العيد الكبير في مراكش

تنوع الأسواق،وتعدد العادات، وإحتفالية التقاليد

رحلة في تراتبية الفرحة بعيد الأضحى في مراكش

محمــــد القـــنــــور :
عدسة : محمد أيت يحي :

 

يشكل صباح عيد الأضحى بمختلف مدن وقرى جهة مراكش آسفي،على غرار باقي جهات المملكة، صباحا للبهجة السعادة، ومحطة إستجمامية للروح والجسد دون منازع، تنأى بالمواطنين والمواطنات من مختلف الأعمار والفئات عن مشاغل الحياة ، ومعاناة الضنى اليومي ومتطلبات ضروريات الحياة نحو عالم من الألفة وفضاءات تواصلية من التحيات والمباركات ، وإحياء صلة الرحم والتزاور بين الأهل والأقارب والأصدقاء.
تلك ، هي نفحات يوم عيد الأضحى، تراتبية زمنية طيلة اليوم، تختزل أبهى اللحظات و اسعد الأوقات خلال يوم عيد الأضحى، وعبر الأيام الأولى التي تلي يوم العيد في طقوس متنوعة إعداد ولائم الطعام في جو من الحرص على الموروث الثقافي ووسط صخب الأطفال ومرحهم .

 

طقوس وإستعدادات

فمع اقتراب عيد الاضحى، تسعى الأسر بمدينة مراكش، على غرار باقي مدن وقرى المملكة، لتوفير كل المستلزمات التي تتطلبها هذه المناسبة الدينية البهيجة، بدءا من شراء أضحية العيد إلى إقتناء لوازمه من مشاوي وسفافيد وسكاكين وأواني وتوابل وأكياس تعبئة وغيرها.
وفي إطار الأجواء الاحتفالية للمناسبة، تحرص النساء بالخصوص على توفير الكميات الكافية من البصل والزعتر ومختلف النباتات العطرية والثوم والملح ومختلف النكهات من زنجبيل وقعقلة وكمون و إبزار و”خرقوم” و”زعفران” و”جوز هندي” وغيرها من التوابل، فضلا عن إعداد أنواع الحلويات التي تقدم للأقارب والجيران الذين يزورون الأسرة لمباركة العيد.
ورغم توفر التوابل بكثرة في الأسواق بالمدينة الحمراء، في “الرحبة القديمة” و”عرصة المعاش” و”فحل الزفريتي” وأسواق “باب الفتوح” و”الحي المحمدي” و”المركبات التجارية بأحياء المسيرة ، فإن عددا من الأسر المراكشية تبقى حريصة كل الحرص على احترام بعض العادات والتقاليد الخاصة بهذا العيد، آخذة وقتها الكافي لتنقية التوابل والعمل على هرسها ودقها سواء بالمهراز الخشبي أو النحاسي ، أو بالطواحين الكهربائية ووضعها في أحقاق خاصة، حماية لنكهتها وحفظا لمذاقها.
كما يحرص الأقارب على التنقل إلى بيت العائلة للمساهمة في التحضيرات الخاصة بالعيد ولقضاء أوقات ممتعة بين كافة مكونات الأسرة الكبيرة، وسط أجواء من الحميمية والحماس مع استحضار بعض التقاليد والعادات القديمة التي بدأت تتلاشى بفعل التطورات التي عرفها عموما نمط عيش المراكشيين.
وتساهم المحافظة على هذه التقاليد والعادات الخاصة بهذه المناسبة العظيمة، في تقوية الروابط بين أفراد العائلة الواحدة، فضلا عن تبادل الزيارات والأواني والمأكولات بين الجيران تعبيرا عن التضامن القائم بين جميع سكان الحي.
وإذا كانت الأسر، خاصة النساء داخل بيوتهن، منشغلات بإعداد متطلبات العيد، فإن شوارع المدينة الحمراء وأزقتها من حي القصبة إلى حارة السورة، ومن روض الزيتون إلى قشيش، من باب أيلان وباب دكالة إلى باب أحمر وباب الخميس، ومن أحياء جليز إلى أحياء المسيرة وتجزئات أمرشيش والبديع وإسيل تتحول بالمناسبة، إلى سوق كبير، تنتعش فيه عدة مهن موسمية، توفر حاجيات المواطنين المرتبطة باقتناء المعدات ومتطلبات العيد. ويستغل عدد من الشبان فرصة عيد الأضحى لتحقيق مدخول مادي، من خلال بيع مختلف أعلاف الأغنام، فضلا عن بضائع أخرى كالفحم والملح والبصل والأواني الخزفية والسكاكين بمختلف الأحجام، والمعدات الخاصة بالشواء.

