الاتحاد المغاربي ذاكـ الحلمٌ البعيد القريب
: محمــد الـقـنـور :
يبدو أن حلم الاتحاد المغاربي لايزال بعيدا عن التحقق على أرض الواقع ، رغم كونه حلم يراود شعوب الدول المغاربية الخمس منذ أمد بعيد، إلّا أنّ الأمل خاب أو يكاد وشعلة الحماس قد انطفأت أو أوشكت أن تُخمد ، فقد وصف جلالة الملك محمد السادس الظروف القائمة فيما يتعلق بالاتحاد المغاربي، في خطاب للمغاربة والعالم بكون “الحلم الذي ناضل من أجله الرواد في خمسينيات القرن الماضي يتعرّض اليوم للانتكاسة والمنطقة المغاربية هي الأقل اندماجاً في قارة إفريقيا إن لم يكن على مستوى العالم أجمع” .
وهذه هي المرّة الثانية خلال عام واحد التي يقوم فيها زعيم بلد مغاربي بالتشكيك في آفاق الاتحاد المغاربي، إذ سبق للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز أن صرّح أنّ التنسيق المغاربي لم يحقق شيئاً، متسائلا:”ما الذي حققه لنا الاتحاد المغاربي ؟ وماذا حققته الدول المغاربية فيما بينها”، دون أن ينسى استبعاد أجندة المملكة عن بقية دول المغرب العربي بالقول: “مشاكلنا ليست متجانسة”.
تاريخ وحاضر
لا يخفي مسؤولو الدول الخمس أنّ الحديث عن الاتحاد المغاربي بين دولهم بات جزءاً من الماضي، على الرغم من أنّ جموده يمثّل ضربة موجعة لشعوب شمال القارة الإفريقية ونكسة كبيرة لتطلعاتها. ويسير تحليل المراقبين في توازٍ مع هذا الطرح إذ إنّه وبعد نحو 28 عاماً على الإعلان عن قيام الاتحاد المغاربي ينتهي حلم طالما راود أبناء المغرب الكبير عقوداً عدة، ويفشل المشروع الذي دشنه زعماء معركة الاستقلال والذي أتى ثمرة لمؤتمر طنجة التاريخي في ابريل 1958 بدعوة من الهيئات الشعبية الممثلة لبلدان المغرب الكبير ، والبارزة في حزب الاستقلال بالمغرب ، والحزب الدستوري الجديد في تونس وجبهة التحرير في الجزائر، والذي بحث عدة مبادئ أبرزها تشكيل مجلس استشاري للدول المغاربية ينبثق من المجالس الوطنية المحلية تكون مهمته دراسة القضايا الاهتمام المشترك وتقديم توصيات للسلطات التنفيذية لكل بلد على حدى بشأنها، وبحث قيام اتحاد فدرالي، وتأسيس أمانة دائمة لضمان تنفيذ مقررات المؤتمر.
قمة تأسيس
والواقع ، أن فترة الكفاح الوطني من أجل التحرر والاستقلال تظل محطة تاريخية مهمة في استحضار مفهوم الإتحاد المغاربي الموحد، إذ عرفت هذه المرحلة ميلاد أهم التنظيمات والأفكار الوحدوية المغاربية، إلّا أن فكرة المغرب الكبير اتخذت بعداً جديداً مع استقلال كل من المغرب و تونس في 1956 ثمّ الجزائر في سنة 1962، ليعلن في العام 1964 عن قرار بعث اللجنة الاستشارية المغاربية الدائمة لتعمل على تهيئة الأرضية اللازمة للتكامل ثمّ الاندماج الاقتصادي والاجتماعي.
ففي 17 فبراير 1989،انعقدت القمة التأسيسية لاتحاد المغرب العربي في مدينة مراكش ، إستشرافا لمرحلة تاريخية عظيمة، كانت فيها هذه المدينة عاصمة للدول المغاربية الحالية ، وقد تلتها ست دورات على مستوى الرئاسة كانت الأولى في تونس ثم الجزائر وليبيا وأخرى في المغرب ثمّ موريتانيا وأخيراً تونس في أبريل 1994، أما الدورة السابعة التي تقرر عقدها حينذاك في الجزائر فلم يكتب لها الالتئام، بفعل المزايدات المُغرضة التي طالت الوحدة الترابية المغربية .
