية”.

وأكد كامل أن “التكامل الإقليمي مفتاح لإطلاق كل الإمكانات الاقتصادية والاجتماعية الأورومتوسطية”، في حين، صرح ماتياس كورمان، الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن  تحديث اتفاقات التجارة وتطوير أسواق رأس المال والاستثمار يبرز في التشبيك وفي الطاقة الخضراء، مما يمكن دول الاتحاد من أجل المتوسط في إطلاق نمو ورخاء أكبر، في ظل إلتزام منظمة التعاون الإقليمي والتنمية بمساندة واضعي السياسات في الدفع بعجلة تلك الأولويات من خلال البيانات والتحليلات والتوصيات المستندة إلى دلائل علمية.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.