وككل سنة، يثار الجدل حول هذه المهن غير المهيكلة والتي تغزو شوارع المدينة مسيئة في الغالب لجماليتها ونظافتها وسمعتها كوجهة سياحية عالمية، مخلفة بشكل يومي أحجاما غير مألوفة من النفايات المتناثرة هنا وهناك، وهو ما دفع بالعديد من جمعيات حماية البيئة وحماية المستهلك إلى مطالبة المجلس الجماعي بإقرار برنامج يتعهد فيه الشباب المتعاطين لشواء رؤوس الأضاحي بجمع نفايات الحريق المترتب عن ممارساتهم لمهنتهم اليومية ، حالما ينتهون من أفرنتهم المكشوفة بالشوارع وعلى الأرصفة، تفاديا لما لا يحمد عقباه من حرائق وحوادث تستهدف الراجلين ، خصوصا من الأطفال والراكبين ممن يمرون على هذه الأفرنة المكشوفة أو بقربها .
وأبرز عدد من المواطنين، في تصريحات استقتها “هاسبريس” بالمناسبة، أن استغلال الملك العام من قبل عدد من الشباب لبيع بضاعتهم يجب أن لا يكون على حساب المجال البيئي ونظافة المدينة، داعين إلى تهيئة فضاءات مؤقتة خاصة بمهن عيد الأضحى، وذلك حفاظا على إشعاع المدينة على المستويين الوطني والدولي.
واعتبروا أن المتعاطين لهذه المهن الموسمية، يجهزون مكان بيع منتجاتهم، بمعدات غير مناسبة تمس بجمالية المنظر العام للشوارع والأزقة، مما يستدعي من السلطات المحلية وفعاليات المجتمع المدني، العمل على توعية هؤلاء الشباب بأهمية الحفاظ على رونق وجمالية مدينتهم والحرص على نظافتها.

