سدري تشكيلية مغربية ترصُدُ ألوان الإحتجاج وإيقاعات الدلالة
محمــد القـــنــــور :
عدسة : محمـد أيت يــحـي :
الواقع، فإن لوحات التشكيلية فاطمة الزهراء سدري تتدرج من خلال خلفيات مواضيعها بشكل تصاعدي في إتجاه الزمن والمكان اللانهائي، لتعبر عن طموح تشكيلي جريء يهدف بشكل رائق نحو تشخيص كينونة الإنسان في جميع مواقفه وظرفياته ،في إختزال شيق لمختلف الحالات الشعورية التي تعتري الفنانة فاطمة الزهراء سدري ، والتي تترجم مواقفها من الطبيعة ومن الحياة ومن المرأة ، حيث تقدم تجربتها كفن تشريحي للمكان والزمان، و لحركات كينونة نسائية مغربية، تنبد العنف وتترجم الأنوثة ، و تؤكد مدى إلتصاق الفنانة فاطمة الزهراء سدري بعوالمها البصرية والعاطفية ، وهو الإلتصاق الذي يعكسه شفافية الألوان في الأمكنة والأجساد والمسارب والفضاءات ، حيث تظهر معظم نساء التشكيلية فاطمة الزهراء سدري حزينات ومتوجسات، أو واجمات ومرتقبات للذي يأتي أو الذي لا يأتي .
هي لوحات تكتنفها ألوان الإحتجاج وإيقاعات الدلالة ، فكأنها الضياء إذ تتراقص مع الألوان، وكأنها الشخوص تتوحد مع الشكل الهندسي، كأنها الأطياف إذ يغشاها الزمن ممتزجة مع الحركة ، وفي دقة عوالم متماوجة من القيم التعبيرية والدلالات الرمزية، كأنها الطبيعة البشرية والمكانية تتفتق إحساسا وأفكارا، مشاعر وظرفيات تكاد تتحول إلى أصوات وأنغام وكلمات، في تفاعل هارموني منتظم مع كل فضاء اللوحات ، ليثير لدى الملتقي مختلف مشاعر التأمل والدهشة ومفاتن الإعجاب ، تقدم لوحات الفنانة التشكيلية المغربية، فاطمة الزهراء سدري ، لوحات تختزل كل الإنشاءات الأدبية والمقاطع التعبيرية من خلال مكنوناتها المتعددة الجوانب .
هذا، وقد ارتبطت الفنانة التشكيلية فاطمة الزهراء سدري بفضاءات التجريد ذات الأبعاد المتعددة، المتعلقة بالضوء الناصع الممزوج بظل وارف واضح وهو يضع التصميم البنائي لأعمالها ضمن صيغة تركيبات أفقية منفصلة عن بعضها في سياق جمال آخاد من اللون والقيم وتراتبية في الظل الذي يغشي عوالم لوحاتها.
هذا ولا تقتصر مشاهد الفنانة التشكيلية فاطمة الزهراء سدري على الشكل الثابت للأجسام التشكيلية الحقيقية أو الدلالات التجريدية ، بل تتجاوزه إلى رسم شخوص وأجسام وأطياف ضوء تتحرك عبر سياقات تركيبية في فضاء لوحاتها. شخوص، وبحيرات ، حقول وسماوات، أنوار وعتمات إنهم بألوان حية، تتحرك على إيقاعات راقصة، وتراتبيات تلقائية . لتكسر رتابة المشاهد البنائية الثابتة ، وهو مايضع تجربة التشكيلية فاطمة الزهراء سدري في بوثقة الحداثة التشكيلية بكل مقاييسها وشروطها ، وبجميع تطلعاتها البنائية وتقاليدها، والتي تقوم أساسا على إستثمار نسيج المتحرك والثابت بشكل يوحي بقيام هذه كل لوحاتها على أسس المفارقات الجميلة والمعبرة.
إلى ذلك، تأخذ الخطوط والشخوص في لوحات الفنانة التشكيلية فاطمة الزهراء سدري منحى يقترب من يكون تجريديا ، وهو ما يضفي على أعمالها طابع التميز والإستكانة ، خصوصا ، وأن لوحاتها الفنية تتحول بواسطة التأمل من منحى عادي وواقعي، إلى فضاء قابل لكل القراءات والتأويلات ، ويدفع المتلقي إلى الدخول في دوائر نقاش مع مكنونات لوحات الفنانة التشكيلية ، وكأن فاطمة الزهراء سدري ترمي إلى التعبير بالتجريد عن الحقيقة، و بالمجاز عن الواقع ، كأن لفنانة ترسم بالموسيقى، وتحت تأثير الأنغام ، لتعبر لمسافات اللونية ، كحياة أولا وكأوضاع نفسية مختلفة ثانية .
