السحر والشعوذة في جهة مراكش آسفي …‏

‏”زَغَــبُ السَّــبُعِ ومُخ الضَّـــبُعِ “

‏وصَفَات سِحرية تُباع بالملاييــــــن .‏

هاسبريس  :

عدسة : بلـعـيـد أعـراب :

يوما بعد يوم يتحول المشعوذون والمشعوذات،الشوافون والشوافات في المدن الكبرى خصوصا، وبعموم المغرب إلى ‏نجوم كبار يقصدهم الغني والفقير، المرأة والرجل، الصغير والكبير، فتجارة بيع الوهم مزدهرة، ‏خاصة أيام الأزمات الإقتصادية والإجتماعية، وطبعا المغرب ليس البلد العربي الوحيد، ولا جهة ‏مراكش آسفي المنطقة الوحيدة. فالعرب عموما وحتى بعض الأقوام الأخرى مسكونون بالشعوذة ‏ومهوسون بالسحر، والتطلع إلى الغيبيات،والتعامل مع الخوارق.

وتقدر الإحصائيات الأخيرة ‏الصادرة عن إحدى مؤسسات رصد التنمية في الدول المغاربية وبلدان الشرق الأوسط ، أن ‏‏”أفراد الأمة العربية” ينفقون على السحر والشعوذة سنويا حوالي عشرة ملايين دولار، يمثل ‏نصيب بلادنا فيها حوالي 13 في المئة.‏
ويكاد يكون إيمان معظم المغاربة بالسحر والشعوذة راسخا، فالفقر وسوء الفهم للنصوص الدينية ‏والآيات القرآنية والأمية المرتفعة، وهبوط نسبة الوعي الإجتماعي، وعوامل غياب الثقة في ‏النفس، خاصة في أوساط النساء، يشجع بروز المشعوذين والدجالين. ‏
هذا، فقد رصدت”هاسبريس”الظاهرة،في جهة مراكش آسفي أساسا،وبمختلف بعض ‏الجهات على تراب الوطن وتستعرض نماذجها وواجهاتها المختلفة.‏

تقول فاطنة، 52 سنة، ربة بيت، تسكن بشارع المدارس في سيدي يوسف بن علي، في مراكش: ‏‏”أنا ديما كنمشي عند “الفقها” حيث الطبّا ما كيعرفو والو”،وقد ورثت هذه العادة من أمي، كانت ‏الله يرحمها، تذهب دائما عند “الفقيه” بحومة بوسكري.‏

‏ وكلمة “الفقيه”هو الإسم الذي يطلق على الشوافين وكذلك الشوافات، من أجل العلاج، الأستاذة ‏مليكة المرابط الكاتبة المعروفة، تؤكــد أن التحولات التي يشهدها المغرب لا تعني تحولا ‏جوهريا في بنيته الثقافية بالضرورة، بل إن بعض الممارسات والعادات القديمة ذات الأبعاد ‏الغيبية، ما زالت سائدة بين فئات عريضة من هذا المجتمع. ويرجع تلك العادات إلى تفاقم ‏الأزمات وتداخلها وارتفاع نسبة الفقر والبطالة والأمية بين هذه الفئات مع تنامي حاجاتها، يزيد ‏من تعاطيها لبعض الممارسات الغيبية لحل مشاكلها. وأضاف أن انتشار الشعوذة يعكس إنتصار ‏الثقافة التقليدية اللاعقلانية، تفسر كل شيء بالغيب، إضافة إلى أن المؤسسات التعليمية لاتزال لا ‏تقوم بدورها التحسيسي التأطيري الكامل في هذا الصدد.‏
وتضيف المرابط إنه إن كانت نسبة التعاطي للشعوذة تكاد تكون هزيلة في أوساط الشباب والشابات ‏اليوم.فقد اعتادت كثير من العائلات على بركة الفقهاء والشوافة. حجم هذا الإهتمام يظهر في ‏المدن المغربية بشكل جلي، فهناكـ مدن تمارس فيها الشعوذة وتجارة الشعوذة بالبيان الواضح ، حيث يباع في أسواقها كل أنواع المواد ‏المستخدمة في السحر أو التمائم على غرار “قشور السحالي، وأشواك القنافذ ‏وجلد الثعلب واللدون، واللبان والحبة السوداء والقشرة البيضاء والحمراء، وبقايا أسطوانات الأغاني على الفونوغراف”والكثير من العقاقير ‏والنباتات والمتلاشيات، والتي تستعمل في إبطال العين والعلاج من السحر أحيانا، كما يعرض التجار ‏مجموعة كبيرة من الحيوانات الحية أو الميتة مثل العقارب، والكلاب والقطط البرية، والضفادع ‏والسلاحف،والوطاويطـ ، الزواحف، والثعابين وغيرها من المخلوقات المستعملة في الشعوذة ‏والسحر، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الأعشاب، والتي يصنف بعضها ضمن الأعشاب السامة.

