منية مراكش تستضيف المؤرخ بنعبود، وتَسْتمرُّ في إبراز دُرَر تاريخ المغرب

مـحـمـد الـقـنــور :

في سياق مبادراتها الثقافية والتواصلية، وجهودها التحسيسية والفكرية، نظمت جمعية منية مراكش برياض الجمعية بالجبل الأخضر بمراكش العتيقة، على مدى يومين، صبيحة الأحد ومساء الإثنين 21 و22 شتنبر الجاري ، لقاءً  حول  تاريخ المرابطين، وتاريخ المغرب المعاصر، حيث إستضافت المؤرخ وأستاذ التاريخ الدكتور امحمد بنعبود لتقديم كتابه “عملية تحرير محمد بن عبد الكريم الخطابي من خلال النصوص، وحضر اللقاءين الثقافيين التواصليَيْن، مجموعة من الأكاديميين، والنخب المثقفة بمراكش، والأوساط الإقتصادية، والجهات المجتمعيين، والدوائر العلمية، وأساتذة وأطر المؤسسات الجامعية، وفعاليات المجتمع المدني الشبابية، والعديد من مكونات الهيئات الحرفية والنسائية، فضلا عن أطر وأعضاء مكتب الجمعية.

 

وخلال تقديمه لليومين الثقافيين التواصليين، أبرز الأستاذ جعفر الكنسوسي، الخبير في قضايا التراث المادي والغير المادي المغربي، ورئيس جمعية منية مراكش، أن إستضافة المؤرخ الدكتور أمحمد بنعبود، كأحد أبرز المؤرخين المغاربة المعاصرين، ومرجع أكاديمي في تاريخ المغرب والأندلس، خاصة في ما يتعلق بالحركات التحررية والروابط الحضارية والثقافية المغربية الإسبانية.

كما كشف الكنسوسي ، أن هذين اللقاءين يأتيان في سياق إهتمامات أطر وأعضاء وخبراء المنية بالتاريخ الموضوعي والتوثيقي وبالإنجازات التاريخية المغربية، القائمة على بسط الحقائق، في زمن تتسارع فيه التحولات المجتمعية وتتراجع فيه وثيرة الإهتمام بالتاريخ المغربي، وبعمق وروح المظاهر الثقافية، مشيرا أن حضور الدكتور بنعبود، يصب في صلب إهتمامات منية مراكش، الرامي إلى تحصين رمزية التريخ المغربي العريق والمعاصر، وحفظ الذاكرة وإعادة تشكيل الوعي الجماعي، القائم على أهمية ترسيخ عمل أهل المغرب، في مختلف المناحي الروحانية والمعرفية التاريخية، وبلغ العيش، وتثمين التراث المادي والغير المادي المغربي داخل مختلف الفضاءات الحية المحلية والجهوية والوطنية والدولية.

كما أبرز الأستاذ الكنسوسي، أن منية مراكش لا تكتفي بتنظيم الأنشطة التواصلية وإعداد المحاضرات العلمية، وإحياء المواسم السوسيو ثقافية، وتقريب الرأي العام من ماهيات وخصوصيات وتميز العمران المغربي، بل تنخرط بعمق ميداني في صون كل من الذاكرة الوطنية من التدليس والتغريب والتجهيل، وحماية التراث بشقيه عبر تأطير الشباب، وإحياء قيم الانتماء الوطني ورفع رايات الإبداع الوطني في مختلف مجالات العلوم والفنون.

وخلص الكنسوسي ، إن دور الجمعيات الثقافية والعلمية اليوم لم يعد يقتصر على الترفيه أو التنشيط، بل أصبح ضرورة تأطيرية مجتمعية، تروم ملأ الفراغات، وفتح نوافذ جديدة للتعبير والتفاعل التواصلي والتلاقح المعرفي والعمل على أجندات ناجعة وذات مردودية على البلاد والعباد، سواء من خلال برامجها ورؤيتها المتجددة، أو عبر تكثيف جهود شراكاتها، وتحقيق إستمرارية عطاء المنية كفاعل مدني يساهم في بناء مغرب متوازن، يربط بين أصالة هويته العقدية المؤسسة على المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية ومسلكيات الإمام الجنيد البغدادي، وبين آفاق التحديث العقلاني والحريص .

إلى ذلكــ ، وخلال اليوم الأول، أبرز المؤرخ الدكتور أمحمد بنعبود ،أهمية المرابطين في تشكل الهوية المغربية عبر التاريخ، والانتقال بالمغرب من منطق القبيلة إلى منطق الدولة بقيادة عبد الله بن ياسين ويوسف بن تاشفين لتؤسس أول تجربة حقيقية للدولة المركزية في المغرب، مما ساهم في ترسيخ مفهوم الأمة المغربية الموحدة، وترسيخ الإسلام كمرجعية حضارية، نتجت عن خلق شعور بالانتماء المشترك للوطن يتجاوز الانتماءات القبلية.