حلم غارق
وعلى الرغم من أنّ قمم الاتحاد المغاربي كان من المقرّر أن تعقد كل عام، إلّا أنّه لم تنعقد دورة منذ قمة تونس 1994،إذ رفضت ليبيا في يناير 1995 تسلم رئاسة الاتحاد احتجاجاً على تقيد الدول المغاربية بالحظر الدولي المفروض عليها حينها بسبب ملف قضية لوكربي، الأمر الذي أعاد رئاستها إلى الجزائر، ليدخل الاتحاد المغربي منذ ذلك الحين غرفة الإنعاش وتبقى ذكرى تأسيسه مناسبة سنوية تتعلق فقط بتبادل برقيات التهاني.
وفي محاولة لكسر الجمود، أعلن العربي الطيب البكوش، الأمين العام لاتحاد المغرب أنّ عمل الأمانة العامة سيرتكز خلال الفترة المقبلة على إعادة النظر في مضمون “معاهدة مراكش” باعتبارها لم تعد ملائمة لمستجدات الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث أوضح البكوش إلى أنّه سيبادر بالدعوة لاجتماع مجلس رؤساء الحكومات أو الوزراء الأوائل للبلدان المغاربية، والذي لم ينعقد منذ تأسيس الإتحاد المغاربي في 1989.
وكان البكوش قد أشار إلى أنّ برنامج عمل الأمانة العامة للاتحاد المغاربي سيعمل على وضع خطة عمل للقيام بجملة من الدراسات والبحوث المعبرة عن واقع وآفاق بلدان المغرب العربي، فضلاً عن تفعيل القرارات والتوصيات المنبثقة عن اجتماعات مختلف الهياكل الوزارية.
غياب ملحوظ
وفيما طالبت الجزائر بمراجعة النصوص القانونية بما فيها المعاهدة التأسيسية للاتحاد، وتحديد الأولويات المشتركة في إطار التجاوب مع مستجدات المرحلة الراهنة عربياً وإقليمياً ودولياً، وما تطرحه من تحديات مشتركة على مختلف الأصعدة، أبدت المملكة المغربية تشاؤماً حول الاتحاد المغاربي وفق ما أكّد جلالة الملك محمد السادس عندما حذّر مؤخًراً من أنّ عدم التحرك أو أخذ العبرة من التجمّعات الأفريقية المجاورة سيؤدّي إلى حل التكتّل على ضوء عجزه المزمن على الاستجابة للطموحات التي تبنتها معاهدة مراكش التأسيسية قبل 28 عاماً، لافتاً إلى أنّه وفي الوقت الذي تصل فيه المعاملات التجارية البينية إلى 10 في المئة بين بلدان المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، و19 في المئة بين دول مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية، فإن تلك المبادلات تقل عن 3 في المئة بين البلدان المغاربية، حيث أكد جلالته : ”وبينما تشهد المجموعة الاقتصادية لشرق أفريقيا تطوراً ملحوظاً، في إقامة مشاريع اندماجية طموحة، وتفتح دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مجالاً حقيقياً لضمان حرية تنقل الأشخاص والممتلكات ورؤوس الأموال، فإن التعاون الاقتصادي بين الدول المغاربية يبقى ضعيفاً جداً”.
في سياق مماثل ، تشير مصادر دبلوماسية في نواكشوط،حسب ما تناقلته الصحافة العالمية إلى أنّ موريتانيا تتجه جدياً إلى الانسحاب من منظومة الاتحاد المغاربي، وأنّ الرئيس محمد ولد عبد العزيز يعتبرها غير مجدية ويفضّل المشاركة في تأسيس اتحاد دول الساحل إلى جانب مالي وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر على التكتّل المغاربي.