كما تنتشر في الأحياء الشعبية بمختلف المدن المغربية الكبرى، دكاكين ‏العطارة والعشابة، ممن يبيعون كل المواد المستعملة من لدن السحرة والمشعوذين، بدءا من ‏الأعشاب وإنتهاءا بما يدعونه أنه مخ الضبع، حتى بعض أجزاء الفأر. والغريب في الأمر أن بعض أجزاء هذه ‏الجيف تصل إلى 5000 درهم للقطعة الصغيرة.‏

سواسية عند المشعوذين

وعليه، فإن الإقبال على المشعوذين ليس حكرا على فئة دون أخرى، فقبل شهر اكتشف مدير مؤسسة بنكية ‏معروفة، بساحة “جامع الفنا” لجوء موظفة إلى السحر، إذ كانت تطلب من عاملات النظافة وضع ‏غبار شفاف على مكاتب أعدائها ومنافسيها وحتى على مكتب المدير، كي تحظى ب”القبول” ‏والإحترام من قبل الإدارة. كما ضبطت في أحد الأمسيات وهي تحمل معها ديكا أسود اللون ‏معها. وقامت بذبحه في أحد المراحيض الخاصة بالمؤسسة البنكية المعلومة.‏
‏ وتكشف هذه الواقعة، أن اللجوء إلى السحر والشعوذة لا يقتصر على فئة “المزاليط” والأميين، ‏وإنما يتجاوز ذلك إلى الأطر والمتعلمين،والأثرياء والمفركسين والمدللين.‏
‏ وتؤكد “نعيمة”إحدى موظفات شركة في آسفي معروفة، أن صديقاتها غير المتزوجات ‏والمتخرجات من معاهد عليا وذائعة الصيت، تلجأن إلى شواف في المسيرة الثالثة، يشتغل ‏بالموعد مثل طبيب جراح اختصاصي في الأمراض المستعصية.‏
وتقول “نعيمة” لــ «هاسبريس» :”أن غالبية صديقاتي تفعل ذلك رغبة في الحصول على صديق ‏أو زوج، بعضهن ورغم تعليمهن العالي تفعل ذلك كي تحظى بالقبول من قبل رؤسائها وكي ‏تتسلق المراتب” ‏
ويبقى اللجوء إلى السحر والشعوذة ليس شأنا نسائيا فقط ، وإنما يتجاوز ذلك إلى الرجال، فكثير ‏من رجال الأعمال والمال والسياسة يستشيرون المشعوذين والسحرة قبل الإقدام على خطواتهم ‏المستقبلية.‏
هذا، وخلال ندوة إنعقدت قبل شهور حول تفعيل الفكر المقاولاتي، قام أحد رجال الأعمال المعروفين ‏بمراكش،لإلقاء كلمة توجيهية أمام الحضور، وتوجيه المقاولين الشباب نحو الأفاق العلمية ‏والإقتصادية،وعندما أدخل يده في جيب معطفه الداخلي ليخرج الورقة التي تتضمن نص الكلمة ‏،أخرج معها “حرزا”كبيرا على شكل التمائم التي يضعها الهنود الحمر على أعناقهم.‏
و”ناري على شوها” ‏
وغير بعيد عن هذا الحادث، فقد إشتهر رئيس إحدى الجماعات بجهة مراكش آسفي هو الآخر ‏بتجديد “لحروزة” كل شهر تحت عتبة قصره المنيف، الذي شيده من “عرق خفة أصابعه”، لذلك ‏لا تتوقف أبدا أشغال الحفر والترميم في مسكنه .‏