كما تناول بنعبود دور المرابطين في مواجهة التهديدات الخارجية بفضل التنظيم العسكري والانضباط ، وصد الحملات الصليبية في الأندلس، وخاصة في معركة الزلاقة، مما عزز من مكانة المغرب كقوة إسلامية مستقلة قادرة على حماية هويتها ومصالحها، وحدد طبيعة العلاقة والتلاقح الحضاري بين المغرب والأندلس، مما برز في المعمار والفنون كهوية بصرية على غرار تأسيس مدينة مراكش، وبناء المساجد والمدارس، وأغنى التراكم الحضاري والاستمرارية، مما مكن النخب المغربية من استيعاب أهمية تقوية الدولة، وتحصين التوابث المغربية كسلوك فكري إجتماعي، ونزوع سياسي بقي متجذراً لدى المغاربة منذ عهد المرابطين، ساهم في الحفاظ على وحدة المغرب واستقراره مقارنة بالدول الأخرى.

في حين تطرق اليوم التواصلي الثاني، إلى تقديم كتاب “عملية تحرير محمد عبد الكريم الخطابي من خلال النصوص” للدكتور أمحمد بنعبود، كمؤلف تاريخي علمي توثيقي، يروم تسليط الضوء العلمي الموضوعي على فهم مرحلة دقيقة من الكفاح الوطني المغربي، لما يتضمنه من تفاصيل دقيقة حول عملية تحرير محمد بن عبد الكريم الخطابي من منفاه بجزيرة “لارينيون”La Réunion سنة 1947، وانتقاله إلى القاهرة، حيث لعب دورًا محوريًا في إعادة تشكيل العمل التحرري المغاربي، كجزء لا يتجزأ من الأمة العربية، وتأسيس مكتب المغرب العربي سنة 1947، كثمرة جهود مشتركة بين قادة الحركات الوطنية في كل من المغرب، الجزائر، وتونس، يروم تنسيق الكفاح التحرري ضد الاستعمار الفرنسي من القاهرة قلب المشرق العربي، والتي كانت آنذاك مركزًا سياسيًا وثقافيا وإعلاميًا عربيًا مؤثرًا …

هذا، وإبرز المؤلف الدكتور أمحمد بنعبود، أنه اعتمد كمؤرخ على مجموعة من الوثائق الرسمية، والرسائل، والمراسلات الدبلوماسية التي توضح كيف تم ترتيب عملية الإفلات من الرقابة الفرنسية، بمساعدة شخصيات مغربية ومصرية وعربية، كما أبرز الدور السياسي للخطابي بعد التحرير، وكيفيات تحوّله من قائد عسكري إلى زعيم فكري وسياسي، جعل من القاهرة مركزًا لتنسيق جهود التحرر في كل من “مراكش” الإسم المشرقي للمغرب إلى غاية النصف الأول من القرن العشرين، والجزائر، ثم تونس.

كما ناقش بنعبود مختلف الجوانب القانونية المرتبطة بوضع الخطابي كمنفي، وكيف تم استغلال الثغرات القانونية والدبلوماسية لتأمين خروجه من المنفى، في ظل تواطؤ ودعم صامت من بعض الأحرار الفرنسيين.

وشدد الدكتور بنعبود على أهمية الوثيقة الأصلية في كتابة التاريخ، مقدما في كتابه نماذج من نصوص نادرة تُنشر لأول مرة، مما يمنح الكتاب قيمة أرشيفية عالية.

وخلال النقاش، ثمنت معظم التدخلات، جهود المؤلف العلمية والتوثيقية التي تضمنها كتابه “عملية تحرير محمد عبد الكريم الخطابي من خلال النصوص” ، أن الكتاب لا يتضمن مجرد سرد تاريخي لعملية تحرير الخطابي كشخصية وطنية مغربية، وإنما هو نافذة على شتى التحولات الكبرى في الكفاح المغاربي، وعلى الدور الذي لعبه محمد بن عبد الكريم الخطابي في بناء رؤية وحدوية للتحرر، ونزعة مغربية وطنية مؤمنة بالعمل الجماعي، وموحدة تجاوزت حدود المملكة المغربية.

وللإشارة، فإن المؤرخ الدكتور أمحمد بنعبود، المنحدر من عائلة أموية أندلسية عريقة، حاصل على الدكتوراه من جامعة إدنبرة سنة 1978، وتتلمذ على يد المستشرق الشهير “منتغومري وات”، كما اشتغل أستاذا للتعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان منذ سنة 1989، ثم منسقا لمجموعة البحث في تاريخ المغرب والأندلس، ونائبا لرئيس جمعية تطاون أسمير، فضلا عن كونه عضوا في الأكاديمية الملكية للآداب بإشبيلية والأكاديمية الملكية للتاريخ بمدريد، حيث يعتبر أول مغربي وعربي يُعيّن في هذه الهيئات العلمية العالمية، كما حاز كتابه التاريخ السياسي والاجتماعي لإشبيلية في عهد بني عباد على جائزة المغرب للكتاب سنة 1983، بالإضافة إلى كتابه هذا، عملية تحرير محمد بن عبد الكريم الخطابي من خلال النصوص، والذي كان موضوع إهتمام ونقاش “منية مراكش”.

كما كتب بنعبود عشرات الدراسات والمقالات باللغات العربية، الفرنسية، الإسبانية، والإنجليزية، بالإضافة إلى مشاركته  في ندوات ومحاضرات علمية ومؤتمرات دولية في جامعات عالمية مثل طوكيو في اليابان، مدريد بإسبانيا، باريس الفرنسية، شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية، والرياض في العربية السعودية، وغيرها، كما تم توشيحه بالوسام العلوي من درجة فارس سنة 2010، ووسام العرش من درجة ضابط سنة 2015.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.