خلاصة غياب
أكد الشاذلي العياري،محافظ البنك المركزي التونسي أن البعد المغاربي الذي جاء من أجله الاتحاد كان غائباً على مستوى الإنجاز تنموياً أو اقتصادياً في جميع خطط البلدان المكوّنة له،وشدد على أنّ فترة إشرافه على وزارة الإقتصاد في بلاده لم تحدث أيّة مشاريع من منطلق البعد المغاربي.
وأشار العياري إلى أنّ الأزمة التي مرّت بها كلّ من تونس وليبيا عقب عواصف ما عرف بالربيع العربي، في الأدبيات السياسية ، كانت لتشكل فرصة سانحة لنهوض الاتحاد المغاربي الرامي من خلال وثائقه التأسيسية إلى مواجهة التحديات، وتحقيق ما كان يصبو إليه مؤسّسوه، إلّا أنّه كان غائباً وفارغاً و مجرّد صورة.
تحديات ومعطيات
هذا، ولقد مثّل انتشار الجماعات الإرهابية المسلّحة وتهريب السلاح والمخدرات وتسلّل المتطرّفين، والترامي على زعزعة الوحدة الترابية للبلدان العريقة ، تحدياً مهماً أمام مشروع الاتحاد المغاربي، وفيما أثّرت السنوات الدموية في الجزائر والحظر الدولي على ليبيا خلال تسعينيات القرن الماضي على العلاقات بين دول التكتّل الخمس، كان للتوجهات الدبلوماسية والتحالفات الخارجية لكل بلد دورها في الإبقاء على ريادة ووهج المغرب بعض دول المنطقة في الساحة الإفريقية والدولية .
إلى ذلكــ ، فقد أدت مستجدات الوضع في كل من ليبيا وتونس الدولتين اللتين أطاحت عاصفة الربيع العربي بنظاميهما، إلى المزيد من التفكك في المنطقة، لاسيّما بعد بروز ظاهرة الإسلام السياسي، وتحول ليبيا إلى خزان للسلاح ومأوى للجماعات المتطرفة المتخفية وراء الميلشيات المسلحة المسيطرة على المشهد الليبي.
كما لعب التفاوت الاقتصادي والاجتماعي والثقافي بين الدول الخمس دوراً في الإطاحة بحلم الوحدة المغاربية.
مشروع استراتيجي
يرى السعيد مقدم، الأمين العام لمجلس الشورى المغاربي أنّ الوقت حان لإعادة نسج وتفعيل علاقات دول اتحاد المغرب العربي، لتكريس علاقات حقيقية ترتكز على التوافق والثقة وتقاسم المصالح، معتبراً أنّ مشروع بناء اتحاد مغرب عربي سيظل مشروعاً استراتيجياً حضارياً واعداً يستحيل التنازل عنه، مشدّداً على ضرورة مراجعة المنظومة الاتحادية المغاربية، ورفع مقترح الارتقاء بمجلس الشورى المغاربي إلى برلمان تسند له عدد من الصلاحيات التي يتمتع بها نظراؤه من المجالس والتكتلات الدولية.
ويقر مقدم بأنّ الترسانة القانونية للاتحاد لا تتضمن سوى 37 اتفاقية وقراراً لا تزال معطلة، كاشفاً عن تجديد إيداع أعضاء مجلس الشورى للاتحاد المغاربي لمقترح تحويل المجلس إلى برلمان مغاربي، ليتسنى له الخروج من الوظيفة الاستشارية إلى وظيفة تحوز على صلاحيات التشريع والتقرير دون وصاية مسؤولي دوله الخمس، إلّا أن عدم رد الرؤساء المتعاقبين على بلدان المغرب الكبير منذ بداية التسعينيات على المقترح انعكس سلباً على اجتماعات تشكيلته المكوّنة من 150 برلمانياً بمعدل 30 نائباً عن كل دولة على مدار دورات التكتّل الأربع، إذ باتت كل الاجتماعات تنصب حول سؤال وحيد: «ما مآل دراساتنا وتوصياتنا»، مؤكّداً على أهمية إقرار قانون لاتحاد دول المغاربية.