المنصور الذهبي سلطان المغرب الذي أرْعَب الأسِتَانَة العثمانية وأقضَّ مضجع البرتغاليين

محـمـد الـقـنــور :

تميزت أوضاع المغرب في بداية القرن 16 ، بوجود سلطة مركزية ضعيفة، لم تكن قادرة على توحيد البلاد،وعاجزة عن الوقوف في وجه الغزو البرتغالي المتزايد، وفي المقابل تقوى نفوذ الزوايا التي أصبحت تتولى مهمة تأطير حركة الجهاد ضد المحتلين،إلى أن تهيأت الظروف بجنوب المغرب لظهور السعديين كقيادة جديدة للبلاد، وقد تمكن هؤلاء السعديون من تنظيم المقاومة ضد البرتغاليين واستعادة وحدة البلاد،والوقوف في وجه الأطماع الأجنبية ، فقد اتسمت أوضاع المغرب إبان الحكم الو طاسي بالتجزئة والتدهور،اذ لم تتوفر للوطاسيين القوة العسكرية الضرورية لبسط نفوذهم على ومجموع التراب المغربي،وبذاك فشلوا في إعادة وحدة البلاد، إذ لم يتعد نفوذهم المناطق الواقعة شمال آم الربيع، وضمنها أيضا ظلت مناطق متعددة تشكل كيانات مستقلة لاتعترف للحكم الو طاسي إلا بتبعية اسمية فقطن مثل منطقة تطوان التي خضعت لإمارة بني المنظرين ومنطقة شفشاون لأسرة بني راشد، وكلاهما من أصول أندلسية، بالإضافة إلى استمرار حركة تمرد القبائل ضدهم، خصوصا أثناء فترة جباية الضرائب والتي تكلف الوطاسيين جهودا كبيرة.
وعرفت الدولة السعدية أزهى عهودها خلال فترة السلطان أحمد المنصور الذهبي ، حيت اكتملت خلالها تنظيمات الدولة،وتقوى نفوذها واتبع ليشمل جميع مناطق المغرب وأجزاء من إفريقيا الغربية،كما ازدادت هيبتها على الصعيد الدولي بفضل السياسة الخارجية التي نهجها المنصور،الشيء الذي كان له دور كبير في استقرار الوضع الاجتماعية بالمدن والبوادي المغربية،وانفتاح المغرب على تيارات حضارية مختلفة،وانتعاش الحياة الاقتصادية والفكرية انتعاشا كبيرا خلال النصف الثاني من القرن 16.
وقد أدت هذه الأوضاع إلى عزلة الدولة الوطاسية،وزادت الكوارث الطبيعية ون تعميق الاختلال ومعانات السكان.
ومما زاد في ضعف الوطاسيين وافقدهم ثقة السكان والقبائل،عجزهم عن التصدي بفعالية للاحتلال البرتغالي خصوصا بعد أن جدد هؤلاء هجومهم في مطلع القرن 16م،وأقدموا على احتلال عدد آخر من الثغور فاتحين بذالك جبهات متعددة أمام الوطاسيين.
ومهما يكن، فقد أدى ضعف السلطة المركزية الوطاسية إلى انفصال منطقة سوس كغيرها من المناطق منذ أواسط القرن 15،فأدارت القبائل شؤونها مستغلة خيراتها الفلاحية وموارد التجارة الصحراوية التي ظلت منتعشة رغم بداية تحول الطرق التجارية تحو الغرب لفائدة الأوربيين،إلا أن استيلاء البرتغاليين على سواحل الإقليم وإغلاق منافذه البحرية اضعف الموارد التجارية للمنطقة فتضررت الحياة المغربية من هذا الحصار و من هجماتهم،وكذا من بعض الأعمال التي كانوا يمارسونها.
فالتفت قبائل سوس حول فروع الزاوية الشاذلية لإجلاء المحتلين المسيحيين من الثغور تحت راية الجهاد، إلا أن حدود هذه المقاومة أمام الخطر البرتغالي اقنع المجاهدين والزوايا بضرورة إقامة كيان يستقطب القبائل ويوفر الموارد وينظم المقاومة،واستقر الرأي على ترشيح إحدى الأسر الأكثر حظوة لدى السكان ،وهم الاشراف السعديين، الذين استقطبوا التأييد ينتسبون لآل البيت النبوي،فقد استقروا أول الأمر بدرعة منذ القرن 14م القرن الثامن الهجري ومنها نزحوا شمالا في القرن 15 م،وذالك نحو تيدسي جنوب غرب تارودانت، وكانت من مراكز طريق التجارة الصحراوية، تحدث عنها الحسن الوزان في كتابه “وصف إفريقيا” الذي كتبه لبابا الفاتيكان، بعدما إعتنق الوزان المسيحية، وتسمى بليون الإفريقي.

