من 17 ماي إلى 31 يوليوز القادم يُمْكِن للمغاربة الوقوف أمام بيكاسو

مـحـمــد الـقـنــور :
تنظم المؤسسة الوطنية للمتاحف، بشراكة مع المتحف الوطني بيكاسو بباريس ، من 17 ماي الجاري إلى 31 يوليوز القادم بمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط أول معرض مغربي مخصص بكامله للفنان الإسباني والعالمي الشهير  بابلو بيكاسو، وذلك تحت عنوان “أمام بيكاسو”.
وأوضح بلاغ صحافي للمؤسسة أن المعرض، الذي ينظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس والعاهل الإسباني فيليبي السادس ورئيس الجمهورية الفرنسية، سيتضمن أزيد من مائة عمل من لوحات ومنحوتات وسيراميك وصور ورسومات ومطبوعات مصدرها مجموعة المتحف الوطني بيكاسو بباريس .

ويعتبر بابلو بيكاسو Pablo Picasso ، من أبرز رسامي القرن العشرين ، فقد اشتهر بأعماله الفنية الرائعة التي تتميز بالحرفية العالية والحس الفني الراقي ، كما أنه مؤسس المدرسة التكعيبية الفنية ،
فقد ولد بابلو بيكاسو في مدينة مالقة بإسبانيا بتاريخ 25 أكتوبر  1881 ، في عائلة فنية ، حيث أن والده الفنان التشكيلي خوسيه رويت كان يعمل مدرسا للرسم في إحدى مدارس اسبانيا ، وكان أمينا للمتحف المحلي ، أما والدته ماريا بيكاسو .

وقد شب بابلو على عشق الفن والرسم  منذ أن كان صغيرا وقد ذكرت والدته في إحدى المرات بأن أول كلمة نطق بها بابلو هي كلمة ” قلم رصاص ” . فبعد أن بلغ من العمر السابعة ، علمه والده أصول الرسم والتصوير الزيتي ، ومنذ ذلك الوقت أصبح الرسم يسيطر على تفكيره وأوقاته حتى انشغل عن الدراسة لأجل الرسم .

في عام 1891 ، انتقلت عائلة بابلو إلى لاكورونيا ليعمل والد بيكاسو في كلية الفنون الجميلة ، وأقاموا هناك لمدة أربع سنوات ، وعندما أتم بابلو الثالثة عشر ، كان يفاجئ والده برسمه سكيتشات كاملة عجز والده عن استكمالها ، فعندها تيقن والده بأن لبابلو موهبة فنية فذة ، حيث أنه يتقن فن الرسم لدرجة أنه تفوق على والده .

 

وفي عام 1895 انتقلت الأسرة ثانية إلى برشلونة بعد وفاة اخت بابلو بمرض الدفتيريا ، وقد تعرض بابلو لأزمة نفسية حادة ، انعكست على مسيرته الفنية لاحقا ، وفي تلك الفترة عمل والده في أكاديمية الفنون الجميلة واقنع المسئولين هناك بإلحاق ابنه في التقدم لامتحانات القبول للمستوى المتقدم ، وقدم بيكاسو الامتحانات المطلوبة في أسبوع واحد فقط رغم أنها تأخذ من الوقت عادة شهرا كاملا ، وهذا ما أعجب لجنة التحكيم حول بابلو بيكاسو الذي كان يبلغ من العمر الثالثة عشر ولديه من الموهبة والدقة مالا يمتلكه من يفوقه سناً وفي تلك الفترة كون بابلو العديد من الصداقات التي أثرت في مسيرته الحياتية فيما بعد .

استأجر والد بيكاسو حجرة صغيرة له بجوار المنزل لتكون ورشة عمل لبيكاسو يؤدي بها جميع إبداعاته ورسوماته الفنية ، وكان يزوره بين الحين والآخر ليرى آخر أعماله ورسوماته ويتناقش معه حولها .

 

وعند بلوغ بابلو بيكاسو سن السادسة عشر أرسله والده إلى سان فيرناندو لدراسة الرسم في أكاديمية مدريد الملكية والتي كانت من أشهر أكاديميات الرسم في اسبانيا ، إلا أن بيكاسو لم يعجبه نظام التعليم التقليدي وكان يترك المحاضرات لكرهه في الانضباط بمواعيد وروتينيات الدراسة الأكاديمية ، وفي المقابل كان يحب زيارة معارض الفنان ال غريكو لأنه كان معجبا في أسلوبه بالرسم حيث كانت تميز بالملامح الغامضة ، والألوان الجاذبة واللافتة ، وقد تأثر بيكاسو بأعمال ال غريكو كثيرا حتى أنه ظهر ذلك جليا في اعماله الفنية لاحقا .

 

وطبيعي، فقد ذهب بيكاسو إلى باريس في عام 1911 باعتبارها عاصمة الفن في أوروبا ، وقابل هناك الصحفي الفرنسي ماكس جاكوب الذي أصبح فيما بعد صديقه المقرب ، وساعده على تعلم اللغة الفرنسية والأدب الفرنسي ، واتسمت حياة بيكاسو في تلك الفترة ببعض المعاناة من الفقر واليأس ، حتى أنه كان يقوم بحرق أعماله الفنية حتى تدفأ الغرفة التي كان يسكن بها هو وجاكوب لشدة البرد .

