الأولياء وساحة جامع الفنا

بقلــــم : مارييت فان بيك : 

ترجمة: محمد أيت لعميم : 

مقال منشور في مجلة “دفاتر تراث مراكش والجهة

الصادرة بشراكة بين جمعية منية مراكش .
ومتحف دار الصورة ، ومتحف الموسيقى بحي المواسين في مراكش.

لا تتحدث الدراسات حول ساحة جامع الفنا عموما إلا قليلا عن العلاقة بين هذا الفضاء وتاريخ ثقافته والأولياء. لنضرب أمثلة متفرقة حول ذلك، لا يذكر الأولياء بتاتا في بحث مليكة العاصمي (1993)، ولا في الحكايات المسجلة حول الساحة من قبل عبد المجيد الزكاف (1978).
والحالة هذه، هناك مؤلفون، بما في ذلك الدلائل السياحية، لا يذكرون حضورهم وبتطبيق نفس الشيء على الطوائف الصوفية مثل كناوة وعيساوة وأولاد سيدي حماد أو موسى في جامع الفنا، مع ذلك، حتى في هذه الحالة الأخيرة، قليلة هي التفاصيل التي تعطى لهذه الظاهرة حول الأولياء، رجالا ونساء، مؤسسو الطريقة التي ينتسبون إليها.

عــدســة : محمد أيت يـحـي

نتيجة لذلك، يتسرب إلينا الاعتقاد أن الأولياء لا يضطلعون بدورهم في تاريخ الساحة أو ثقافتها ولا في الحكايات التي مازالت تروى.
يسعى هذا المقال إلى التدقيق في مثل هذا الانطباع، وبما أنه من المتعذر أن نستنفذ الموضوع، سنحدد مجال بحثنا في تناول المظهرين الآتيين:

– حصة الأولياء في الشعائر المرتبطة بجامع الفنا.
– دور الأولياء في التقاليد الشفهية بالساحة.

تعتمد هذه الدراسة على نتائج التحقيق الميداني المتحالفة مع سنة من البحث البيبليوغرافي.

في بداية القرن 20، لاحظ مسافر قضى بعض الوقت في مراكش أن عسسي الحي ومقدمي الأحياء كان من عادتهم أن يذكروا الرجال السبعة حين يطلقون طلقاتهم في الساحة لحظة إغلاق أبواب المدينة “لله وللرجال السبعة” (دوفرادن 1959-1966. ح1. ص 575) جامع الفنا 1971 (2/11). هذا المشهد لم يعد له وجود اليوم. لكن الطقوس والاعتقادات التي كانت موجودة وتمارس حول أضرحة الأولياء في مراكش وأضرحة الضواحي مازال لها تأثير وانتشار نستشعره من جامع الفنا أيضا.

بالفعل، فالباعة في الساحة يستجلبون بركة الأولياء ليكون القبول على بضاعتهم وأنشطتهم حتى المارة المستعجلون، يسمعون غالب الأوقات بائعي العشوب يرفعون عقيرتهم وهم يهيئون حزمة أعشاب مختلطة “ابركة مولاي ادريس”، ” بركة مولاي ابراهيم”. ونفس الشيء بالنسبة إلى المتسولين الذين يذكرون اسم أبي العباس السبتي، ومولاي عبد القادر أو وليا آخر. من أجل التأثير في قلوب المؤمنين Chevrillon 1919 (203-301).

في حين أن “الشوافات” أو المعالجون التقليديون الذين يتحدثون بصوت منخفض مع زبنائهم بعد أن يكشفوا عن مشكلتهم، يوجهونهم نحو ضريح الولي الذي يعتقدون فيه الشفاء. والذي في نظرهم هو المكان المحدد التي يهب بسخاء العلاجات الضرورية، تذكر لنا التقاليد الشعبية أن الساحة في الماضي كانت أكبر مما هي عليه الآن (العاصمي 1993 – 23)، لذلك، فأضرحة الأولياء بما فيها ضريح لالة رقية بنت لحمر، ورجال الكتبيين، ولالة زهراء بنت الكوش، وسيدي علي بلقاسم، وسيدي بوجمعة، وسيدي بولوقات، وسيدي بولفضايل، وأضرحة أخرى، توجد على الساحة نفسها. نسجل أيضا حضور الزوايا والأكثر إلهية من بينها الزاوية الدرقاوية والتيجانية.