صباح العيد

فمن خلال هذا الاستطلاع رصدت “هاسبريس” هذه المناسبة الدينية بمختلف مناطق جهة مراكش آسفي، وتتبعت المراحل التي يمر منها اعتمادا على تقاليد وأعراف سكان الجهة.
وتختلف الأعراف والتقاليد وتتوزع المشاهد الاحتفالية ولكن يبقى المغاربة في جميع المدن والقرى بجهة مراكش آسفي، وباقي جهات المملكة موحدون يجمعهم الدين الحنيف دين الإسلام وسنة الرسول الكريم، عليه أفضل الصلاة والتسليم، إذ يمتح المغاربة من سننه متشبثين بهذه الذكرى العظيمة المؤصلة من السيرة العبقة لأبي الأنبياء، سيدنا إبراهيم حينما هم بذبح ابنه إسماعيل مصدقا للرؤيا التي رآها في نومه، ورؤيا الأنبياء حق.
وتشتهر مناطق جهة مراكش آسفي بعاداتها وتقاليدها التي تؤطرها أيام عيد الأضحى، في مراكش والصويرة وآسفي، وبدواوير إقليمي الحوز والرحامنة، وعلى مستوى مدينة قلعة السراغنة، ومدينة شيشاوة، فعيد الأضحى أو كما يعرف لدى العموم بالعيد الكبير، يعمق المعنى الرمزي للتعدد الثقافي والحضاري بالجهة، ويعزز مكامن ومظاهر الإحتفاليات به، المبنية على التكافل والتضامن والسلم الإجتماعي، والتآلف بين مختلف الفئات والشرائح، فضلا عن كونه عيدا للتضحية،والمثابرة الإيجابية التي تترجمها تبرع بعض أغنياء الجهة على فقرائها بالأضاحي، وتعنونها حركيات الأسواق المكتظة بالناس، من التجار والباعة والزبناء.
فحين يقترب موعده للبحث عن خروف جيد بثمن رخيص فيتم الاختيار والمساومة،وفي الصباح المبكر يخرج ساكنة جهة مراكش آسفي في مختلف الجماعات الحضرية والقروية ، على غرار باقي المغاربة لأداء صلاة العيد بالساحات المكشوفة في تجمع ديني وروحاني مليء بالطهارة الروحية ،وقبيل الصلاة تمتلئ المدينة بالناس في ملابسهم الزاهية الجميلة وهم في طريقهم إلى المسجد،وبعبق التحيات وجمالية المباركات لكون العيد يمثل الفرصة الذهبية، لجبر الخواطر، وتوزيع مشاعر اليمن وقسمات البركات، ولقاء الأهل على موائد الطعام الحافل بما لذ وطاب من الطعام.
يمثل عيد الأضحى للأطفال محطة لإشباع الروح والعين والبطن من مظاهر لم تكن لتتوفر باستمرار خلال باقي أيام السنة.
فرحات وطقوس شعبية مغربية أصيلة ومسترسلة بين أوساط الأطفال والنساء و الطلاب والموظفين والصناع التقليديين، والتجار، تصل عطراتها الفيحاء إلى أوساط المغاربة المقيمين في الخارج.
حيث تشهد محطات نقل المسافرين في جهة مراكش آسفي تشهد قبيل عيد الأضحى ازدحاما شديدا للمسافرين ، بل حالة من الفوضى يجد المسافرون معها صعوبة بالغة للحصول على تذاكر السفر إلى الحد الذي يدفع الكثير منهم السفر واقفا بين صفوف الحافلة لاستحالة وجود مقعد شاغر فمن طلاب الجامعات والمدارس اضطرتهم ظروف الدراسة إلى الإقامة في مراكش خارج مواقع إقامتهم بمدنهم الأصلية ، ومن موظفين دفعتهم ظروف العمل الاستقرار قرب مقر عملهم بمدينة الرجال السبعة، كل هؤلاء وغيرهم يعتبرون أن مناسبة عيد الأضحى لا تحتمل التأخر عن الأسرة للاجتماع بالأهل والأحباب والأقارب .