وفي “تيدسي” استطاع السعديون اكتساب حظوة لدى المغاربة من السكان ومن طلاب العلم وعابري السبيل وتجار القوافل بسبب وطنيتهم وعدلهم ونسبهم الشريف ومساهمتهم في رد إعتداءات البرتغاليين على السواحل المغربية.
فقد بدأت الحركة السعدية مع زعيم دعوتها محمد القائم بأمر الله بمساعدة ابنيه، احمد الأعرج ومحمد الشيخ،فعمل على تامين شروط التنظيم وإستراتيجية الجهاد وفي مقدمتها الموارد المالية والأسلحة، فاستخلص الزكاة والأعشار من القبائل والبطون، وعين الدُّعاة، ووضع أسس التخابرفيما بينهم وبينه، وسعى إلى الحصول على الأسلحة والعتاد من الأوربيين المناوئين للبرتغال كأنجلترا، وبعض ممالك مدن إيطاليا كالبندقية “فينيسيا” وجنوة مقابل تمكين بعضهم من الإستفادة من منتوج السكر الذي كان يصنع في مراكش وشيشاوة، وهو ما مكنه من تركيز سلطته وتوسيع نفوذه.

وشكلت سنة 1511م بداية المواجهة العسكرية مع البرتغاليين في الجنوب، فبعدما استقطبت الدعوة السعدية منذ البداية سكان المناطق الجنوبية المتضررة من تافيلالت إلى سوس مرورا عبر درعة ووادي الذهب والساقية الحمراء،أصبحت تتطلع إلى فك الحصار المفروض على التجارة الصحراوية مما جعلها في مواجهة البرتغاليين،لذالك استهدفت الحملات السعدية الأولى ضدهم عزل الثغور المحتلة جنوبا تمهيدا لتحريرها.
فنظم محمد القائم هجومات على مناطق حاحا والشياضمة، ثم نقل السعديون حملاتهم نحو الشمال حول ازمور ومازاغان لإنهاك المحتلين،لاسيما بعد استرجاع أكادير التي سماها البرتغاليين سانتاكروز سنة 1546 م، وهو ما كان له الاثر البالغ على زعزعة الوجود البرتغالي.
وقد اظهر السعديون في الفترة مابين 1511 م-1525 م دهاءا سياسيا بالحفاظ على ولائهم للوطاسيين،إلى أن وطدوا نفوذهم في الجنوب المغربي، ووضعوا أسس الدولة الجديدة واسترجعوا الطرق التجارية الشرقية، وضبطوا طرق القوافل إلى مالي وحوض النيجر، ثم شرعوا في مواجهة الوطاسيين مابين 1525 م-1536 م فدخلوا مراكش سنة 1521 م،حيث شن الوطاسيون الحرب ضد السعديين في معركة أنماري سنة 1529 م،ثم في معركة مشرع بوعقبة على ضفاف وادي العبيد سنة 1536 م، فانهزم الوطاسيون وثم عقد صلح بوعقبة على وادي العبيد سنة 1536 م،وهو الصلح الذي اعترف خلاله الوطاسيون بالسعديين كقوة ثانية بالبلاد يمتد نفوذها من جنوب أم الربيع إلى تخوم إفريقيا .
وقد حاول الوطاسيون استرجاع مراكش سنة 1538 م، غير أن محاولاتهم باءت بالفشل، ، فتراجعوا عن تادلة وتافيلالت ،وبعد أن تمكن محمد الشيخ السعدي من تنحية أخيه احمد الأعرج، واصل السعديون ضغطهم على المناطق الشمالية إلى أن تمكنوا من ضم مكناس وفاس سنة 1549 م،ثم باقي المدن والشواطئ وبذاك وحدوا كل البلاد تحت سلطتهم.
ولتوطيد دعائم الدولة السعدية وحماية البلاد واجه السلطان محمد الشيخ ثم ابنه السلطان عبد الله الغالب أطماع العثمانيين لمد سيطرتهم إلى المغرب، بعد أن تمكنوا من فرض سلطانهم على الشمال الإفريقي، فإسترجع السلطان محمد الشيخ مدينة فاس بعد أن دخلها أبو حسون الوطاسي بدعم من الأتراك العثمانيين ، عقب استنجاده بهم ضد السعديين، وبذالك وقع السلطان المغربي محمد الشيخ شهادة وفاة أطماع العثمانيين في المغرب، بعد قضائه على أبي حسون السملالي سنة 1555 م.

