عرف المغرب خلال الأسابيع الأخيرة موجة دعوات إلى التظاهر أطلقها جيل جديد من الشباب عبر منصات رقمية غير تقليدية، وعلى رأسها تطبيق “ديسكورد”، ورغم أن هذه الدعوات التي منعتها السلطات في أول الأمر، وتخللتها أعمال شغب وعنف، من طرف الغوغائية، فإن هذا الجيل ، لم يعكس مجرد حماس شبابي عابر، بل أبرز بوضوح صعود فاعل اجتماعي جديد، أتبث أن المغاربة شعب حي على مر الأزمنة والعصور، وبات يعرف بــ “جيل Z”.
فمن خلال شعاراته، وأفكاره، فإن جيل Z ليس جديدا عن المغرب، فالمغاربة منذ عصور، كانوا يرددون مثلا شعبيا يقول أن “أخبارُكُم عند صِغَاركم”، وهو ما يفيد علاقة التأثير والتأثر بين كل الفئات العمرية المغربية، كما أن المُلاحظ يُدركـ أن جيل Z في المغرب بات يعيش في قلب العولمة الرقمية، وأن غالبيته لا تنتمي للأحزاب السياسية سواء الكلاسيكية منها، أو الجديدة، لكونها مغلقة أمام وجهه، أو بسبب لامبالاة القيادات الشبابية بداخلها، كما ظهر أنه لا يعترف بالقيادات النقابية والحزبية والجمعوية التقليدية، بل صار يصوغ أشكاله الخاصة في التفكير، وفي التعبير وفي الاحتجاج، وينسج تضامناته ومواقفه عبر الفضاء الافتراضي.
ومهما يكن، فإن ما جرى في المغرب لا يبدو معزولاً عن السياقات الدولية والإقليمية، بل امتدادا لحراك شبابي عالمي، فقد تصدر جيل “Z” موجة احتجاجاته الرقمية ذات مطالب إجتماعية وقطاعية، في خطوات أعادت تشكيل ملامح العلاقة بين الحكومة والمجتمع في أكثر من بلد.
إذ من هنا تبرز الحاجة لفهم هذا الجيل، ومعرفة من هو؟ وما هي خصائصه؟ ولماذا يختلف عن الأجيال السابقة؟ وما هي التحديات والفرص التي يطرحها على المسؤولين الحكوميين والمنتخبين في المجالس الجماعية، والمجالس الجهوية وفي غرفتي البرلمان ؟
1. من هو جيل “Z” ؟
ينتمي جيل “Z” إلى الفئة الديموغرافية التي تلي جيل “Y” المعروف بالـ”ميلينيالز”، بحيث ولد أفراد هذا الجيل تقريباً بين منتصف التسعينيات (1995) وبداية العقد الثاني من الألفية الثالثة سنة 2010 تقريباً، واليوم، تتراوح أعمارهم تقريباً بين 15 و30 سنة.
و يشكّل في المغرب هذا الجيل نسبة سكانية مُهمة، بحكم التركيبة الشابة للمجتمع، ونظرا لهرم المملكة الديموغرافي.
2. الخصائص العامة لجيل “Z”:
ويعتبر جيل Z جيلا رقميا بامتياز، مما جعله أول جيل رقمي أصلي حقيقي، فحياته اليومية متصلة رقميا بالكامل، على عكس الأجيال المخضرمة التي عاشت مع نشأة الإنترنت، بينما كانت تستخدم الهواتف الأرضية، فهذا الجيل لا يعرف شؤون الحياة العمومية قبل الانترنت وقبل الهواتف الذكية، التي مكنته من المُقارنات والإنتقادات والرؤية الداخلية والخارجية، فقد نشأ هذا الجيل في بيئة رقمية ذكية، مما مكن طريقة تفاعله وتواصله عبر الإنترنت، على النشر المنفتح عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة تمامًا عن الأجيال السابقة.
ثم لكونه أول جيل وُلد في حضن الإنترنت والهواتف الذكية، بحيث لا يتصور هذا الجيل العالم من دون “واي فاي”Wifi ، أو محركات بحث على غرار “جوجل”، أو منصات الـ “سوشيال ميديا”.
كما تميز هذا الجيل بسهولة تقنيات التنقل بين التطبيقات والمنصات، مما يجعله سريعا في إلتقاط المعلومة، ونشرها، فضلا عن قوة تفكيره الشبكي واللامركزي ، مما جعله لا يثق في الهرميات التقليدية المتعارف عليها لدى الأحزاب، والنقابات، والحكومات.
كما بات جيل Z يفضل التنظيم الأفقي عبر مجموعات الــ “واتساب”، والــ “تلغرام”، أو “ديسكورد”، مما جعله أكثر ميلا إلى القرارات الجماعية بدل القيادة الفردية، وزعامات الجماعات .
3. جيل “Z” والنزعة النقدية:
هذا، وساعدت النزعة النقدية لجيل Z في أن يشكك في الخطابات الحكومية الرسمية وحتى في الإعلام التقليدي ، كما دفعته نحو النزوع من أجل التحقق من الأخبار بنفسه، وإن كان بين الفينة والأخرى يتعرض للمعلومات المضللة، أو لإقتحامات الغوغائية، ممن لاحظ لهم من تربية ولا إحترام للسلطات وللمؤسسات والمرافق العمومية والخاصة كالأبناك والمتاجر وباقي ممتلكات الناس.