موسم الهجرة إلى الخروف

محماد لشهب صاحب محل للبقالة بمدينة مراكش، كما يطلق عليه في حي بـــ “أحياء إيسيل” يؤكد لــ “هاسبريس”: أنه يعتزم السفر لقضاء أيام عيد الأضحى رفقة زوجته وأمه وأولاده في مدينة ورززات وقصد إحياء صلة الرحم مع أهله وأصدقائه، والإستمتاع بالتقاليد المغربية العريقة لعيد الأضحى لذلك يفضل إغلاق متجره، لمدة ثلاثة أيام إلى أن تنهي أيام عيد الأضحى .
في سياق متصل، يعرف الشارع المراكشي مهنا موسمية كثيرة للعاطلين ترتبط بطقوس الاحتفال بعيد الأضحى قبل بضعة أيام من يوم العيد وبخاصة من ليلته، ازدحام شديد، على غرار التجارة الموسمية في بيع الكلأ والتبن ومختلف الأعلاف بالتقسيط ، وصقل السكاكين،وبيع المشاوي والسفافيد والأكياس البلاستيكية، والمتاجرة في التوابل والبصل والثوم، وفي الأواني الفخارية، وتجهيزات مستلزمات دبح الأضحيات، والتي إنضافت إلى لائحتها خلال السنوات الماضية، مضخات الهواء، المستعملة في نفخ أضحيات العيد، وقت عملية السلخ،وهي المضخات التي باتت تتقاسمها المطابخ المنزلية مع دكاكين مصلحي الدراجات العادية والنارية، على حد سواء.
كما ترتفع منبهات السيارات والدراجات النارية والهوائية،وصيحات أصحاب العربات المجرورة، في مختلف أحياء المدينة العتيقة والعصرية، من حي إسيل إلى حي باب أيلان، ومن أحياء سيدي يوسف بن علي إلى أحياء صوكوما وأزلي ومركبات أحياء المسيرة، في حركية دؤوبة لا تكاد تترك للمسرع متسعا من الطريق، ومعروضات سلع متنوعة، مرتبطة في أغلبها بالعيد على الأرصفة والممرات، حيث يغض الكثير م عناصر القوات المساعدة الطرف ، حرصا منهم على بهجة العيد، كما يؤكد سعيد 35 سنة، لــ “هاسبريس ” أحد باعة لوازم الطبخ بحي المسيرة الثانية، في مراكش.

وتعيش معظم أسواق جهة مراكش آسفي، في الرحامنة والحوز وشيشاوة وقلعة حالة استنفار تجارية وخدماتية استعدادا ليوم عيد الأضحى، نتيجة بروز المهن الموسمية الكثيرة والمتنوعة للعاطلين ، لتوفير دخل مالي لتغطية بعض احتياجاتهم المعيشية.
وفي صباح يوم العيد حيث ينشط الجزارون الحرفيون، الذين يتحولون إلى عملة ناذرة، كما ينضاف إلى مهنتهم العديد من الشباب الموسمين، ممن يتقنون فنون الذبح والسلخ للأضاحي، وما إن ينتهي عاهل البلاد ، جلالة الملك ، من صلاة العيد،لكونه إمام المغاربة، و ذبح أضحيتين العيد، حتى تهرع مختلف أسر ساكنة جهة مراكش آسفي، وباقي جهات المملكة إلى نحر أضحياتهم وسط صخب الأطفال وزغاريد النساء، حيث يشرع الجزارون في عملية النحر، بمختلف مناطق تراب الوطن، فيما قد تعمد بعض النساء إلى مناولة الخروف منذ ليلة العيد خليطا من الشعير والورد، تيمنا بالعيد، وبالعمق الروحي للمناسبة وبعد الذبح تتكفل النسوة بعملية الغسل لأحشاء الخروف، إستعدادا لوجبة “بولفاف” على الغداء كما هي عادة جميع المغاربة من البوغاز إلى الصحراء، في حين تجتمع بعض الأسر على “الكسكس” في مائدة العشاء بكتف خروف العيد اليمنى، أو تفضل أسر أخرى بمناطق متعددة في جهة مراكش آسفي، إعداد طبق “التقلية” المكونة من أحشاء الخروف، الممزوجة بالقطاني، ونكهة التوابل والبهارات، لتتابع طقوس العيد أكلا ولباسا وتقاليد خلال باقي الأيام اللاحقة.

