التشكيلية السعدية موقير.. رمـزية الأطياف ومشاعر الدهشة
مــحــمـد القـنــور :
عدسة : محمـد أيت يحي :
”كأنها الرياح إذ تتلاعب بالألوان، كأنها الضباب إذ يغشى الشخوص ليتوحد مع الأطياف، يحولها إلى عوالم متماوجة من القيم التعبيرية والدلالات الرمزية، كأنها الطبيعة الغير المحسوسة، تتحول إلى أصوات وأنغام وكلمات، في تفاعل هارموني منتظم مع الزمان والمكان، ليثير لدى الملتقي مختلف مشاعر الدهشة ومفاتن الإعجاب ، تلك هي لوحات الفنانة التشكيلية المغربية، السعدية موقير ، لوحات تختزل كل الإنشاءات الأدبية والمقاطع التعبيرية من خلال مكنوناتها المتعددة الجوانب ، عبر معرضها الحالي المقام بفضاء “فيرجين” في مركب المزار بمراكش، في لقاء مميز يجمعها بالجمهور المغربي والأجانب من عشاق الفنون التشكيلية.
معرض تساءل من خلاله الفنانة التشكيلية مختلف أشكال الانفعال الإنساني لما تثيره أعمالها من مساهمة في صقل الذاكرة التشكيلية المغربية الحديثة، ومن رسائل رمزية تؤكد داخلها الفنانة التشكيلية المغربية السعدية موقير، قدرتها في استيعاب الدور الحداثي التشكيلي من طرف الفنانات والفنانين المغاربة ، وتعلن ضمنه إدراك أهمية هذا الدور، ونجاعته في صياغة ملامح مميزة للإنسان المغربي المتحضر في عالمنا الحديث، ولما تكشفه الفنانة من رغبة غير مباشرة في تطوير وتعميق الثقافة التشكيلية والفنية في الحياة المغربية المتجددة ، ومن عزم على الربط ما بين المعارف التشكيلية الكونية الجديدة والثقافة المغربية المعاصرة ، قصد فتح نوافذ جديدة لتنسيق وتشذيب أروع التجارب التشكيلية كأنظمة تعبيرية جديدة تستوعب كل ماقدمه التراث والفلكلور الوطني المغربي من ألوان ومقاييس وتنسيقات ومختلف الإيحاءات الواردة من فنون الحرف التقليدية المغربية وشتى المظاهر الإبداعية العمرانية والذوقية المتميزة.
والواقع، أن الفنانة التشكيلية المغربية السعدية موقير، ومن خلال معرضها الحالي تحدوها رغبات كثيرة في الانخراط في عالمية الظاهرة التشكيلية والمساهمة في تطوير الهوية التشكيلية المغربية المعاصرة والمستقبلية، غداة كل معرض من معارضها، وهي المعارض المتعددة التي شكلت نقاط إلتقاء مع الجمهور والمثقفين والنقاد والباحثين والمهتمين بالفن التشكيلي المعاصر، منذ معرضها الأول برواقات المسرح الملكي بمراكش، قبل أربع سنوات، في شتاء سنة 2010، والذي تلته مجموعة من المعارض بمختلف مدن المملكة، حيث عرضت بشكل فردي وشكل جماعي مع بعض الفنانين التشكيليين والفنانات التشكيليات بالمركز الثقافي المصري في الرباط ، وبالصالون الوطني للفنون المعاصرة في الدار البيضاء، وبرواق “شعيب الدكالي ” بالجديدة، وبالملتقى الدولي للفنون في مدينة بنكرير بإقليم الرحامنة، وبالمنتدى العالمي للفنون التشكيلية في كل من مدينتي آسفي وأكادير و برواق “الشجرة الزرقاء” في الصويرة، عشرات من المعارض، إكتسبت من خلالها الفنانة التشكيلية المغربية السعدية موقير، أواصر تلاقحية و تجاوب من طرف زوار معارضها، وتم تناول تجربتها عبر العديد من المنابر الإعلامية السمعية والبصرية .
وترتكز تجربة الفنانة التشكيلية المغربية السعدية موقير، على مختلف مظاهر الحياة، من خلال شخوصها الواردة ضمن فضاءات لوحاتها الشاسعة، لتساءل الكينونة الإنسانية، وتفتح كل أشرعة اللون على الطبيعة ولتوظف سديمية اللحظات و الشخوص والمباني والفضاءات وعنفوانية البشر داخل بوثقة الفنون ولغة الألوان.. في جمالية أخاذة ، وتميز متوحد تنصهر في بوثقته كل محصلات التفاعل بين وجود هذه الاشياء المادية التي تراها العين ويلمسها الشعور، وبين ما يتوالد بداخلها من نتائج الأسئلة وبوادر التأمل وملامح الاستمتاع لقرارة النفس والروح، ولتدفع متلقي أعمالها التشكيلية إلى إعمال مختلف المقارنات وشتى التميزات وكل الاختبارات.
