الكعبة المشرفة تتزين بكسوتها الجديدة في يوم عرفة

مـحـمـد الـقـنــور  :

 

تزينت الكعبة المشرفة، بالحرم المكي الشريف بحلتها الجديدة صبيحة اليوم الخميس 31 غشت الحالي، وذلكـ في سياق عملية استبدال كسوة جديدة بالكسوة السابقة،كطقس روحي وتاريخي جرت به العادة  سنويا، من خلال الإحتفاء به في كل يوم تاسعٍ من ذي الحجة ، حيث قام منتسبو الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي ومصنع كسوة الكعبة بإنزال ثوب الكعبة القديم واستبداله بثوب جديد صنع من الحرير الخالص.

ويصنع ثوب الكعبة المشرفة من الحرير الطبيعي الخاص الذي تم صبغه باللون الأسود ويبلغ ارتفاعه 14 مترا ويوجد في الثلث الأعلى منه الحزام وعرضه 95 سنتمترا وبطول 47 مترا ومكون من 16 قطعة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية، كما تزين  آيات قرآنية تحت الحزام مكتوب كل منها داخل إطار منفصل ويوجد في الفواصل التي بينها شكل قنديل كتب عليه (يا حي يا قيوم) و(يا رحمان يا رحيم) و(الحمد الله رب العالمين).

وتشتمل الكسوة على ستارة باب الكعبة ويطلق عليها البرقع، وهي مصنوعة من الحرير بارتفاع ستة أمتار ونصف وبعرض ثلاثة أمتار ونصف مكتوب عليها آيات قرآنية ومزخرفة بزخارف إسلامية مطرزة تطريزا بارزا مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب.

كما تتكون الكسوة من خمس قطع تغطى كل قطعة وجها من أوجه الكعبة المشرفة والقطعة الخامسة هي الستارة التي توضع على باب الكعبة ويتم توصيل هذه القطع مع بعضها البعض في خياطة وتطريز ظل يسترعي الإعجاب على مر التاريخ .

هذا، وتتم عملية تطريز كسوة الكعبة المشرفة بخيوط  الحرير في مصنع في مدينة مكة المكرمة الآن، وإن كانت في السابق تتم في “حي الخرنفش” بالقاهرة حيث كانت تصنع كسوة الكعبة وتنقل للسعودية في احتفال بهيج ورسمي تطبعه أجواء دينية، وذلكــ حتى عام 1962، حيث كان يرفع من القاهرة إلى مكة بعربة ملكية، قبل أداء مناسك الحج التي تتزامن مع عيد الأضحى.

إذ كان الإحتفال بالإنتهاء من كسوة الكعبة المشرفة، يتم في حي بولاق بالقاهرة يستمر طوال أيام عيد الأضحى قبل أن يُنقل من مصر إلى بلاد الحجاز، وتقع دار الخرنفش عند التقاء شارع بين السورين وميدان باب الشعرية في القاهرة، وما زالت هذه الدار لصناعة كسوة الكعبة قائمة حتى الآن وتحتفظ بآخر كسوة صنعت للكعبة داخلها، إذ استمر العمل في دار الخرنفش حتى عام 1962م قبل أن يتوقف إرسالها نهائيًا من مصر، ليتحول تصنيعها حاليًا في السعودية بحرير مستورد من إيطاليا وذهب وفضة مستوردة من ألمانيا.

ونشرت الصفحة الرسمية على الفايس بوكــ للملك فاروق، وهي صفحة يديرها نشطاء ومحبين للتاريخ والتراث تتضمن كل ما هو قديم من حرف وطقوس ومراسيم في مصر، ومن ضمنها تاريخ صناعة كسوة الكعبة المشرفة في مصر.

وجاء في منشور بثته الصفحة عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوكــ”، تاريخ صناعة كسوة الكعبة في الدولة الفاطمية وقبلها الدولة العباسية ثم في عصر السلاطين المماليك.

ففي عهد الدولة الفاطمية، نالت مصر شرف صناعة كسوة الكعبة مع بداية الدولة الفاطمية حيث اهتم الحكام الفاطميين بإرسال كسوة الكعبة كل عام من مصر، وكانت الكسوة في ذلك الوقت بيضاء اللون.

وفي عهد الدولة المملوكية، على أيام السلطان الظاهر بيبرس ، ظلت الكسوة ترسل من مصر  حيث كان المماليك يرون أن هذا شرف لا يجب أن ينازعهم فيه أحد حتى ولو وصل الأمر إلى الحرب .