رأس الحولي والقديدة

إذ في اليوم الثاني تقدم وجبة “رأس الأضحية” في الفطور، وهي الوجبة التي يتم فيها تبخير رأس الخروف، في “الكسكاس” المخصص أصلا لإعداد الكسكس، والذي يؤكل بدون مرق وبقليل من الملح والكمون في حين تهيئ أكلة “الكرعين” بالحمص، تحته في القدر، المرتبط بالكسكاس “قطاعيا ووظيفيا”.
في وقت يفضل فيه آخرون تناول الطنجية بقوائم الأضحية،أما عملية قطع و تجزيء الخروف فتتم في اليوم الثاني حيث يحتفظ بجزء منه للقديد، أما الذيالة، وهي قطعة لحم تمتد على ظهر الخروف فيحتفظ بها من أجل الكسكس كوجبة عشاء في ليلة عاشوراء .
، غير أن الأمور المرتبطة بهده الطقوس اليوم آخذة في الزوال شيئا فشيئا منها عادة اجتماع الأطفال في اليوم الموالي للعيد لإعداد وجبة ( تقديرت) وهي مكونة من قطع اللحم يحضرها الأطفال ويتعاونون على طهيها في قدر صغير،
وفي مدينة فاس وسلا والرباط ومكناس ، ومختلف المدن المغربية العريقة لا تختلف عادات أهلها إختلافا كبيرا عن مراكش وأن كانت العادات المرتبطة بعيد الأضحى بدأت تزول نظرا للتغييرات التي عرفتها الأسرة بجهة مراكش آسفي ، ومع دالك فالبعض ما زال متشبثا بالتقاليد والعادات، تصوم الكثير من الأسر إلى حين ذبح الأضحية ليفطروا بكبد خروف العيد ،وتقدم وجبة الغداء عادية من أجزاء الأضحية بينما وجبة العشاء تكون عبارة عن قطبان وتقلية وفي ثاني أيام العيد تهيء ” المجبنة” وهي عبارة عن كيس يملا بقطع اللحم لتبقى أسبوعا معرضا للشمس، ومن العادات الأخرى تهيئ بعض الأسر الرباطية “المقيلة” و” المعسل” وهي عبارة عن عظام فيها بعض من بقايا اللحوم تطهى بالزبيب واللوز والسكر والقرنفل ، وهي التي تعرف في جهة مراكش بــ “المروزيـــة”.
وإرتباطا بطقوس وعادات عيد الأضحى،فإن النساء بجهة مراكش آسفي، تجمع قرابة مائة قطعة من لحم أضحيات العيد المجفف”المقدد” لتحضيرها وطهيها كوجبة تقدم في طقوس نسائية محضة، تعرف “بالكديــــدة” وترمي علاج حالات العقم عندهن، حيث تتم عملية إعدادها وسط أجواء من الأهازيج التي تعمق أواصر الفرحة والتشاركية بين الفئات النسائية في جهة مراكش آسفي، بل أن مؤسسة دار بلارج كمؤسسة ثقافية ترعى الموروت الحضاري للأمة المغربية، عمدت خلال السنة الفارطة، إلى إحيائها والحيلولة دون إندثارها في جو من التغطية الثقافية والتسلية و المرح.