كما تنطلق الفنانة التشكيلية المغربية السعدية موقير، في أعمالها الفنية التشكيلية من الاسلوب القائم على الحركة اللونية والدلالية بكل اتجاهاتها المرنة والمتغيرة، لتلامس الافكار، والوجدان وما تستبطنه لوحاتها من روعة تكتنف كل اللمسات التلقائية، وجميع الرؤى العقلية الموجودة بداخلها، وتلك الإرادة الإبداعية الكاشفة للمشاعر والأحاسيس، في طراز فريد لايخلو من روحانية وعبق نفسي ، و اسلوب يترك كل الفرص مفتوحة أمام عملية الخلق .
ولتظل حالة الفنانة التشكيلية المغربية السعدية موقير، حالة معينة من الاندماج مع اي انجاز فني لها يتمتع بالاثارة أثناء التواصل معه ، وبالتفاعل نتيجة ما يشعر به المرء من متعة اكتشاف وارتياح أمام أعمالها التشكيلية. فالسعدية موقير تدرك أن هناك حالة تضاد بين المعنى اللغوي والمعنى البصري، وأن هناك مسافة واسعة بين بنية اللغة وبنية اللوحة التشكيلية ،وأن جوامح الفكرة المرتبطة بمفاهيم اللغة ، تكون عاجزة دائما أمام آنية المشهد التشكيلي .
والحق، أن الفنانة التشكيلية المغربية السعدية موقير من خلال تجربتها ، تؤمن أن الفن التشكيلي يمتلك منطلقات ومفاهيم تختلف عن المفاهيم والمنطلقات الأدبية التي نعرفها في الروايات والقصائد والمقالات الأدبية، والسير والأقاصيص والمقامات ، إذ له أدواته ومصطلحاته، ولمساته وشروطه ، وله ملامحه في كونه تجربة حية وابداعية غير وصفية وغير مبنية على خلفيات معرفية واحدة، أو وحسابات بعيدة تماما عن القيمة الفنية للعمل الفني التشكيلي في ذاته. وترى موقير أن التشكيل من خلال تجربتها هو رصد لكل المعاني، في سياق معايير وأسس طيفية ولونية وتشخيصية ، يسكنها الاعتراف بحقيقة الاشياء، وكنه الإختيارات وأصل الانتقاءات التي تحكم المعطيات الوجدانية والعقلية للفنانة شكلا ومضمونا ، ضمن لوحاتها القابلة للتأويل حسب كل متلقي ، ولكون الفنانة موقير تعرف بكل إقتدار وإحترافية كيف تبتعد عن المظهر الدقيق والوصفي الفوتوغرافي للموجودات، وكيف تنأى عن الوجود الموضوعي للإنسان وللاشياء التي تحيطه، حيث للتعبير في تجربة الفنانة التشكيلية المغربية السعدية موقير،معنى ذو دلالات متنوعة ومتباينة ، تروم سبر أغوار المشاعر الداخلية للمتلقي من جهة، وتؤمن أن هناك وجهة نظر توافق ممكن على صعيد الإبداع التشكيلي بكل آفاقه التلوينية والطيفية، وبكل مكنونات قيمه ودلالاته ، تنطلق من الذات الإنسانية وأنّ الإنسان أكان مبدعاً أم عالماً يعمل بطريقة منهجية تنطوي في إطار التنسيق، التفسير وإعادة الصياغة للعناصر المتخيلة أو المستوحاة من الواقع؛ وأنّ الإبداع باستطاعته أن يجعل من كل هذه المعطيات تشكيلاً جديداً فريداً ومتنوعا، غير مألوف ، ولم تسبق رؤيته.
تلك هي نسقية تجربة الفنانة التشكيلية المغربية السعدية موقير، وعوالم لوحاتها المفعمة بتعددية المفاهيم التشكيلية ومسافاتها اللونية، و محاور أسئلة الوجود، وملامس الحياة ومزاجها وذائقتها الجمالية، ووجدانها الخفي الذي يصوغ حساسية التعاطي مع العالم ويبلور العديد من الأفكار لتشكيل نواة لوحاتها بكل ميزاته الإبداعية.