عرافة “الشـويـطر”

كانت قبل سنوات،شوافة الشويطر ،على الطريق الرابطة بين أيت أورير ومراكش، قد تحولت ‏إلى أسطورة لأكثر من عقدين من الزمن،وكدست ثروة طائلة لأن جميع زبنائها كانوا من الميسورين، بل ‏أن شهود عيان أكدوا أنهم شاهدوا شخصيات وازنة، من بعض صناع القرار، ورجال المال ‏والأعمال، والأثرياء الكبار، وبعض كبار رجال السلطة، وحتى مشاهير الفنانين المغاربة يقفون ‏أمام بابها، وذلك قبل وفاتها السنة الماضية.‏
وقد ربط العديد من المهتمين بأسطورة هذه الشوافة، ارتفاع الإقبال عليها بتبعات الهجرة من ‏إقصاء وتهميش. وأشكال التطاحن الإجتماعي الذي عرفته سنوات الثمانينيات، هذه التبعات شكلت ‏أرضية خصبة لإنتاج واستهلاك المزيد من أنواع “الشعوذة” والأعمال المرتبطة بها كالسحر ‏والعرافة، واستعمال الأدوات المساعدة كالتمائم وأنواع البخور وغيرها من الطقوس.‏
أما بمدينة الصويرة فقد ذاع صيت “حسن” المنحدر من مناطق الشياظمة، وهو”شواف” يدعى ‏تصديه القوي لحالات السحر بجميع أنواعه ، وله قدرة على استخراجه من مكانه المدفون فيه ، ‏كما له قدرة على جلبه ولو كان في مكان سحيق من الأرض بفضل استعانته بالعلوم الشرعية، ‏وآخر معجزاته على حد تعبيره إعادته البسمة إلى شفاه وزير سابق، أصيب بمس شيطاني بعدما ‏كان قد تلقى فاجعة خبر وفاة والده، وذلك بصرعه على حد ادعائه للجن يدعى “عبروق” حيث ‏أصيب لأكثر من مرة بحالات إضطراب عقلي، وانهيار عصبي.‏

العصرنةُ “المُزَوَّرَة”..‏

يقول “ع م ” أحد متتبعي الظاهرة،يزور مراكش للمرة الأولى سيندهش أمام مظاهر المرأة ‏العصرية، التي أصبحت تمتطي السيارات الفارهة، آخر الصيحات من الفيراري و المرسيدس ‏الفاخرة، وحتى “الهامر” وتسرح شعرها في أفخر الصالونات، وترتدي آخر صيحات دور ‏الأزياء الفرنسية والإنجليزية والإيطالية، وتسبقها أينما حلت وارتحلت “مواكب” عطر ‏‏”كازانوفا” و”شانيل” الباريسي الرفيع المستوى،والباهظة الثمن وتضع على وجهها وأطرافها ‏مساحيق تجميل “إيف روشيه” و”أوري فلام” ومحلات “الكاردان” و”الورلدز ومان”وغيرها‎.‎
ويندهش المرء أكثر عندما يجد أن العديدات من هؤلاء النساء “الحداثيات” ومنهن بعض ‏الحاصلات على شهادات علمية عالية وثقافة حسنة يعترفن “على عينك يابنعدي” بلجوئهن ‏إلى السحر والشعوذة، ويبررن ذلك بالإشارة إلى كون السحر حقيقة، لا يمكن الهروب منها.‏

‏ كما لايوجد أدنى حـرج لهؤلاء النساء “الحداثيات” في القول أنهن يفضلن قبل الإقدام على زيارة ‏الطبيب، أو محامي العائلة، أو الخروج في إحدى السفريات، أو الذهاب إلى أية حفلة زفاف أو ‏عشاء عمل، أن تتشاور الواحدة منهن مع “شوافها” أو “شوافتها” الخاصة . ‏
وعوض الإستشارة مع طبيب نفساني حول إحساس غامض بالكآبة، أو كابوس مزعج و دائم، أو ‏إحساس بالعزلة والدونية متفاقم، أو نكوص في الجمال والإثارة الذي ينتاب هؤلاء النساء ‏‏”المودرن”، فإنهن لا يترددن في حجز موعد مع “شواف” أو عرافة، وبالثمن المعروف لدى كلا ‏الطرفين، أي السحار و”اللي باغية تشوف”‏