عيد الأضحى في جنوب المملكة

أما في الأقاليم الجنوبية من المملكة، فتحتفل النساء الصحراويات بعيد الأضحى في جو يمتزج فيه الاجتماعي بالروحي والثراتي ، وتجد النسوة أنفسهن مجبرات على إعداد العدة للإحتفال بعيد الأضحى من خلال الأشغال الموزعة بين ماهو متعلق بليلة العيد من تنظيف البيت وإعداد الضروريات واللوازم، والحرص على خلطة حناء العيد لتطلى الأيادي والأرجل و التزين بالحركوس على الحواجب وتكحيل العيون خلال الصباح الباكر ليوم العيد، حيث يحضرن شربة “هربل” أو “الحريرة” لفطور العيد من القمح وعجائن” المخمار” و”المسمن” الغير المخمر، مصحوبا بالتمر والشاي الصحراوي ، المنسم بأريج العنبر، وبعد عودة الرجال من صلاة العيد وقبل ذبح أضحية العيد التي قد تكون معزا أو خروفا تقوم النسوة بوضع بعض من الحنة على رأس الأضحية،في مظاهر تقليدية إنتشرت منذ عقود وأجيال من الصحراء المغربية، لتعم مختلف جهات المملكة.
يعمد المغاربة، المنحدرين من الثقافة الحسانية بمختلف جهات المملكة إلى ترك أضحية العيد دون آكل ولا شراب، لسهيل عملية السلخ، غير أن بعض الأسر، تفضل تقديم الثمر والحليب للأضحية، خلال الساعات الأولى من فجر يوم عيد الأضحى، وبعد الافراغ من ذبح الأضحية وسلخها يتم الاحتفاظ حسب المعتقد عند بعض قبائل جهة وادي الذهب لكويرة ، وجهة مراكش آسفي ، وجهة كلميم السمارة وجهة مكناس تافيلالت وجهة العيون بوجدور، وحتى بجهة الدار البيضاء الكبرى، ببعض من دم الأضحية حيث يسود قصد تقوية وشائج الأسرة، حيث يتم تجفيف دم الأضحية واستعمالها كبخور ومن النسوة من تمزج قليلا منه بالحناء اعتقادا من انه يشفي من العقم وبعض الأمراض النسائية مباشرة بعد الانتهاء من عملية الذبح وكمثل جميع المغاربة فان أكل القطبان بالكبد والشحم هي أول ما يفتتح به وبعدها التقلية وتحرم بالجهات الصحراوية أكل قلب الأضحية فيما تحرم أخرى ( الطيحان ) كما هو حال تقاليد بعض الأسر جهة مراكش آسفي وفي بعض المدن الشمالية، أما العشاء فيكون من الرأس المبخر وهناك بعض العادات الصحراوية التي لازالت مستمرة ولها حضورها المميز بحكم الطبيعة الصحراوية وهي تشبه إلى حد ما عادات بعض المغاربة ببعض المدن جهة مراكش آسفي والتي بدأت في التواري والتي كانت تنظم في مثل هذه المناسبات حيت تكتفي الأسر فيما بينها على مائدة واحدة وبالتناوب وهو ما يشاع بعملية “دارت” ، وهكذا تعمد الأسر الصحراوية باستدعاء اسر أخرى للاجتماع على مائدة واحدة وهذه الأخيرة تحرص على تقديم نصيبها من لحم أضحيتها بالعيد لتشارك الأسرة المضيفة مائدتها.

“بولبطاين” كرنفال “العيد الكبير”