بعد خمسة أشهر عاد بيكاسو ثانية إلى مدريد وافتتح مجلة ” يانج آرت ” رفقة صديقه فرانشيسكو سوليير ، حيث كان بيكاسو متخصصا في رسم الكاريكاتير الذي يعبر عن حالة الفقراء ومعاناتهم ، وكان سوليير متخصصا في كتابة المقالات ، وقد صدر أول عدد للمجلة في عام 1901 .

وفي عام 1905 أصبح الناقد الفني ليو شتاين والكاتبة جيرترود شتاين من أشد المعجبين بلوحات بيكاسو حتى أنهما أصبحا يجمعان باقتناء لوحاته ولحقهم في ذلك أخاهما الأكبر مايكل شتاين ، وقام بيكاسو برسم لوحة بورتريه لجيرترود وابن اخيها الان شتاين ، ومنذ ذلك الوقت أصبحت جيرتورد الراعية الرسمية لجميع اعمال بيكاسو ، فقد كانت تجمع لوحاته الفنية وتعرضها في صالون منزلها في باريس . وفي عام 1907 شارك بيكاسو في معرضا افتتحه المؤرخ الألماني دانيا كانفيلير الذي اشتهر في جمعه للوحات الفنية للفنانين ، وأصبح من أبرز الأشخاص الذين يجمعون لوحات بيكاسو حيث أنه كان من أشد المعجبين بمدرسة بيكاسو التكعيبية .

بعد الحرب العالمية الأولى أصبح لبيكاسو العديد من العلاقات لشخصيات بارزة ، من بينهم الملحن ايغور سترافينسكيفي وهو ملحن عرض الباليه ” بولشينيا ” وقد تعاون معه بيكاسو لعمل العديد من اللوحات الفنية للعرض .

وبعد الحرب العالمية الثانية بقي بيكاسو في باريس بعد احتلال الألمان لها ، وقد واجهته مشكلات بسبب فكره الفني المخالف للفكر النازي ، ولذلك لم يعرض لوحاته في تلك الفترة ، وبعد فترة بدأ يرسم لوحات جديدة مثل لوحته الشهيرة ” حياة ساكنة مع الجيتار ” ، ولوحة ” مقبرة تشارنيل ” التي رسمها في عام 1944 ، وكان يستخدم في رسوماته البرونز الذي كان ممنوعا من قبل النازيين في تلك الفترة إلا انها كان يهربها بمساعدة المقاومة الفرنسية .

كان أسلوب بيكاسو في الفترة الأولى من حياته الفنية مختلطة مابين الفوضوية والفن الحديث ، ثم ظهرت بعد ذلك مدرسة الفنان النرويجي ادوارد مانش وهي المدرسة الرمزية والتعبيرية الاسكندنافية ، وقد تأثر بها بيكاسو كثيرا في أعماله الفنية في تلك الفترة ، فقد كانت أعماله في البدايات تصور الحياة الاجتماعية والواقعية مثل لوحة نانا التي توجد في متحف بيكاسو في برشلونة حاليا . وانتقل بعد ذلك إلى مدرسة الانطباعية متأثرا بالفنان غوغان وتولوز لو تريك ، ويظهر ذلك في لوحته ” المهرج ” التي توجد في متحف الميتروبوليتان في نيويورك . ثم اتخذ بعد ذلك أسلوب رمزية الاستلهام التي كانت تتسم بلوحات شبه أحادية اللون ، مثل لوحة الحياة ولوحة السماوية .

أما خلال  الفترة الوردية ، انتقل بيكاسو إلى اللوحات العاطفية مثل لوحة المهرج والفارسات والمرأة حاملة الوردة ، والبهلوان ، ثم لوحة المهرج The Clown

هذا، وقد بدأت لوحات بيكاسو تتخذ تعبيرا جديدا من التعابير الفنية ، وهو التعبير التكعيبي ، وكانت من أشهر اللوحات التي أظهرت هذا النوع من الفن لبيكاسو هي لوحة “نساء عاريات ” ولوحة ” آنسات أفنيون ” التي توجد في متحف الفن الحديث في نيويورك ، ومنذ ذلك الوقت انتسبت المدرسة التكعيبية للفنان بابلو بيكاسو ، و أصبحت مرتبطة باسمه، وبإسم الفنان جاك بريكــ  .

بعد ذلك بدا بيكاسو في دراسة فن النحت ، فبدأ بإنجاز العديد من المنحوتات التي استخدم فيها المعادن المقطعة والنفايات والأدوات المهمة ، مثل ” المرأة في الحديقة ” و “المينيوتر ” ومن المعروف أن هذا النوع من المنحوتات يطلق عليه ” فن التجميع” .