في ذات السياق، لم تتوقف أطماع البرتغاليين في المغرب رغم تحرير السعديين للثغور، فقد ظلوا ينتظرون الظرف الملائم للوثوب عليه،وهذا سيظهر جليا اثر أزمة العرش كانت قد انطلقت بعد وفاة السلطان عبد الله الغالب،حيث تمكن السلطان عبد الملك السعدي من الانتصار على ابن أخيه المتمرد الأمير محمد المتوكل سنة 1576م،مما دفع بهذا الأخير ، إلى اللجوء إلى البرتغاليين لطلب مساعدتهم مقابل إعادة بعض المدن الشاطئية المغربية لهم . وكان على عرش البرتغال آنذاك الملك دون سباستيان1557 – 1578وكان مسيحيا كاثوليكيا متشددا،ومتحمسا لتحقيق حلم البرتغاليين بالتوسع بالمغرب بهدف تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية وإستراتيجية.
ومن ثم استغل الملكـ البرتغالي سباستيان الفرصة وقاد قوة عسكرية كبيرة سرعان ما إنضم إليها مسيحيون متطوعين من مختلف مناطق أوروبا، ممن كانت لاتزال بهم باقية من بقايا الحروب الصليبية، فعزموا على غزو المغرب رفقة الأمير المتوكل المغربي الذي سجله التاريخ ضمن الخونة المغاربة التاريخيين .
فلما علم السعديون بنبأ الغزو قاموا بالاستعداد لهذه المواجهة بتعبئة طاقات هامة من الجند ومتنوعة من فرسان القبائل، مجاهدي البحار ،فقد استثمر السعديون الحماس الوطني الذي أثاره الغزو البرتغالي ، فجندوا أعدادا هائلة من المغاربة ، كما وفروا الأسلحة المتطورة خصوصا النارية من المدافع التي اهتموا بها منذ انطلاق حركتهم عن طريق الاستيراد وحتى عن طريق الصنع المحلي، إذ توفر السعديون على مصانع للأسلحة والذخيرة في كل من تارودانت ومراكش وفاس، تستغل معادن النحاس والحديد وملح البارود، كما زاد من فعالية القوة السعدية عملية التخطيط للمعركة واختيار موقعها وتوقيتها، حيت تم استدراج جيوش العدو قرب وادي المخازن في 4 غشت 1578م .
وهكذا التقى الجيشان في المعركة التي سميت باسم موقعها، وقد حقق الجيش المغربي السعدي خلال المواجهة انتصارا واضحا أعطاها أبعادا تاريخية عميقة، فقد أدى الانتصار من جهة إلى انهيار القوة العسكرية والمعنوية للبرتغال والدول الحليفة الأوروبية، وكشف للعثمانيين قوة المغرب ، وعززت مكانته الدولية .


وكان من حسنات معركة وادي المخازن” أن حسمت في مسالة الحكم والصراع حول السلطة داخل جهاز المخزن السعدي، وزادت من هيبة الدولة السعدية بين القبائل والزوايا بالمغرب، مما أتاح للسعديين الاهتمام بتوسيع نفوذهم وبناء قوتهم بعد وادي المخازن، كما مكن هذا الانتصار خزينة الدولة من مكاسب مادية مهمة انعكست ايجابيا على المجال الاقتصادي والإجتماعي والعسكري والعمراني سواء في مراكش العاصمة أو في غيرها من مدن المغرب، وهكذا تمكن السعديون من ضمان توحيد المغرب ورد الأطماع، فدخلت البلاد في عهد احمد المنصور مرحلة من القوة والاستقرار والبناء والتجديد.