وعندما أراد ملك اليمن الشهير “المجاهد” في عام 1350 ميلادية الموافق لسنة 751هـ أن ينزع كسوة الكعبة المصرية ليكسوها بكسوة من اليمن، وعلم بذلك أمير مكة أخبر المماليكـ المصريين فمنعوا ذلك، كما كانت محاولات لنيل شرف كسوة الكعبة من قبل الدولة الصفوية بإيران  ولكن سلاطين المماليك لم يسمحوا لأي أحد أن ينازعهم في هذا الشرف.

وللمحافظة على هذا الشرف أوقف الملك الصالح إسماعيل بن عبد الملك الناصر محمد بن قلاوون ملك مصر في نفس السنة المعنية وقفًا خاصًا لكسوة الكعبة الخارجية السوداء مرة كل سنة، وكان هذا الوقف كان عبارة عن قريتين من قرى القليوبية هما بيسوس وأبو الغيث، وكان يتحصل من هذا الوقف على 8900 درهم سنويًا، وظل هذا هو النظام القائم إلى عهد السلطان العثماني سليمان القانوني.

وفي عهد الدولة العثمانية استمرت مصر في نيل شرف كسوة الكعبة بعد سقوط دولة المماليك وخضوعها للدولة العثمانية، واهتم السلطان سليم الثاني بتصنيع كسوة الكعبة وزركشتها وكذلك كسوة الحجرة النبوية، وكسوة مقام إبراهيم الخليل.

وفي عهد السلطان سليمان القانوني أضاف إلى الوقف المخصص لكسوة الكعبة سبع قرى أخرى لتصبح عدد القرى الموقوفة لكسوة الكعبة تسعة قرى وظلت كسوة الكعبة ترسل بانتظام من مصر بصورة سنوية يحملها أمير الحج معه في قافلة الحج المصري.

وفي العصر الحديث ، وخلال عهد محمد علي باشا توقفت مصر عن إرسال الكسوة بعد الصدام الذي حدث بين أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الأراضي الحجازية وقافلة الحج المصرية في عام 1222هـ الموافق عام 1807م، ولكن أعادت مصر إرسال الكسوة في العام 1228هـ. الموافق لسنة 1813 م.

وفي العصر الحديث، تأسست دار لصناعة كسوة الكعبة بحي الخرنفش في القاهرة سنة  1233هـ،الموافقة لسنة 1818 م  واستمر العمل في دار الخرنفش حتى عام 1962م، إذ توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة لما تولت المملكة العربية السعودية شرف صناعتها.

والحق، أن  المملكة العربية السعودية اختصت بصناعة كسوة الكعبة المشرفة إلى يومنا هذا، حيث بعد عرقلة إرسال الكسوة من مصر، أمر الملك عبد العزيز آل سعود بعمل كسوة للكعبة المشرفة، بغاية السرعة.

حيث تم عمل كسوة من الجوخ الأسود الفاخر مبطنة بالقلع القوي، ولم يأت اليوم الموعود لكسوة الكعبة المشرفة، وهو يوم النحر العاشر من ذي الحجة من عام 1345هـ، إلا والكعبة المعظمة قد ألبست تلك الكسوة التي تم تصنيعها في بضعة أيام.

وفي مستهل سنة 1927 ميلادية ، وفي شهر محرم من السنة الهجرية 1346هـ، أصدر الملك عبد العزيز، أوامره بإنشاء دار خاصة بصناعة الكسوة، وأنشئت تلك الدار بحي أجياد أمام دار وزارة المالية العمومية بمكة المكرمة، تمت عمارتها في نحو الستة أشهر الأولى من عام 1346هـ، فكانت هذه الدار أول مؤسسة خصصت لحياكة كسوة الكعبة المشرفة بالحجاز منذ كسيت الكعبة في العصر الجاهلي إلى العصر الحالي.

وأثناء سير العمل في بناء الدار كانت الحكومة السعودية تقوم من جانب آخر، ببذل الجهود لتوفير الإمكانيات اللازمة للبدء في وضع الكسوة والتي تتألف من المواد الخام اللازمة لمصنع الكسوة من حرير ومواد الصباغة، ومن الأنوال التي ينسج عليها القماش اللازم لصنع الكسوة، وقبل كل ذلك.

وعلى الرغم من أن هذه العناصر الأساسية التي يجب توفرها لمصنع الكسوة، لم يكن أي منها متوفرًا لدى المملكة حين ذلك، فقد بذلت الحكومة السعودية جهودًا كبيرة في سبيل توفيرها في الوقت المناسب وقد تحقق لها ذلك، حيث تم بناء المصنع الجديد من طابق واحد في ستة أشهر.