إلى ذلكــ ، تقوم تجربة الفنانة التشكيلية المغربية فاطمة الزهراء سدري على الاحتفاء الكبير بالمرأة خصوصا والإنسان عموما، ولعل إيمانها بأهمية العمل المشترك والعمل ضمن المجموعة و إنضمامها لعالم الكشفية وتكويناتها القيادية في ذلك، قد مكنها من صقل رؤيتها للوجود والموجودات، كما ساعدتها دراستها الحقوقية التي إستلهمتها أثناء إلتحاقها بصفوف كلية الحقوق التابعة لجامعة مولاي إسماعيل بمكناس على ترجمة العديد من الآمال الكبيرة في العيش الكريم والمساواة بين الجنسين، وكشف ما تتعرض له النساء من حيف ومن عنف وإقصاء.ومهد الطريق الإبداعي أمامها على صياغة قسمات وجوه وأجساد وأشكال صورية وطبيعة ميتة ، تتلاقى مع وجدانيات المتلقي ، ومع حدسه الفطري الذي ينساق في محور تأملات لتيمات النصوص المزدانة بروائح التراب المغربي، وبذاك اللون النحاسي الأصفر المتقادم ، والأزرق الباهت والحجري و الصلصالي والأحمر القاني المختلط بالبنفسجي تلوينا لنموذج التشكيل أو تعميرا لفضاء تفصيلي لمجمل ما في لوحات التشكيلية المغربية فاطمة الزهراء سدري .
وأغلب الظن عندي، فإن الأحداث التى مرت بالفن التشكيلي العالمي فى العصر الحديث ، ومن ضمنه الفن التشكيلي المغربي الشبابي إن صح هذا التعبير، قد أدت الى ايجاد أفكار و مفاهيم واتجاهات فنية حديثة مرتبطة بالعلم و التكنولوجيا ،وبعوالم أليات الحاسوب وبرامجه المدمجة، مما هيأ لبروز تنوع هذه الأتجاهات الفنية الحديثة و تعدد مصادرها إلا أنها لم تقتصر على تمثيل العالم المرئى فقط ، و لكنها بحثت عن أفكار و نظريات فنية جديدة تتمشى مع روح العصر و مع ملامح تقدمه، ومن ضمن هذه الاتجاهات الفنية الحديثة الإتجاة الهندسى الذى ظهر منذ بداية القرن العشرين كأتجاه متميز بين المسالك التشكيلية الفنية المختلفة، والذي يبرز جليا في لوحة “حب الملوكـ” للفنانة التشكيلية المغربية فاطمة الزهراء سدري .
والحق، أن الفنانة التشكيلية المغربية فاطمة الزهراء سدري من خلال تجربتها ، تؤمن أن الفن التشكيلي يمتلك منطلقات ومفاهيم تختلف عن المفاهيم والمنطلقات الأدبية الكلاسيكية التقليدية التي نجدها في الروايات والقصائد والمقالات الأدبية، والسير والأقاصيص والمقامات .
ومهما يكن فإن هذا الإتجاه التجريدي الهندسي الذي يكتنف بعض لوحات فاطمة الزهراء سدري يستبعد الصور الظاهرية لأشكال الطبيعة ويعتمد على مفردات تشكيلية تستحضر الطبيعة ولكن عبر خلفيات هندسية تتمثل فى الخطوط و المساحات و تراتبية الألوان.. وتقوم على العلاقات بين علوم الرياضيات وموضوعات التشكيل، وما يصاحبها من إستحداث وحدات زخرفية هندسية مبتكرة ، تتيح الوصول الى صياغات تشكيلية متنوعة بأسلوب جديد من خلال الأدوات التى توفرها البرامج كما يساعد على أنجاز الأعمال الفنية بسرعة وبدقة كبيرة ، حيث تبرز المفردة التشكيلية كعنصر أساسى تقوم عليه اللوحة من خلال خصائص ودلالات ذاتية يستوحيها الفنان ويوظفها فى صياغات متعددة ، ويستخدمها فى التعبير عن أفكارة وأهدافه من خلال رؤية الفنان وأسلوب صياغته لها محققا الأبعاد الوظيفية و الجمالية لتلك الأعمال، والحاجة الملحة للفنان التشكيلي وللفنانة التشكيلية للوصول الى طرق جديدة تساعده على عرض أعماله الفنية بطريقة حديثة مبتكرة .
والواقع كذلكـ ، فإن المتأمل في أعمال فاطمه فاطمة الزهراء سدري ، لايسعه إلا أن ينبهر من عمق ثقافتها الحقوقية وإيمانها بالمناصفة بين الجنسين، وشجبها للعنف المبني عن النوع الذي يطال النساء والفتيات، قبل أن ينعكس برمته على باقي فئات المجتمع .
ولعل معرفة التشكيلية فاطمة الزهراء سدري بالألوان والثقافة الطيفية، ولما تتيحه هذه الألوان الصامتة الحزينة والواخزة والخجولة ، مكنتها من إضفاء مختلف قسمات الحزن اللوني ، وضبط لحظات الصراخ والإحتجاج .