مؤتمر آنفا حدث تاريخي دولي يؤكد شخصية المغرب
هاسبريس :
يؤكد حدث مؤتمر آنفا، الذي احتضنته الدار البيضاء في 14 يناير من سنة 1943، على التميز الدولي للمغرب، خلال أحداث ومحطات القرن العشرين، رغم نظام الحماية الذي كان مفروضا عليها في تلك الفترة ، حيث يشكل مفخرة للمغرب والمغاربة نظرا للدور الذي إضطلع به على الصعيد الدولي من أجل إرساء السلم العالمي، ويوطد قوة شخصية المغرب الحضارية والعالمية ، ومدى الأهمية الجيو استراتيجية للمملكة، كدولة جدورها في إفريقيا وأغصانها بأوروبا، حيث إنطبع هذا المؤتمر وطنيا ودوليا بأهمية استراتيجية كبرى لكونه شكل انطلاقة مرحلة جديدة في العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، وخطوة محورية في تاريخ الحركة النضالية المغربية نحو استقلال المملكة المغربية من الاستعمار الفرنسي.
ففي هذا المؤتمر الذي يستحضره المغاربة غدا السبت 14 يناير من خلال تخليد ذكراه الـــ 73، كان جلالة المغفور له محمد الخامس رائد معركة الحرية ورمز إستقلال المغرب،،قد استقبل من طرف الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، ورئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل، كممثل لشعب حليف وصديق يحتل بلده مكانة هامة في استراتيجية التحالف الغربي، بجنوده البواسل ممن حاربوا ضد النازية والفاشية والديكتاتورية القامعة للتنوع والإختلاف ، على مختلف الجبهات بفرنسا وألمانيا وإيطاليا .
كما شكل هذا المؤتمر، محطة إستثنائية بالنسبة لجلالة المغفور له محمد الخامس، قائد الحركة الوطنية لطرح مطلب الحرية والاستقلال، خاصة وأن المملكة، ورغم أنها كانت ترزح تحت الحماية، أعربت منذ نشوب الحرب العالمية الثانية في شتنبر من سنة 1939 عن اصطفافها إلى جانب الصف الديمقراطي في مواجهة دول المحور العسكرية والديكتاتورية، وأتاح حضور السلطان محمد بن يوسف الذي كان مرفوقا بولي عهده الأمير مولاي الحسن، والقاضي محمد بن إدريس العلوي كسب تعاطف الدول الحليفة المشاركة، وتعبيرها عن دعمها لحق المغرب في الحرية، المشروعية ، خاصة عندما أظهر روزفلت رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دعمه القوي للمغرب في مفاوضاته مع فرنسا من أجل الاستقلال، واضطلع بدور هام في أفق تنفيذ كل بنود معاهدة حلف الأطلسي المصادق عليها من طرف الحلفاء سنة 1941 والتي ارتكزت أساسا على الدفاع عن الحرية وعن استقلال الشعوب وحقها في تقرير مصيرها بنفسها.
ويعد مؤتمر آنفا، الذي يخلد المغاربة محطته الحاسمة، انخرطت الحركة الوطنية تحت قيادة جلالة المغفور له الملك محمد الخامس ورفيقه في الكفاح المغفور له الملك الحسن الثاني، في الدفاع عن مطالب الحرية ضد الإستعمار الفرنسي، ومن أجل إبراز المغرب للمثل العليا للسلام والحرية عبر العالم التي ساهمت في وضع حد لمآسي الحرب العالمية الثانية، كما تحولت آنفا إلى عاصمة عالمية حيث عقد بأحد فنادقها لقاء، في سرية تامة، جمع بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني والرئيس الفرنسي الجنرال دوغول ، وبطل التحرير والإستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس، مما مثّل فرصةً سانحة للقادة المشاركين فيه لتحديد الإجراءات السياسية والعسكرية للحلفاء ضد الجيوش الألمانية، واتخاد قرارات مهمة حول طبيعة الاستراتيجية العسكرية والسياسية لإخضاع كل من ألمانيا النازية والنظام العسكري في اليابان ، ومن خلال توقيع العديد من الاتفاقيات قرر الحلفاء، مطالبة قيادات دول المحور في كل من برلين وطوكيو بالاستسلام الغير المشروط ، ومواصلة مساعدة الحلفاء لموسكو وزعيم الاتحاد السوفياتي جوزيف ستالين، كما قرر المجتمعون غزو صقلية وإيطاليا الفاشية ، انطلاقا من تونس وصوتوا لإدارة مشتركة لجميع القوات الفرنسية في الحرب من قبل الجنرال جيرو والجنرال دوغول.
وقد عبر الرئيس الأمريكي روزفلت عن تأييده لمطالب المغرب ووصف طموحه باستعادة حريته بالمعقول وأن مكافأة الحلفاء واجب، وما إن حلت السنة الموالية لانعقاد مؤتمر أنفا حتى هيأت نخبة من الوطنيين عريضة ضمنوها المطالب الأساسية المتمثلة في استقلال البلاد، وذلك بتشجيع وتزكية من بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس الذي كان يشير عليهم بما يقتضيه نظره من إضافات وتعديلات وانتقاء الشخصيات التي ستكلف بتقديمها مع مراعاة الشرائح الاجتماعية وتمثيل جميع المناطق في بلورة هذا الحدث المتميز في تاريخ البلاد.
كما شكل هذا اللقاء فرصة لبحث جلالته سبل تطوير علاقات التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية كحليف وصديق يحتل مكانة هامة في استراتيجية التحالف الغربي، علما أن المغرب كان أول دولة تعترف باستقلالها عن الاستعمار البريطاني في عهد السلطان محمد بن عبد الله. وهكذا فمؤتمر أنفا كمحطة من تاريخ المغرب المعاصر تبرز الثوابت التي قامت عليها المملكة المغربية كدولة عصرية تعمل من أجل الحرية والديمقراطية والسلم .