‏”شوافات” الخدمة السريعة

ويبقى “ورق الكارطا” وقراءة الكف في المدن، وخط الرمل في مراكش وباقي المدن المغربية ‏الكبرى، أحد وسائل الشعوذة التي تستغلها الفتيات الباحثات عن الزوج، وكذا “الآنسات ‏المحترمات” والخادمات ونساء الأحياء الهامشية الفقيرات،وصولا للأسف إلى بعض المحاميات ‏والطبيبات والمهندسات والأستاذات الجامعيات وغير الجامعيات لتوظيف المعلومات التي حصلن ‏عليها بالتلصص والتصنت على الرجل المستهدف، والإدعاء بأن الورق أو قراءة الكف أو”خط ‏الرمل” هو الذي زودهن بها، وبالتالي يقترحن حلولا مختلفة، والكثيرات منهن متواطئات مع ‏‏”شوافيين وشوافات” غالبا ما ينصحن زبوناتهم باللجوء إليهم، بعد أن يكن قد زودن هؤلاء ‏العرافين والعرافات بكافة المعلومات عن الضحية وقدرتها على تحمل الإبتزاز‎.‎
وفي رأي العديد من المغربيات أن كل ما سبق وارد في قاموس الموروث الشعبي، ومع أن أغلبه ‏يندرج في سياق الخرافات والشعوذة القديمة، فإن مساحة تطبيقه اتسعت نظرا لتعاطي العرافين ‏والعرافات الوسائل التقنية في عرض خدماتهم، حيث أصبحت لهم مواقع على الأنترنيت، ‏وتنازلت صحف عديدة عن رزانتها أمام إغراء مدخول الإعلانات، وأفردت مساحات لنشر ‏معلومات تزكي خوارق هؤلاء المشعوذين وقدراتهم المثيرة للدهشة، حتى صار بعضهم يقدم ‏خدماته عبر الهاتف المحمول، حيث يقوم من خلاله بنصب شباكه لإغراء ضحاياه‎. ‎
وقالت إحداهن، إن النساء التقليديات والعصريات مازلن يحرصن على العمل بهذه الوصايا، لكون ‏أن البعض يواجهن إشكالية تعذر الوفاء بكل ما تطلبه “الشوافات” ـ أي العرافات اللائي صرن ‏يطلبن أتباعهن بالدولار، نظرا لصيتهن الذي عم الآفاق وتدافع السياح والسائحات عرب وأعاجم ‏طلبا لخدماتهن الخارقة، مما يجعلهن مجبرات على تنفيذ وصايا الجدات.