إن طقوس الاستشفاء التي تمارس إلى يومنا هذا في بعض الأضرحة على مرمى حجر من جامع الفنا، لا تبدو أنها تثير الكثير من الانتباه حول ساحة جامع الفنا مثل الأعياد السنوية، المواسم السبعة، التي تقام بمراكش والنواحي بمناسبة عيد المولد النبوي (جامع 1971 – 106). فتدفق الحجاج والزوار بهذه المناسبة يجعلهم يستمتعون بالساحة. لأنه كان يشرح ذلك أحد لحلايقية في الساحة “لي زار مراكش، يزور جامع الفنا، لأن مراكش هي الساحة”.

 

فرؤية بعض الطوائف مثل كناوة، وحمادشة وعيساوة في هذه الفترة، يقودون الحيوانات، التي تقدم كأضحية (ناقة أو ثور)، وهم يعبرون الساحة في استعراض موسيقي تستدعي أيضا الموسم أحد الشهود يقول: ” إنه يوم عيد المولد النبوي نعيش فيه ظاهرة لا يمكن أن نراها إلا بمناسبة هذا العيد المبارك”. في اللحظة التي كنا نقوم فيها بجولة حول لحلاقي سمعنا موسيقى ممتلئة بلحن الفرح، محدثة تأثيرا قويا وعميقا على الجسد الذي يستسلم لحركات تعبيرية. هذا ما نسميه الجذبة. ويمكننا أن نعثر على شبيه لهذا الاحتفال في فاس ومكناس أيام موسم مولاي ادريس زرهون أثناء موكب الشموع. (Mub.Salo). نلتفت باتجاه الموسيقى وحين يتقدم الموكب، نشاهد رجالا ينفخون في آلة الغيطة في حين كان آخرون يضربون على الطبل في انسجام تام. الرجل الأخير في الموكب يجر ناقة وراءه مزين ظهرها بكساء أخضر وأحمر، وعلى الراية الموجودة في وسط الموكب كتب ” لا إله إلا الله محمد رسول الله”. كان أحدهم يحمل عصا برأسها قطعة من نحاس وتلفها أقمشة (الهراس 1985/1986 ؛ 30-40).

وعلى عكس حمادشة في مراكش الذين يحتفلون بهذا العيد في المدينة نفسها، فعيساوة يأتون من مناطق أخرى من المغرب، ليغادروا المدينة من باب الرب باتجاه مولاي ابراهيم في الجبل. في اليوم الثالث من العيد، فكل هذه المواكب تعلن بداية الأنشطة الطقوسية للزوايا (عيدون 1994؛ 128).

مجموعات أخرى لا ترافقها بالضرورة ناقة، يمكثون لمدة أطول في جامع الفنا. وأعضاء هذه المجموعات يبذلون قصارى جهدهم كي يحثوا المارة على هجرة طريق الشر والالتحاق بطريق الخير، طريق الحجاج (Warnock Fernea) 1976 (284، 287، 292).

قبيل سنوات فقط كان خوان غويتصولو قد كتب (1994؛ 120) أنه أثناء عيد المولد النبوي، يأتي هداوة من كل المغرب فيجتمعون في ساحة جامع الفنا وينشدون الأذكار والصلوات، قبل أن يتوجهوا إلى الذهاب إلى ضريح مولاي ابراهيم، لمدة أيام كانت آلاتهم ترن في قلب جامع الفنا. كانوا يجلسون بطبولهم ورياتهم وأشياء قديمة يتبركون بها يترغون ويرتلون دعواتهم لسيدي هدي.

وأولياء آخرين من الطريقة، إنهم نساك جوالون يندرون لخدمة الخير والتأمل في الله. يعتاشون على صدقات المؤمنين وفقا لمثل الحياة الصوفية. وبالرغم من أن هذه المجموعات الهداوية لم يعد لها وجود في الساحة، فإن العديد من المراكشيين مازالوا يتحدثون بأسى عن غيابهم في الساحة.

في الماضي، كان من عادة حكواتي الساحة أن يغادروها باتجاه باب الرب من أجل إمتاع وتسلية الناس الذين كانوا يفدون زرافات وحشودا إلى باب الرب ليحبوا بمواكب الطوائف الدينية أو يرافقونها، وأيضا من أجل اتباع الحجاج والاحتفال بالحدث معهم.

اليوم، فالنوق (حيوانات الأضحية) التي تذهب من باب الرب لم تعد تجذب انتباه إلا القليل من الناس، الممارسون الوحيدون في الساحة الذين يحضرون لهذا هم كناوة. أحدهم يقود ناقة، في حين أن رجلا ينحدر من زاوية سيدي رحال، “آكل النار” يصطحب مجموعة بن طالب للجذبة، باتجاه زاوية مولاي عبد الله بن حسين في تامصلوحت.
مجموعة الحكائيين الجوالين الذين ليس لهم مكان محدد وثابت، يمكن أن نلتقي بهم في جامع الفنا أو في إحدى المواسم، كما كان الحال مثلا مع اللاعب بالسكاكين الذي وصفه الطيب لعلج (1997؛ 7).

