البيصارة : طعام على مائدة الأغنياء والفقراء
محمد القـــنــور
عدسة: محمد أيت يحي :
تعتبر البصارة من أشهر الأكلات الشعبية في جهة مراكش آسفي، على غرار باقي جهات المملكة، وتتميز بنوعية تحضيرها من منطقة إلى أخرى، كجهة طنجة تطوان حيث تعوض البازيليا “الجلبانة” الفول الجاف، وتقوم البيصارة في أساسها على طحين الفول الممزوج بالتوابل كالفلفل والإبزار والثوم وتقدم في “زلايف” بعد إضافة زيت الزيتون لها.
وقد ظلت البصارة أكلة جماهيرية وشعبية مفضلة لدى مختلف الشرائح والأطياف الإجتماعية المغربية عموما، والمراكشية على وجه الخصوص، كما صارت في العقود الأخيرة تقدم ضمن لوائح الأطعمة في المطاعم الكبرى المصنفة، وحتى في بعض الفنادق المراكشية الفارهة من ذوات الخمسة نجوم.
ولا يخلو سوق من أسواق مراكش، أو الأسواق الأسبوعية التي تنتظم كل يوم في الأسبوع بآقاليم جهة مراكش آسفي من بائع أو بائعة للبيصارة، يرتبط بجلستها الزبناء كل صباح، من الصناع التقليديين ومتعلميهم والحرفيين والتجار الصغار، والفلاحين والمزارعين، وعابري السبيل، والباعة والتجار المتجولين والمستخدمين وصغار الموظفين، وعابري السبيل .
هذا، واشتهر باعة البيصارة منذ مطلع السبعينيات في حي الطالعة بمراكش العتيقة، فيما يعرف “بجيل باعمر” قبل أن تتناسل حوانتها في مختلف أحياء مراكش، وتصل إلى الأحياء العصرية كأسيف وإسيل وأمرشيش والمسيرات والمحاميد وحتى الأحياء الراقية في الحي الشتوي بجليز، لتصبح ضمن الوجبات الرئيسية الصباحية بأغلب مطاعم هذا الحي .
كما يزداد الإقبال عليها في أيام فصل الشتاء، الذي تطبعه في حوض تانسيفت موجات البرد القارص والإنخفاض الشديد في درجات الحرارة بفعل “صادرات جبال الأطلس المحادية من “السميقلي”، إذ يتناولها بعض عشاقها دون خبز، أو زيت زيتون إضافية، لما لها من فوائد على الجهاز التنفسي، بفضل ما تختزنه مادة الفول ،ومن حديد ونشويات..تخفف من وطأة تداعيات التدخين على المدخنات والمدخنين.
ويشكل الفول في جهة مراكش آسفي العمود الفقري في تحضير أكلة البيصارة،حيث يعتبر من المحاصيل البقولية الرئيسية الهامة، في الحوز وشيشاوة وحقول وضيعات زمران والسراغنة ومناطق الرحامنة، ويزرع زراعة مروية وأخرى بعلية ، وتعتبر المملكة المغربية موطنه الأصلي، إضافة إلى بعض بلدان الشرق الأوسط كمصر وبعض بلدان آسيا.
ويزرع الفول من أجل الحصول على قرونه الخضراء التي تستعمل في الطهي ومن أجل حبوبه الجافة التي تستعمل في التدميس وبالحساء كما يمكن أن تستعمل بالقلي بعد هرسها وخلطها بالتوابل خصوصا الفلفل .
كما تحتوي الحبوب الجافة على 28 في المئة من بروتين في وزن كل حبة فول كاملة ، و48 في المئة من النشويات ، و3 في المئة من الدهون، و2 في المئة من الغليكوز، 3 في المئة من وزنها من الأملاح المعدنية من بوتاس ، فوسفور ، حديد.. و16 في المئة من وزنها تتقاسمها مواد أخرى على غرار الماء.
والفول من هذا المنطلق، يُعَدُ غذاءً متكاملا نقصه من بعض الأحماض الأمينية الحيوانية، فهو يشبه في تركيبه اللحم ولذلك سمي الفول بلحم الفقراء.
والواقع، أن زراعة الفول تنجح في الأرض الطينية الرملية ، الخصبة أو المتوسطة الخصوبة والعالية المستويات السقوية ، أو في الأرض الخفيفة الحاوية على نسبة عالية من المواد العضوية وعلى نسبة قليلة من الكلس، كما لاتوافقه الأرض المصابة بالقحط أو التحجر، إذ أن انتشاره بين النباتات يسبب ضعفها أو موتها لتطفله على جذورها وامتصاصه لغذائها، فيكون السبب في إنتاج محصول متدني رديء الصفات، لايصلح لإعداد بيصارة مغربية كاملة الأوصاف، وأكلة تحتل مكانا مرموقا هلى موائد الفقراء والأغنياء .