كانت البنيات التحتية لقطاع الصحة قد عرفت تقدما نسبيا ببلادنا خلال السنوات الأخيرة من حكومة التناوب ، تحت رئاسة الراحل عبد الرحمان اليوسفي، غير أنها سرعان ما تراجعت وإضمحلت وأصابها العطب والإنحطاط، في سياق التفنن والإجتهاد من أجل إفساد المستشفى العمومي، فصارت غير متوفرة ولا ناجعة بالنسبة لغالبية المواطنين والمواطنات في المدن الكبرى والمتوسطة، كما في العالم القروي، اللهم، إلا إذا استثنينا البرنامج الوطني للتلقيح فإن المؤسسات الصحية تفتقر اليوم إلى الأدوية حتى الأولية منها، والمعدات الإسعافية والتجهيزات الطبية.
والمغرب الذي يسير بسرعتين، ومراكش من ضمنه، لا يمكنها أن تسير قدما بدون أن تأخذ بعين الإعتبار الأهمية التي يجب أن يوليها المسؤولون لهذا لقطاع، في أفق سياسة صحية متوازنة مخططة ومتناسقة ترمي إلى تنمية الخدمات على الصعيد الإقليمي والجهوي والوطني مع تقليص الفوارق المجالية، والعمل الجدي من أجل تعميم التغطية الإجتماعية ضد المرض لجميع المواطنين، والمواطنات، في أفق الوصول إلى صحة عمومية في خدمة المغربي، من قلب الدواوير والدشور والقصبات إلى نبض الوطن.
وتحت مسمى تشجيع المبادرة الخاصة لتدعيم النمو السريع لمستويات وسائل العلاج ولإرساء نظام متخصص قصد التخفيف من التكاليف العمومية، حسب تعبير وزير سابق، وأمين عام حزب بالمعارضة الحالية، فإن المصحات ، في مراكش أصبحت أكثر من المَحْلَبات، ولكن بدون فائدة ولا وقع إجتماعي، أو نجاعة، وبلا طعم إنساني أو مذاق تضامني، مما بات يتحتم على الدولة العودة من أجل الإحتفاظ على دورها الأساسي في ميدان الصحة، حيث لم تعد مصحات القطاع الخاص التي تفرض وضع المال أو الشيك لدى قسم الحسابات بها ، حتى قبل العلاج، أو الوفاة، ولم تستطع لعب دورها التكميلي، وبعدما أصيب في غالبيته بداء فقدان النزاهة والإنسانية، تحت لمعان منحة الإستثمارات، وغياب احترام أخلاقيات المهنة، وبعد غياب التكوين المستمر للأطر، وتنازل وثيرة تشجيع البحث في المجال الصحي، ونزوله نحو الحضيض .
لقد أصبح اليوم اعتماد توسيع التدبير الجهوي واللامركزي، بناء على الكفاءات الوطنية النزيهة والحريصة، والتدبير الواقعي والإداري العلمي الذي يحصر الحاجيات ويتجاوب مع المطالب يرنو إليه الجميع من المغاربة، كمحرك أساسي لقطاع الصحة العمومي، في سياق تحقيق نجاعة القرار الإداري والمالي وفاعلية القرب والتدبير والمراقبة.
ثم لماذا، لم يتم إحداث مراكز للمداومة في المدن الصغرى، في سيدي بنور، وأيت باها، ومير اللفت، والخنيشات، وسيدي بوعثمان، ومجاط وغيرها، قصد تسهيل الولوج إلى العلاج الإستعجالي، ووضع برامج جهوية تحت إشراف الكفاءات الوطنية ومراقبة العمال والولاة للاستفادة من الحماية من الأمراض والمعالجة منها.
كما أن الصحة الوقائية، وخصوصا بالعالم القروي، عن طريق توسيع دائرة تطبيق برامج الصحة الأساسية وتطوير التلقيح والفحوص الواجب إجراؤها قبل مرحلة الوضع، بالنسبة للنساء الحوامل، وكذا الكشوفات المتخصصة مع الرفع من مستوى الحماية من الأمراض التعفنية والأمراض الجلدية، وعضات الكلاب، ولسعات العقارب ونهش الثعابين ، مما يطرح السؤال حول مصير البرامج التي كانت تروم إلى خلق وحدات متنقلة للصحة العمومية داخل المجال الشبه حضري والقروي تجسيدا لسياسة الوقاية الصحية، مع العمل على تطوير اختصاصات ظلت حتى الآن مهملة كطب الشغل، والطب الرياضي وطب الكوارث وطب المستعجلات بالنسبة لضحايا حوادث السير.
ومهما يكن، فإن عباد الله من المغاربة، لاشك أنهم ينتظرون إعادة النظر في قواعد الحكامة التي ترتبط بقطاع الصحة العمومية، والتي كانت متبعة من طرف الوزارة داخل المستشفيات، وإعادة النظر في الصفقات العمومية، لتطهير الوسط الإستشفائي العمومي من الآفات المتعلقة بالرشوة والتهاون، والمحسوبية، والتملص من المسؤولية، وأثارها السلبية على جودة العلاج، والإسراع بتكوين فرق صحية متخصصة، مزودة بوسائل النقل السريع من بينها الطائرات المروحية التي كانت ولم تعد، قصد القيام بعمليات الإنقاذ في حالات الحوادث والكوارث..
ثم ، ماذا عن تعميم وتوسيع الاستفادة من التأمين الإجباري على المرض ونظام التأمين على المرض الخاص بالفئات الهشة وذوي الدخل المحدود ؟