4. القيم والمطالب لدى جيل “Z” :
كما يسعى جيل Z إلى العدالة الاجتماعية، الكرامة، والحرية أكثر من الإندفاع نحو الانتماء الحزبي أو التموقع الإيديولوجي، والسيطرة على الكراسي، حيث يعتبر التعليم الجيد، والصحة المسؤولة، والتشغيل، ومراجعة الأسعار، والبيئة السليمة عماد قوة الوطن، ويجعلها من أولى أولوياته.
5. جيل “Z” والرموز الجديدة :
ويستخدم جيل Z صور الأنمي، id وهي مجمل الرموز الرقمية للتعبير عن غضبه ، في حين تكون شعاراته أحياناً ساخرة، و واخزة ومقتضبة، وذات حمولة قوية التأثير.
6. جيل “Z” والاحتجاج :
وعلى الصعيد العالمي، كان جيل Z في قلب حركات شبابية كبرى في هونغ كونغ، وفرنسا، ونيبال، وكينيا… حيث اعتمد على التكنولوجيا لتجاوز لامبالاة أو قمع الحكومة.
أما في المغرب، فقد ظهرت بوادره الأولى في “حراك المقاطعة سنة 2018” من خلال منصة الفايس بوك ثم في الاحتجاجات المحلية حول الماء، والصحة، والتعليم و إرتفاع الأسعار، وأخيراً عبر منصات مثل “ديسكورد” في حراك جيل Z تحت مسمى “صوت شباب المغرب”.
7. لماذا يختلف عن الأجيال السابقة؟
ويمثل جيل Z الطفرة الرقمية، حيث لم يعش زمن الورق والتلفزيون الأرضي كوسائل أساسية.
كما يعتبر جيلا غير مؤطر سياسياً، بخلاف جيل الثمانينات والتسعينات الذي كان منخرطاً في الأحزاب والنقابات.
إلى ذلكــ ، يعد جيل Z جيلا عالميا، بحكم إتصاله بما يحدث في باريس وفي نيودلهي وحتى في نيروبي لحظة بلحظة، حيث يستمد إلهامه من تجارب عابرة للحدود.
8. التحدي المطروح على المسؤولين :
ويكمن التحدي الذي يطرحه جيل “Z” على السلطات في صعوبة التحكم فيه أو مراقبته، لأنه لا يملك قيادة محددة، وفي قدرته على تحويل حدث بسيط إلى قضية رأي عام خلال ساعات، وفي قدرته على تجاوز الإعلام الرسمي عبر صناعة روايات بديلة، كما يملك طاقة احتجاجية جديدة تختلف عن المظاهرات الكلاسيكية المؤطرة.
9. كيفيات التعامل مع جيل “Z”:
وبديهي، فإن التعامل مع جيل “Z”يتطلب جرأة سياسية جديدة، وعقلانية مرنة، تُمَكِّنُ من الانتقال من منطق السيطرة إلى منطق الإصغاء، ومن قوة القمع إلى سلاسة المشاركة، ومن دائرة الوصاية إلى فعالية الشراكة.
مع العلم، أن هذا الجيل ليس خطراً في ذاته، بل طاقة وطنية مغربية كامنة يمكن أن تتحول إما إلى قوة دفع وطنية إذا تم تجويد احتضانها، أو إلى قلق اجتماعي ، وإضطراب تدبيري إذا ما استمر تهميشها.
ومهما يكن، فإن جيل “Z” هو جيل رقمي، شبكي، عالمي، لا مركزي، يطالب أساسا بالعدالة الاجتماعية وبالكرامة أكثر من ولائه للأيديولوجيات التقليدية، وتكمن قوته في قدرته على تحديد الأولويات، فقد رأيناه يطالب بتنظيم الصحة والتعليم قبل تنظيم “كأس العالم” .
لهذا السبب، بات هذا الجيل يشكل تحدياً حقيقياً للحكومات ليس فقط في المغرب، وإنما في مختلف بلدان العالم، حيث لا يمكن التفاوض معه بالأشكال الإجرائية المعهودة، ولا حتى التنبؤ بخطواته، بل أصبح إقناعه والإقتراب منه يتطلبالتماهي معه،والإستثمار في التراث الثقافي والهوية المغربية، بأساليب رقمية تفاعلية، قصد ربط جيل Z بهويته وتوابثه الوطنية بطريقة معاصرة، مع دعم المبادرات الشبابية في مجالات التكنولوجيا، والفنون، والحياة الإيكولوجية “الماء” والسلامة البيئية، مع توفير حاضنات لأفكاره ومراكز إستماع لمطالبه، وفضاءات لإبداعاته ومحطات لإبتكاراته المحلية، والجهوية والوطنية، تروم تعزيز الثقة بينه وبين المؤسسات، مع إصلاحات ملموسة في الصحة وفي التعليم، والفرص الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية والمجالية، والتي يسمونها خلال وقفاتهم بــ “الكرامة”.