وكما هو الحال في مدينة مراكش يقوم أطفال وشباب جماعات إقليم الحوز، في أيت أورير ومولاي إبراهيم وأمزميز ، وأبادو وتزلضة، وأيت حكيم وأوريكة وتحناوت في يوم ثاني عيد الاضحي بتبادل الرش بالماء بعضهم البعض وبعد ذلك تتم عملية( التطياح) وهي عملية تقطيع لحم خروف العيد وتوزيع بض منها لإعداد القديد والكرداس كرنفال (بولبطاين ) أو (بيلماون)أو (بوجلود)يجري الاحتفال بكرنفال (بولبطاين) في شكله الهزلي الفرجوي في ليلة اليوم الثاني من عيد الأضحى، ويسمى المتنكرون بحسب مدن وقرى جهة مراكش آسفي بإحتفالية بــ بوجلود أو بولبطاين أو بيلماون .
وتكتسي إحتفالية بوجلود ،طابعا كرنفاليا ساخرا، يروم تكريس أواصر التواصل ومقومات الفرجة، حيث يمر موكب بيلماون على البيوت بمختلف الدواوير ، المكون من الأطفال والشباب ، وهو يؤدّي حركات بهلوانية طريفة مع من يلتقيهم من المارة والساكنة،وهي طقس خاص يمارس في الكثير من المدن والقرى بجهة مراكش آسفي، ويمتد إلى سابع أيام العيد.
وإذا كان بيلماون يعتبر ظاهرة مغربية فالمصادر والمراجع التاريخية والاجتماعية شحيحة جدا في إستقصاء جذوره، ومعرفة مرجعياته، والبحث عن دلالاته كظاهرة وكسلوك ثقافي، يظل من مكنونات الثقافة الشعبية المغربية،
فقد أشار العالم الأثنوبولوجي “وسترماك” أن هذا الكرنفال التنكري هو من الطقوس الشائعة خلال أيام عيد الأضحى بجهة مراكش آسفي، وبمختلف الجهات المحادية لها، كجهة دكالة عبدة، وجهة سوس ماسة درعة، حيث يرجعها إلى فترات ما قبل الفتح العربي، ويربطها بدلالة إحترام الخصوبة والإحتفاء بالنماء والخير.
وتتمحور كرنفالية “بيلماون” كما يعرف بالثقافة الأمازيغية، أو “بوجلود” كما يتفق عليه في المناطق العروبية،في إقدام الشباب على لبس فروات اضحيات العيد، وتقمص هيئتها، بقرنين على رأسه، حيث يطوفون على مختلف منازل منطقة الإحتفال في موكب من الشباب والفتيات والأطفال.
ويتم اختيار متقمصي “بيلماون” من بين الشباب الأقوياء على مستوى البنية الجسمانية، والمعروفين برشاقة الحركات في كل الحي من أحياء الجماعات المعنية، والمناطق المذكورة، ممن يتميزون بقدرتهم على ارتداء جلود الأكباش التي تغلف كل أجسادهم ويرتدونها طيلة أيام الإحتفال ،وعادة ما تكون سبعة فروات اثنان منها في اليدين ومثلهما في الرجلين والصدر والظهر والسابعة تلفهما بشكل كلي، في تنسيق مع منشط الإحتفالية الشعبية الذي يتعين فيه معرفة عادات كل منطقة وتقاليد كل دوار أو حي وأسماء السكان الفاعلين به، من الفلاحين المرموقين والتجار الناجحين والأشخاص الميسورين ، حيث يوظف هذه اللائحة خلال الجولات الليلية التي يقوم بها موكب “بيلماون” أو “بوجلود”،قصد جمع المنح والصدقات من أصحاب اللائحة المميزين ، والتي عادة ماتكون عطايا عينية تتمثل في قوالب السكر، وقارورات الزيوت والعسل، أو أكياس الطحين والدرة، وجلود أضحيات العيد، قصد إعادة توزيعها على المعوزين من ساكنة الدواوير ولأحياء، أو توظيبها لإحتفالات جماعية، عادة ما تكلل بها كرنفالية “بيلماون” .
وأثناء تجوالات موكب “بيلماون” أو “هـَـرْمَا” كم يُعرف في الثقافة الشعبية بمراكش، يقوم جمهور يقدر بالعشرات إن لم تكن المئات من الساكنة ، باللحاق بهم والسير في إثرهم لدرجة الإندماج أحيانا مع دور “بيلماون” التنكري والترفيهي.
وإرتباطا بذات السياق، يعمد ممثل “بيلماون” في مناطق متباينة من جهة مراكش آسفي إلى وكز بعض المختارين من الناس بقوائم أضحيات عيد الأضحى، في إيماءة إلى البركات واليمن والفأل الحسن الذي يستبشر به الساكنة.
ويظل “بيلماون” أو “بوجلود” ابرز عادات وتقاليد ومباهج عيد الأضحى في مختلف قرى ومدن جهة مراكش آسفي، وخصوصا في جماعات أقاليم الحوز وشيشاوة اليوسفية، في أيت أورير وكوزمت ومولاي إبراهيم وإشمرارن وأمزميز ، وأبادو والزاوية النحلية وتزلضة، وأيت حكيم وأنفيفة وأوريكة وإمينتانوت وتحناوت ومجاط ، وهي المناطق التي دأبت على هذه الإحتفالية قبل مئات السنين، رغم تلاشي الإحتفالية الشعبية الهادفة من مختلف الأحياء الشعبية مدينة مراكش ، خلافا لشيوعها في فترات السبعينيات والثمانينيات من القرن الفارط.

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.