وفي أول رجب من نفس العام 1346هـ، وصل من الهند إلى مكة المكرمة اثنا عشر نولًا يدويًا، وأصناف الحرير المطلوبة ومواد الصباغة اللازمة بذلك والعمال والفنيون اللازمون وكان عددهم ستين عاملًا، أربعون منهم من المعلمين الذين يجيدون فن التطريز على الأقمشة، وعشرون من العمال المساعدين.

وعند حضورهم إلى مكة المكرمة نصبت الأنوال ووزعت الأعمال وسار العمل على قدم وساق في صنع الكسوة وتطريزها، حتى تمكنوا من إنجازها في نهاية شهر ذي القعدة عام 1346هـ.

ومهما يكن، فقد إتفق المؤرخون على أن هذه الكسوة صُنعت على غرار الكسوة المصرية، فكانت على أحسن صورة من حسن الحياكة وإتقان الصنع وإبداع التطريز، يزينها الحرير الأسود الذي نقشت عليه “لا إله إلا الله محمد رسول الله” على شكل رقم (8) وفي أسفل التجويف “يا الله” وفي الضلع الأيمن من أعلى الرقم (8) “جل جلاله” وكذلك في أعلى الضلع الأيسر “جل جلاله”، أما الحزام فكان عرضه مثل عرض الحزام الذي كان يعمل في مصر، مطرزًا بالقصب الفضي المموه بالذهب.

كما طرزت تلكـ الكتابات على الحزام لنفس  الآيات القرآنية التي كانت تكتب على حزام الكسوة المصرية في جميع جهاتها باستثناء الجهة الشمالية المقابلة لحجر إسماعيل عليه السلام، حيث كتب على الحزام من تلك الجهة، العبارة التالية “هذه الكسوة صنعت في مكة المباركة المعظمة بأمر خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ملك المملكة العربية السعودية”.

وأما البرقع والذي يشكل ستارة باب الكعبة المشرفة، فقد صنع ا على منوال البرقع المصري وكتبت عليه نفس الآيات القرآنية والعبارات التي كانت تكتب على برقع الكسوة المصرية، باستثناء المستطيلات الأربعة التي تتوسط البرقع والتي كان يكتب عليها عبارة الإهداء في الكسوة المصرية، حيث استبدل بها قوله تعالى: “وقل جاء الحق وزهق البطل إن البطل كان زهوقًا ، وأية أخرى” وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا” وكلاهما أيتان من سورة الإسراء 81و82، كما  أضيفت في ذيل البرقع دائرتان صغيرتان مكتوب في داخلهما عبارة “صنع بمكة المكرمة سنة”.

وقد كسيت الكعبة المشرفة في ذلك العام 1346هـ، الموافق لسنة 1927 بهذه الكسوة التي تعتبر أول كسوة للكعبة تصنع في مكة المكرمة، وظلت دار الكسوة بأجياد تقوم بصناعة الكسوة الشريفة منذ تشغيلها في عام 1346هـ، واستمرت في صناعتها حتى عام 1358هـ.

ثم أغلقت الدار، وعادت مصر بعد الاتفاق مع الحكومة السعودية إلى فتح أبواب صناعة الكسوة بالقاهرة سنة 1359هـ، الموافق لسنة 1928 وأخذت ترسل الكسوة إلى مكة المكرمة سنويًا حتى توقفت عن ذلكــ عام1962 م الموافقة لسنة  1381هـ.

والواقع، فإنه كان للاختلاف في وجهات النظر السياسية بين مصر الناصرية والدولة السعودية، توقفت مصر عن إرسال الكسوة الشريفة منذ ذلك التاريخ، عقب مجيء حكم عبد الناصر، وقامت الدولة السعودية بإعادة فتح وتشغيل مبنى تابع لوزارة المالية بحي جرول، يقع أمام وزارة الحج والأوقاف سابقًا، والذي أسندت إليه إدارة المصنع، ولم يكن لديها وقت لبناء مصنع حديث.

وقد ظل هذا المصنع يقوم بصنع الكسوة الشريفة إلى سنة 1957 الموافق لعام 1397هـ، حيث نقل العمل في الكسوة إلى المصنع الجديد، الذي تم بناؤه في أم الجود بمكة المكرمة، وحيث لازالت الكسوة الشريفة تصنع به إلى يومنا هذا.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.