فـلكـيـون دون عِلم “النازا”‏

وقد بلغت زمرة من أصحابها حد التطاول على علم دقيق كعلم الفلك ، وذلك بهدف تضليل ‏ضحاياهم من المواطنين والمواطنات والإحتيال عليهم لتحقيق الإغتناء السريع.‏
وما يكرس لخرافات هؤلاء هو الأرضية الهشة المتمثلة في طغيان ثقافة الإيمان بمعتقدات ‏متوارثة عند بعض السذج أو اليائسين، نتيجة استفحال الجهل والتخلف والمشاكل الإجتماعية ‏والإقتصادية ، كما أنهم لعبوا بديهيا إن أمن المغرب، وسلامة المواطن المغربي يهددها مرض ‏الشعوذة الذي تفشى في أيامنا مستترا خلف قناع مجموعة من الممارسات كالعلاج بالأعشاب ‏والجداول وغيرها، وقد أثارت هذه الممارسات الرأي العام الوطني على المتناقضات وحالات ‏الضعف النفسي لدى الأفراد، إضافة إلى مساهمة عدد من الجرائد الصفراء في إشهار ادعاءاتهم، ‏مما يفتح المجال الأوسع أمامهم لعرض مزاعمهم. ‏
لكن اللافت للنظر والذي يستوجب التفاتة وثورة هو تطاول بعض الدجالين بالمغرب على القرآن ‏الكريم بزعمهم معالجة – مرضاهم- بالإعتماد عليه.‏
لقد انتشرت ظاهرة اللجوء إلى السحرة والدجالين خلال السنوات الأخيرة، مما يدل بشكل لا يقبل ‏الشك على مدى تدهور مستوى التفكير الموضوعي والعلمي في أوساط المجتمع المغربي، ‏وانحداره إلى درجة الجهل، والتشبت بأطياف الوهم والدجل والكذب الممنهج، ولذلك فقد ازداد ‏عدد المشعوذين والدجالين المتطاولين على علم الفلك مع ذلك الإقبال، وصار أصحاب الشهادات ‏والمناصب العليا وبعض المثقفين أيضا زبائن هذا الدجال أو ذاك، وقد عرفت الشعوذة بأنها خفة ‏في اليد، وترتكز على عنصري الخفة والخداع، كما أن سياسة المشعوذين ذكية ومشجعة إذ ‏يكتفون خلال الزيارة الأولى بمبلغ رمزي ثم ترتفع “الفاتورة” في الزيارات الموالية تحت ذريعة ‏ارتفاع ثمن البخور والعقاقير التي يستعملونها، إذ تتجاوز أحيانا خمسين ألف درهم، وعلى العموم ‏فإن نتائج أعمالهم تكون مدمرة وفاشلة، فالإحصائيات وكذا المتابعات الميدانية تؤكد أن النساء ‏بشكل عام يثقن بالدجالين أكثر من الرجال، وكثيرا ما تقف هذه الثقة العمياء وراء خراب البيوت ‏وحالات الطلاق، وربما القتل أحيانا .‏

صحافة “التــنجــيم”…‏

وعلى الرغم من ذلك فإن الصحف تمتلئ بإعلانات عن هؤلاء المشعوذين الذين يفضلون تسمية ‏وتلقيب أنفسهم بالفلكيين، بلا حشمة وبلا حياء، ودون علم وكالات الفضاء الدولية مثل “ناسا” ‏حيث يؤكدون من خلال هذه الإعلانات أنهم قادرون على قراءة الطالع وفك النحس وجلب الغائب ‏وما إلى ذلك، لكن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد اختلاط في المفاهيم، إذ أن أصحابها لا دراية لهم ‏بعلم الغيب ولا بحقوله، بل وكثير منهم يكون عاجزا عن قراءة السطور فبالأحرى قراءة ‏المستقبل، وقد تناسى هؤلاء أن الفلكي الحقيقي – راه فـ “لانازا” متسلح بالمعرفة المستفيضة من ‏الفيزياء وعلوم الذرة والرياضيات العليا، ومصقول التجربة عن طريق الإحتكاك بتجارب غيره ‏من العلماء ذوي الخبرة في المجال،مثل العالم المغربي الودغيري إضافة إلى الإنفتاح على واقع ‏مستجدات العلم الوضعي،وأفاق حاجيات الناس والمجتمع للتكنولوجيا. وللوقوف على هذا العالم ‏الغريب لهؤلاء الدجالين الذي يختلط فيه الصدق الناقص بالكذب المكشوف، والواقع المتردي ‏بالخيال العقيم، وتكتنفه العديد من الأسرار ولتقريب القارئ من الموضوع حاولنا أن نقوم بجولة ‏على بعض البؤر المعروفة التي يتردد الناس عليها.‏
وهكذا زرنا في «هاسبريس » بحي “باب أيلان “المسمى ولد الحاج،رجل في عقده الخامس، يعتبر نفسه ‏أول منجم مغربي، وأنه رئيس الإتحاد العالمي للفلكيين الروحانيين مع العلم أنه لا يفقه حتى كيفية ‏كتابة إسمه، ورث عن والده حرفة مداواة الناس بالأعشاب، كما أكد قدرته الكبيرة في صرع الجن ‏بواسطة العشوب والبخور والقرآن بعد المعاينة، يقول متحدثا لـــ «هاسبريس » عن كيفية ‏صرعه للجن .”…أنا لا أتكلم معه ولا أضرب بالعصا، بل أداوي بالبخور والقرآن فقط ، ومن ‏كانت حالته مستعصية نرسله إلى “بويا عمر”، وغير المصاب بالجن نرشده بالذهاب إلى طبيب ‏نفساني…” إضافة إلى تأكيده على قدرته الخارقة على قراءة الطالع ، “…نأخذ إسم الإنسان ‏وبرجه ونقرأ له الطالع، وتستغرق مدة قراءة الطالع ساعة أو نصف ساعة لأن برج الإنسان ‏يتغير عبر الحقب…” مضيفا أن المقبلون على الإستفادة من مؤهلاته وقدراته ليسوا فقط من ‏الدول العربية بل من أوربا أيضا، حيث أنه دائع الصيت على حد تعبيره في مجالي علم التنجيم ‏والعلاج بالأعشاب حيث استطاع بقدرته الخارقة وإلمامه الواسع بأسرارهما، أن يعالج العديد من ‏الأمراض كالعقم، الضعف الجنسي، الضيقة، الحساسية، الروماتيزم، “بوزلوم”، البواسير، ‏التابعة “وأولادها سبعة” و”بوصفير”، و”بوحمرون”، والعواية، وحتى “الزهايمر” و”الفشل ‏الكلوي” و”السيدا”…وهي مرض لا يزال إلى الآن الطب الحديث يبحث ويختبرعلاجاتها فكيف ‏لهذا الشواف الشفاء منها ؟
أوما يسمونه بالأمراض الروحانية كالسحر والعين، ثقاف النفس، تعسر الزواج وإزالة العكس ‏والتابعة…، وهو يعتمد في ذلك كما زعم في إطار حديثتا معه على أساليب علمية بعيدة عن كل ‏أنواع الشعوذة والدجل والسحر الشيطاني مدعيا أنه صاحب خبرة وتجربة في المجال مدتها 27 ‏سنة، وأنه دارس للتنجيم الفلكي، وله شواهد عليا منحها له “الشيخ حسب الله” الذي يلقب أو يتوج ‏نفسه (عالم الفلك والشفاء من السحر) على رأس أمثاله من المشعوذين والدجالين، والأغرب من ‏ذلك أنه تسلل إلى عقل الإعلام العربي ليروج لادعاءاته ، ليبيع أوهامه بالدولار متاجرا في ذلك ‏بآلام اليائسين والمتعبين من ضربات القدر، فهو لا يتورع عن طلب ثمن الوهم الذي يبيعه لهم ‏وبالعملة الصعبة من خلال أمور الشعوذة والدجل التي يمارسها، ادعاء معرفة الماضي والحاضر ‏والمستقبل، ليتطور الدجل على يديه تطورا يتناسب وتقنيات العصر.‏