يشتكي المراكشيون الكبار في السن، من أن الأعياد السنوية لم تعد تحظى بتكريم وتشريف. وبعضها لم يعد يحتفل بها منذ سنوات عديدة مثل الاحتفال بسيدي أحمد الزاوية بباب الخميس، وسيدي أحمد بناصر، ولالة ميمونة بباب الدباغ. والحال هذه، ففي اليوم السابع من العيد، يحضر الناس إلى الباب الأخير كي يستقبلوا بعض الطرق الصوفية أثناء وصولها، في حين أن القليل من الحجاج يحضرون في ضواحي الباب الأول. لم نعد نرى في باب الخميس ولا في باب الدباغ خطباء جامع الفنا.

الموسم الذي مازال يقام، هو موسم سيدي عبد الله الغزواني (مول لقصور)، وهو الرجل السادس من الرجال السبعة بمراكش، حيث أن قبره يوجد بالقرب من ساحة جامع الفنا. ففي الأسبوع الثاني بعد عيد المولد النبوي يتم ختان العديد من الأطفال في الأماكن المجاورة للضريح. في الغد مساء، يجتمع شرفاء مولاي ابراهيم حول قبر سيدي بوجمعة قبالة الكتبية، وفي اليوم نفسه يذهبون إلى ضريح أبي العباس Saint Pétrin ، من هنا يحملون راياتهم ويسيرون في موكب إلى الزاوية بحي القصور، يقودون ثورهم المنذور للأضحية.

ويشاركهم في هذا الاحتفال كناوة جامع الفنا حيث يدخل أحد الحجاج في لحظة جذبة. في السابق، كان هداوة يزورون مول لقصور، وكانوا يرافقون كناوة في طقوسهم بداخل الزاوية. في اليوم نفسه من العيد السنوي كان شرفاء مولاي عبد الله بن حساين من تمصلوحت يقومون بمثل ذلك.

في عام 1997، كان لحلايقي المشهور مولاي أحمد لفطين هو الحكواتي الوحيد من الساحة الذي رأيته يحضر الموسم. إن تظاهرات هذا العيد تمتد من باب فتوح نحو ساحة جامع الفنا في سلسلة مكونة من باعة متنقلين يبيعون الحلويات الخاصة بالموسم.

أثناء شهر رمضان، كانت الساحة تعرف تظاهرات ورعة مفعمة بالتقوى، فأثناء ليلة القدر اعتاد المراكشيون على زيارة الرجال السبعة لأن هذه الليلة المباركة لا مثيل لها في الأزمنة العادية. هذا الأمر يقود المؤمنين إلى قطع ساحة جامع الفنا والذهاب إلى زيارة أضرحة مراكش بما فيها أضرحة الكتبيين (Jemma 1971.10. Jallab.1994.179).

في هذه اللحظة المحددة من السنة يكون الزائر للرجال السبعة قد أفعم وأتم النظام المرتبط بدلائل الخيرات، فأثناء أيام الآحاد من شهر رجب وشعبان تتناوب ثلاث مجموعات من المادحين (العباسية، ومجموعة ابن العريف، ورجال الدليل” وتحيى مجالس السماع في الأضرحة السبعة، يقرؤون أحزابا من القرآن، ومن دلائل الخيرات لسيدي بن سليمان الجزولي، والبردة والهمزية للبوصيري، نستذكر هذه الشعائر وهذه التلاوات اليومية والأسبوعية لدلائل الخيرات في العديد من الأضرحة كل مرة نعثر فيها على هذا المختصر في تبجيل النبي والذي يباع بكثرة في ساحة جامع الفنا (جعفر الكنسوسي 1996، 7).

عاشوراء عيد ديني آخر، أثناءه فرقة الدقة “التي هي شعار موسيقى مراكش” يذكرون في عيطتهم الذاكرة المبجلة لأولياء المدينة ويستدعون تاريخ المدينة المرتبطة بنوع من الحميمية بالصوفية. في هذه المناسبة يجتمع الساكنة بعد صلاة العشاء في الأحياء الشعبية المختلفة (مالكة العاصمي 1993 – 16).

من ناحية جامع الفنا ينظم المسؤولون حفلة مهمة للدقة. وفي هذه السنوات الأخيرة اعتلت هذه التظاهرة الرسمية كل التظاهرات الأخرى، الأعياد وكذلك التظاهرات اليومية المتنوعة جدا لها مناسبات عديدة وأثناءها هناك روابط وثيقة بين الأولياء وساحة جامع الفنا تتكرر وتتجدد.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.