منية مراكش جهود متواصلة من أجل جامع الفناء كقضية تراثية وطنية

هاسبريس : 

مقال منشور في مجلة “دفاتر تراث مراكش والجهة”
الصادرة بشراكة بين جمعية منية مراكش ، ومتحف دار الصورة ، ومتحف الموسيقى بحي المواسين في مراكش.

شرعت جمعية منية مراكش لإحياء تراث المغرب و صيانته منذ عام 2009 في الإنكباب على طرح مطلب إحياء التراث الشفوي غير المادي لساحة جامع الفناء و ذلك بإقامتها ملتقى
” الوديعة الروحية لحكايات ألف ليلة و ليلة “، فساحة جامع الفناء لا زال رواد بسائطها يحيون النفوس بعرضهم لسِيَّر العشاق و ملاحم الأولياء و أهل الوداد و يُذَكِرون بشجاعة علي و كرم حاتم و بطولات الأزلية و مغامرات العنترية و ظرف جحا و ألف حكاية و حكاية أخرى من أفق المشرق إلى مبلغ المغرب لتنبيه الجمهور إلى الطريق المؤدية إلى تثبيت النفوس. و هذا هو شأن الحكاية و قصة الراوي.

و إحياءا لهذه المادة الثقافية و الروحية لساحة جامع الفناء، أسهمت جمعية منية مراكش كذلك في نشر عدد خاص من دفاتر تراث مراكش و الجهة في دجنبر 2020 ) الجزء الثاني من هذا العدد ينشر في يوليوز 2021 ( أفردته لساحة جامع الفناء و التحديات التي تواجهها. و نشرت في هذا العدد وجهة نظرها جوابا على طلب ” تدخل مواكبة لأعمال تهيئة الساحة ” من قِبَل الإدارة، تقترح فيه إنشاء منصة “ميثاق حرم جامع الفناء” يسهم فيه المجتمع المدني و المواطنون إلى جانب المسؤولين والإداريين في صياغة مقترحات و مقاربات لمستقبل الساحة.

جامع الفناء قضية وطنية

كما أطلقت الجمعية نداء أهل مراكش، ومحبيها للمطالبة بالإعلان عن ساحة جامع الفناء قضية وطنية كبرى، والذي تجاوب معه الملايين في وسائل الإعلام الكبرى و شبكات التواصل الاجتماعي و المواقع الإلكترونية، ووقعه ما يقرب من ألف و مائتين فرد من المثقفين و المهندسين المعماريين و الكتاب و الأدباء و الجامعيين و الفنانين و جمعيات المجتمع المدني و الأطباء و الصيادلة و المقاولين و الصحافيين و الإعلاميين و الرياضيين بالإضافة إلى مئات الفنانين من رواد الحلقة بساحة جامع الفناء و الموسيقيين الشعبيين، وموازاة مع هذه المبادرات ذات الوقع الكبير في المغرب و خارجه شرعت جمعية منية مراكش في إنجاز برامج ثقافية مُجَدِدة منها تبني مدرسة الشيخ عبد الرحيم الأزلية و استضافة أعمالها الأسبوعية بمقر الجمعية لإفساح المجال للتداريب الحكائية باللغة العربية و الدارجة و باللغتين الإنجليزية و الفرنسية.

 

درس تلقين الخط و فنون الكتابة المغربية

الجمعية لأفراد شباب الحكواتيين أبواب مدرستها للخط العربي التي يشرف عليها الخطاط المبرز عبد الغني ويدة منذ ستة أعوام، يحتوي هذا الدرس على تعريف بتاريخ الخط عند الأمم و منه يخلص للتعريف بتاريخ الخط العربي والتقنيات المستعملة لتلقين هذا الخط. و الخطوات الأولى لتعلم قواعد الخط العربي تفتح المجال لتعلم الخط المغربي. فالحكواتي له صلة وثيقة بالخط المغربي الذي به تدون كتب الأدب، هي من مستعملات الراوية القصاص بصفته إنسانا مثقفا قارئا، يحكي في المجالس السلطانية أو العلمية أو الأدبية أو الشعبية للعموم على مر الأزمان.

كما يحرص كبير خطاطي مراكش عبد الغني ويدة على فتح عوالم فنون الكتابة و أسرارها لجمع شباب الحكواتيين و يعرفهم بنوعيات الخط، الجاف منه و اللين، فالخط الجاف أو اليابس طبيعته هندسية بحيث وصل عدد أصنافه إلى تسعين في زمن العباسيين و منه الخط الكوفي، أصل الخط المغربي و الأندلسي.