‏”كسكس بيد الميت”‏

أما في جماعة مولاي إبراهيم بإقليم الحوز، فقد حط الرحال من قلب سوس وبالضبط منطقة ‏إنزكان رشيد ، وهودجال يدعي كغيره جمعه بين علم الفلك والدراية الكبيرة بعلم الأعشاب في ‏حين أن كلا منهما علم قائم بذاته مع تأكيده لنا أنه يعالج الصدفية مائة بالمائة إلى جانب أمراض ‏أخرى وله تجربة في المجال فاقت 30 سنة، وآخر معجزاته تخليصه لفتاة إيطالية تدعى ‏‏”فكتوريا” من جن مغربي كان يسكنها واعتناقها بعد ذلك الإسلام، مضيفا ومدعيا أنه يعالج ‏بالقرآن الكريم والأعشاب جميع الحالات العضوية أو غير العضوية .‏
في حين، وعلى تراب بلدية بن ﯖـرير فقد اشتهر مشعوذ كبير، يدعى “الحاج” روج لكونه أول ‏من يقرأ خط الرمل في المغرب، وذلك قبل أن يعفو عنه الله”ويصبح صحفيا، يحمل في جيبه ‏بطاقة “وزارة مصطفى الخلفي، ويتكلم “بحال شي واحد واعر” على هفوات حكومة “عبد ‏الإلــــه بن كيران”.‏
في نفس المنطقة بن ﯖـرير عرفت في بداية التسعينيات، حكاية زوجة الحاج التي “تكسكس بيد ‏الميت” دائما قبيل الإنتخابات البرلمانية. وهي الحكايات التي مرت بعض فصولها ببرنامج وقائع ‏الذي كانت تبثه القناة الثانية “دوزيم”.‏