وطبيعيُّ،  فإن السلطان احمد المنصور، بن أبي عبد الله الشيخ محمد المهدي كان قد ولد بفاس سنة 956 هـ من ام تدعى مسعودة وتكنى بالحرة، وتسمى تلطيفا وتحببا بالعودة السعدية وكان من أساتذته في النحو واللغة ابو العباس احمد بن قاسم الأندلسي ومحمد الحارثي،كما اخذ الفقه عن أساتذة أمثال أبي عمران السوسي وغيره،وكان يجمع بين علوم كثيرة.
ولقد إشتهر السلطان أحمد المنصور الذهبي بحزمه وتتبعه لأخبار رعيته،وإطلاعه على مستجدات العالم المسيحي، وأسس مجلسا للشورى كان يجتمع يوم الأربعاء وكان يسميه يوم الديوان،وهو أول من استعمل المنصورية في لباسه،وكان مولعا بالعمران على غرار والدته العودة ،وكان شديد الحنو على أولاده، شعبه، وقد اتخذ الاحتفال بعيد المولد كعيد رسمي للمغاربة ،وكانت له علاقات طيبة مع عدة دول أبرزها أنجلترا وهولندة ،كما كان إداريا ممتازا لا يقبل تهاونا، خاصة على مستوى التنظيمات الداخلية للدولة، فقد كانت الإدارة المركزية للدولة السعدية مكونة من عدد من العناصر السياسية والإدارية والعسكرية والمالية ومن أبرزها السلطان الذي كان يحتل الصدارة في جهاز الحكم،بحيث كان يعد أعلى سلطة في هذا الجهاز،وقد حمل المنصور لقب الخليفة كغيره من الملوك السعديين تأييدا لأحقيتهم بخلافة المسلمين بذل العثمانيين الأتراكـ ،بحكم أصلهم النبوي الشريف، ثم الحاجب المكلف بتنظيم العلاقات بين السلطان وباقي كبار الدولة، ثم منصب الوزير يشرف على تنفيذ السياسة العامة للبلاد، وجذورهم العربية المغربية فكان من مظاهر ملكـ المنصور كاتب السر وهو الكاتب الخاص للخليفة.والمسؤول عن ضبط مراسلات السلطان المنصور الداخلية والخارجية،يساعده مجموعة من الكتاب، ثم صاحب خزائن الدار وهو بمثابة وزير المالية حاليا.إذ يتكلف بالسهر على ضبط مداخيل الدولة وصرفها.

والملاحظ أن موارد الدولة المغربية في عهد السعديين اتسعت بشكل كبير في عهد المنصور،حيث شملت إلى جانب غنائم الحرب،الجبايات وكانت تتكون من الزكاة وضريبة الخراج وكانت تمس على الخصوص قبائل السهول المغربية التي اعتبرت مفتوحة بالقوة،وضريبة الجزية على اليهود،والأجانب المقيمين بالمغرب من الصناع والتجار ومختلف الملازم المفروضة على أصحاب الأنشطة الإقتصادية  وأصحاب الحرف والصنائع الفكرية والفنية والحرفية ،كما شملت المداخيل عائدات استغلال الدولة لعدد من المناجم،فضلا عن احتكارها لصناعة السكر ومداخيل الجمارك.
وكان للسلطان المنصور الذهبي أصحاب المشورة وهم الهيئة الاستشارية التي يلجا إليها المنصور في حالة عزمه على اتخاذ بعض القرارات، ومكونة من شخصيات عدة كقواد الجيش والفقهاء وزعماء بعض القبائل، فكان صاحب المظالم “وزير العدل” في دولة المنصور مكلفا بتلقي الشكايات ورفعها مباشرة إلى المنصور للبث فيها.


ومنذ ذاكـ الزمن ، فقد قام المنصور بتوزيع البلاد إلى اثنتي عشرة إقليم،واسند إدارتها لعناصر تحظى بثقته،حيث عين على رأس كل منها عاملا بمثابة نائب عنه في الإقليم وكان يتمتع بصلاحيات واسعة،وقد أناب المنصور عنه بعض أبنائه في أقاليم خاصة كمراكش وفاس ومكناس وسوس،و الساقية الحمراء ووادي الذهب، كما عمل السلطان أحمد المنصور بعد استقرار أوضاع المغرب الداخلية و الخارجية على ضم أقاليم السودان و تشكيل إمبراطورية إسلامية في غرب القارة لمواجهة الأطماع الأجنبية في ظل أوضاع السودان السيئة و انقسامها و بتزايد الخطر الإيبيري عبر المراكز الساحلية في غرب القارة، و اتجه الملك المنصور إلى الاستيلاء على المراكز الصحراوية المتجهة إلى السودان، و حاول إقناع الملك سونجاي الدخول في طاعته ، فلما رفض ذلكـ أرسل له حملتين عسكريتين 1591 فقضوا على مملكته ليتم ضم أقاليمها للمغرب و جعلها تابعة للإدارة المركزية السعدية بمراكش ،بعدما عين لها واليا لتسيير أمور الإقليم ، ثم قسم المنصور الذهبي الأقاليم بدورها إلى قيادات يرأسها قائد أو باشا يدير شؤونها العامة ويقوم بالبث في القضايا المدنية والخصومات،ويساعده صاحب الشرطة المكلف بالحفاظ على الأمن،والقاضي الذي يتكلف بالنظر في القضايا الشرعية،إضافة إلى شيوخ القبائل الذين عهد إليهم بمهمة تامين سلامة الطرق .
وقام السلطان أحمد المنصور الذهبي بتقوية الجيش وتطويره باعتباره الأداة الفعالة في ضبط الأمن والدفاع عن حوزة البلاد، فأسس جيشا قويا مكونا من جيش نظامي وآخر من المتطوعين .