أما الخط اللين فقد نتج عنه النسخي و الديواني… وللشيخ عبد الغني ويدة أسلوب العرفاء الراسخين في فنون الكتابة استطاع به منذ ميمون ابتداء دروسه برياض الجبل الأخضر، أن يُبَلغ لحاضري سماعه أن النقطة هي وحدة القياس و النسبة الذهبية حاضرة بقوة في عمل الخطاط لأن المعيار الأساس لهذه الفنون هو الإنسان.

مجلس المديح و السماع

بعد انقطاع دام أزيد من 14 شهرا منذ شهر مارس 2020 طوال هذه المدة التي فرضت فيها الجائحة شروطها، نظمت جمعية منية مراكش أول مجلس مديح وسماع بمقرها رياض الجبل الأخضر أحيته مجموعة المديح والسماع برئاسة المادح السعيد أملي ومجموعته : عبد الإله محراث، عبد الله أملي، هشام الماطي، هشام التوكي، ياسين ايت حيدو، مصطفى النظيفيين، السعيد النظيفيين، ابراهيم القعنبي، الحبيب المحمودي، الحسين الخياطي، حيث حضر هذا الجمع بعض أفراد الجمعية و مدعويها.

إلى ذلكــ ، حرص مكتب الجمعية أن يحضر هذا الحفل الراوية القصاص المراكشي عبد الرحيم الأزلية بصحبة تلامذته العشرة من الذكور والإناث. هذا بعد أن تم اللقاء بين هذه المجموعة المذكورة من شباب الحكواتيين و الأستاذ الخطاط عبد الغني ويدة المشرف على مدرسة الخط العربي التي أسستها جمعية منية مراكش برياض الجبل الأخضر وذلك لتلقينهم فنون الخط العربي والكتابة.

إن الغاية من استدعاء شباب الحكواتيين إحياء صلتهم بذلك الميراث العظيم للمديح النبوي الحاضر بقوة بساحة جامع الفناء منذ قرون. فالشيخ الحسن اليوسي في القرن السابع عشر لما ذكر الرحبة الكبرى جامع الفناء في كتابه “المحاضرات”، أول ما ذكر هي حلقة المداحين
وذكر كذلك حلقة عظيمة حول رجل مسن يحكي حكايات مضحكة للناس. وإضافة لهذا المعطى التاريخي الصميم للمديح بساحة جامع الفناء، نلاحظ أن جل الزوايا الصوفية كانت مُمَثلة بشكل كبير ومتعدد ومُؤَسِس لمضامين الساحة.

فالعديد من الحلقات كان روادها من مريدي الزوايا بل أن شطرا كبيرا من الحلقات كانت تُمثل وإلى اليوم العديد من الزوايا كعيساوة و أولاد سيدي حماد أو موسى وڭناوة، ونتذكر أن أشهر أعلام الساحة هو الشرقاوي مول الحمام و صاحبه بلفايدة الكفيف وكلا الرَجُلين ينتسبان إلى الطائفة الهداوية المتجردين.

شأن الحكاية بين الحكمة و الملاغة

يرى الصوفية أن الأديب هو الحكيم. فلذا اتخذوا من مطية الشعر ومطية الحكي وسيلتين لإيصال معارفهم، فكما أنهم يرو ن الوجود جعل كهيئة بيت الشعر في التركيب والنظم، وزنه خص به الشعر في الهيئة والحكم، بل إن مدار جميع الخلائق. على هاته الحقائق. فهم اتخذوا الحكاية أسلوبا للتلقين تثبت بها الأفئدة كما قال الإمام بن العريف دفين مراكش: “الحكايات جند من جنود الله يثبت بها الله قلوب العارفين”.

أما الإمام أبو بكر ابن طفيل في رسالته )حي بن يقظان (. فقد التجأ إلى القصة كأسلوب لبث المعارف الكبرى، وقد أفصح عن ذلك في بداية رسالته وهو يبين – على سبيل الرشد – لسائله، منهجه في التبليغ. إذ قال : “…وأرجوا أن أصل من السلوك بك على أقصد الطريق. وإن عرضت الآن إلى لمحة يسيرة على سبيل التشويق، والحث على دخول الطريق. فأنا واصف لك “… قصة حي بن يقظان وقد عني أهل التصوف بالحكي، مما جعل بعض الباحثين في زماننا يذهب إلى أن الصوفية هم الذين ألهموا رأسا كتاب حكايات ألف ليلة وليلة، لما تأتى لهم من معرفة عميقة بالنفس الإنسانية ومدى استعداداتها في مدارج التلقي نحو الكمال وتوسلوا بلغة إشارية أودعوا فيها حكما وأسرارا غميسة من وراء حجاب سحر الشرق وإشراق الكلمة، مجللة بالتسلية والتشويق، ولربما المزاح، وإنما أرادوا من ذلك قلب أعيان النفوس الخسيسة، نفوسا نفيسة.

 

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.