ومع كل ذلك،فقد صنفت أعمال بيكاسو إلى فترات وهي كالتالي :
الفترة الزرقاء ، من 1901 إلى عام 1904 .
– الفترة الروز ، من عام 1905 إلى 1907 .
– فترة تأثره بأفريقيا ، من عام 1908 إلى 1909 .
– المرحلة التكعيبية التحليلية ، من عام 1909 إلى عام 1912 .
وأخيرا  المرحلة التكعيبية التركيبية ، من عام 1912 إلى عام 1919 ، تلتها رائعته الخالدة غيرنيكا Guernica

ثم ما فتئ بابلو بيكاسو أن اتجه إلى الكتابة في الفترة مابين عام 1935 و 1959 ، حيث كانت له أكثر من 300 قصيدة ، وكتب أيضا بعض المسرحيات منها مسرحية “الرغبة التي أشعلها الذنب” ومسرحية “الفتيات الصغيرات الأربع” ، وفي عام 1960 كان له مشاركات بسيطة في بعض الأفلام حيث كان يظهر بشخصيته الحقيقية كبيكاسو ، مثل فيلم وصية اوريفيوس للمخرج جان كوكتو ، وفيلم لغز بيكاسو للمخرج هنري جورج كلوزو .

وعلى كل حال، فقد كان بيكاسو من المناهضين للحرب العالمية ، ولكنه لم يظهر أي تحيزا لأي جهة ، وكان ضد الفاشية ، وقد انضم في عام 1944 إلى الحزم الشيوعي الفرنسي ، وفي عام 1950 نال جائزة ستالين للسلام ، وفي عام 1962 حصل على جائزة لينين للسلام ، كما أنه كان ضد الحرب الكورية وقد رسم لوحة مذبحة كوريا للتعبير عن المذابح التي حصلت آنذاك .

أما عن حياته الخاصة ، فتسجل إنطلاقا من سنة 1904 ، عندما التقى بيكاسو بامرأة بوهيمية فرنسية تدعى ” بفيرناند اوليفير ، وأصبحت فيما بعد حبيبته وهناك العديد من اللوحات التي رسمها بيكاسو لاوليفير ، وبعد ذلك التقى باولجا خوخلوفا وهي راقصة باليه اوكرانية وتزوجها في عام 1918 ، وقد كان بيكاسو يصمم لزوجته لوحات الرقصات ، وقد أنجب منها ولدا أصبح فيما بعد متسابق دراجات نارية ، وخلال فترة زواجه بها عرفته على العديد من الشخصيات البارزة في باريس من خلال سهرات العمل الرسمية والمجاملات الاجتماعية ، وفي إحدى الليالي كانت من ضمن الحضور حبيبة بيكاسو القديمة البوهيمية فيرناند اوليفير فبدأت الخلافات فيما بينهما دون أن يحدث الطلاق إلى أن توفت اولجا في عام 1955 ، وفي الفترة التي كان فيها بيكاسو على خلاف مع زوجته قبل أن تتوفى كان قد تعرف على أخرى تدعى ماري تريز والتر ، وقد أنجب منها طفلة تدعى مايا ، وبعدها تعددت علاقات بيكاسو الغرامية ، فبعد الحرب العالمية الثانية تعرف على طالبة رسم تدعى ” فرانسوان غيلوت ” التي كانت تصغره كثيرا ، وأنجب منها كلود وبالوما ، وفي عام 1964 قامت فرانسوا بتأليف كتاب عن علاقتها ببيكاسو يسمى ” الحياة مع بيكاسو ” دونت فيه معاناتها مع خيانات بيكاسو المتعددة والتي جعلتها تتركه ومعها أطفالها ، وفي عام 1961 تزوج من امرأة أخرى تدعى جاكلين روكـ  واستمرت معها حتى وفاته ، وقد أدى هذا الزواج إلى تدهور العلاقة بينه وبين أبنائه من فرانسوا لأنهم بعد هذا الزواج أصبحوا ليسوا الورثة الشرعيين لبيكاسو .
ومع ذلكــ فقد تركــ بابلو بيكاسو ، إبنا كان إسمه بدوره باولو ، وكان قد ولد في عام 1921 وتوفي في عام 1975 ، وهو من زوجته اولجا خوخلوفا ، وإبنة هي مايا ، ولدت في عام 1935 ، وهي من ماري تريز والتر ، ثم إبنه كلود وشقيقته بالوما ، من زوجته فرانسوا غيلوت .

توفي بيكاسو في الثامن من أبريل  1973 ، في مدينة موجان بفرنسا ، وقد قيل عنه من طرف أكثر من مصدر ، وثق للحظات وفاته، أنه  كان يتناول العشاء مع زوجته جاكلين وبعضا من الصديقات و الأصدقاء ، فكانت كلماته الأخيرة ” اشرب لي ، اشرب لصحتي ، فأنت تعرف أنه لا يمكنني الشرب أكثر من ذلك ” . وقد تم دفنه في منطقة شاتو بالقرب من أيكس ، و لم يتمكن أبنائه “كلود”  ولا “بالوما” من حضور جنازة أبيهما وذلك لمنع جاكلين زوجته الأخيرة من حضورهم ، ومن الطريف ، أنه بعد فترة انتحرت جاكلين في عام 1985 .

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.