فبالنسبة للجيش النظامي تكون من الأتراك والأعلاج “النصارى” والأندلسيين ومن انضاف إليهم من المتطوعين أهل سوس ومراكش،والحسانيين وقسم إلى فرق جعل لكل منها لباس خاص،وجعل على رأسها قائدا وضباطا مرتبين ترتيبا عسكريا مستمدا من العثمانيين، وكان يخضع بانتظام لتدريبات خاصة،كما ثم تجهيزه بالأسلحة النارية مثل المدافع والبنادق الى جانب الأسلحة التقليدية،كما شرع المنصور في تقوية الأسطول البحري.فبالنسبة لجيش المتطوعين، عرف بجيش عرب الدولة،وهو مكون من القبائل ،وكانت تمد المنصور بقوات من الفرسان والمشاة مقابل تمتعها ببعض الامتيازات مثل إعفائهم من الضرائب وإقطاعهم بعض الأراضي.
وقد كان لهذا التنظيم الإداري والعسكري دور مهم في إحكام سيطرة الدولة السعدية على جميع مناطق المغرب وإقرار الأمن داخليا بها ، وساعد المنصور بالتالي على التفرغ لتعزيز مكانة المغرب على الصعيد الخارجي.

وقد عرف المغرب انفتاحا مهما في عهد المنصور الذهبي  على الخارج خلال القرن 16 الميلادي عبر توافد عناصر بشرية انصهرت تدريجيا داخل مجتمعه، منهم الأندلسيون و أعداد من الأتراك العثمانيون اللاجئين والفارين من بطش سلاطين بني عثمان و أعداد كبيرة من السودانيين للخدمة و عناصر أوربية قدمت للتجارة فإستقرت في مملكة المغرب،إضافة إلى أعداد كبيرة من الأسرى، ليتلقى المجتمع المغربي مؤثرات حضارية انضافت الى حضارته العربية الأمازيغية الإسلامية ،ومست التأثيرات الحضارية التي تلقاها المجتمع المغربي في هذا القرن مجالات مختلفة من الحياة اليومية للسكان من لباس ومعمار و عادات و موسيقى و لغة.
كما عرفت الحياة الفكرية في المغرب انتعاشا كبيرا فقد تعددت المراكز العلمية و تزايد عدد المؤلفات في مختلف المجالات العلمية والفكرية والفقهية والأدبية .
وعلى كل حال ، فقد استعادت الحياة الفكرية نشاطها تدريجيا في المغرب منذ أواسط القرن 16 بعد خمول طويل، بسبب الاستقرار التدريجي لأوضاع البلاد، وأيضا تفتح المغرب على الخارج و توافد إعداد من المفكرين من الأندلس و السودان و من المغربين الأوسط و الأدنى ،مما أغنى الحركة الفكرية بما حملوه من فنون ومعارف.
كما كان النشاط الفكري خلال العهد السعدي بمثابة استمرار للحركة الفكرية السائدة سابقا، بحيث شمل عدة علوم منها العلوم الشرعية أو النقلية و العلوم العقلية إضافة لتعريب عدة كتب من اللاتينية واللغات الأخرى .
إلى ذلكــ ، نشطت حركة العمران في الجنوب وطوال بداية انتشار حكم السعديين ، فأعادوا بناء و توسيع و تجديد عدة أماكن ومدن في الجنوب وفي الشمال، فأنشئوا القلاع والحصون، ووسعوا الطرقات ومدوا القناطر والأبراج، وشيدوا المدارس والتكنات والمستشفيات والجوامع، وهيئوا المصانع والفنادق التي كانت تعج بالحرفيين،  فكان قصر المنصور “البديع” في حد ذاته تحفة التحف العالمية في مراكش ، ومضرب للمثل في الأبهة والجمال شرقا وغربا.
فقد ساعد السعديون على استمرار الفن المعماري المغربي الأندلسي عبر الفن المعماري السعدي بحيث حافظوا على مواد البناء بها و ادخلوا تحسينات عليها مع الحفاظ على نفس أسلوب الزخرفة المغربي المنطلق من النمط المريني وعلى أسس الهندسة المغربية داخل الفنادق والرياضات والجوامع والقلاع والقيساريات والأحياء والدروب والمنازل والدويريات، والأزقة والأبواب والسقايات والقناطر والأبراج والسواقي والخطارات والعراصي والمنتزهات والمستشفيات والمدارس .

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.