سـُـمُّ الأفاعــي

‏ ‏
وللإشارة، فقد كانت مدينة مراكش، قبل عقود ، في أواخر الثمانينيات قد عاشت على نازلة ذات ‏علاقة بالشعوذة، سرعان ما تحولت إلى جريمة قتل ، بطلتها سيدة متزوجة، وأم لطفلين، ‏وضحيتها زوجها ووالد طفليها .‏
فقد ظلت الزوجة تشتكي لصديقاتها من كثرة ملاحظات وانتقادات زوجها، إلى أن أشارت عليها ‏إحداهن بضرورة إطعامه من خبز، يبيتُ في فم شخص ميت ، واكدت لها صديقتها انه سيجعل ‏من زوجها خاتم في اصبعها وتابعا لها على أن تُعطي مبلغا خياليا من المال لأحدى الممرضات ‏من صديقاتها بمستودع الأموات لتتكفل بترك العجين في فم أي شخص ميت، يتم إيداعه في ‏المستودع ، في أفق قدوم عائلته لدفنه، أو ريثما يتم إستكمال إجراءات الدفن القانونية .‏
وقد وافقت الزوجة المخدوعة بسرعة فهذا ما كانت تتمناه من زمان‎ ‎، فعجنت دقيقا كما يعجن ‏الخبز العادي ، وسلمته للممرضة المعنية ليضعه في فم أي ميت بمستودع الأموات، قصد أن ‏يبيت في فمه ليلة كاملة.‏
وإتَّفـَـقَ أن تم إيداع جثة مروض ثعابين ، معروف بساحة جامع الفنا، ومتجول بمختلف الحدائق ‏الخارجية لفنادق مدينة مراكش في مستودع الأموات ، حيث كان قد قضى نحبه بعدما لدغته ‏أفعى، من الأفاعي التي يشتغل بها .‏
وبالفعل، وحسب الإتفاق ، تناولت ممرضة المستودع العجين ، وإنتظرتْ إلى ساعة انصراف ‏الموظفين بمستودع الأموات، فوضعت العجين في فم مروض الأفاعي ، بعدما فتحت احدى ‏الثلاجات بشكل عشوائي وفتحت بعدها فم الميت بسرعة ودست فيه العجينة ثم اسرعت الى ‏الخارج.‏
ولقد باتت الزوجة ليلتها بجوار زوجها بينما بات عملها الخسيس في فم الميت وفي الصباح الباكر ‏وقبل حضور الموظفين دخلت الممرضة المشرحة واخرجت العجينة والفرح يملأ قلبها، لأن ‏إستكمال المبلغ المتفق عليه ينتظرها،فأخذت العجين،وناولته الزوجة .‏
وإلى هنا، فقد تم تنفيذ اصعب ما في الموضوع، فاسرعت الزوجة الى البيت لتَخْبِز الخُبزة التي ما ‏ان نضجت حتى انتشرت رائحتها الزكية في ارجاء المنزل فقدمتها لزوجها الذي اشاد بالرائحة ‏التي لم يشتم مثلها من قبل وتناولها كلها وهو يشكر لزوجته اجتهادها في خدمته ثم ذهب ليستحم ‏ويبدل ملابسه استعدادا للخروج الى العمل وما ان فتح باب المنزل حتى سقط وهو يتلوى من الالم ‏الذي داهمه فجأة في بطنه وتفاجأت الزوجة فاسرعت به الى المستشفى ولكن قدر الله سبقها فقبض ‏روح الزوج ولم يستطع الاطباء فعل شيء وعند تشريح الجثة وجد أن سبب الوفاة هو التسمم ففتح ‏التحقيق مع الزوجة وسُئِلت ما آخر شيء اكله الضحية زوجها او شربه فقالت خُبزة خبزتها له ولم ‏تذكر قصة الخبزة للسلطات الأمنية، وعندما تم الضغط عليها من قبل المحققين، ومحاصرتها ‏بالحيثيات والأسئلة اعترفت بالقصة كاملة ودلتهم على الصديقة وعلى ممرضة مستودع الأموات ‏الذي اتفقت معها، وعلى الجثة التي وضعت بها العجينة وعند التحقيق مع جميع الاطراف اتضح ‏ان الجثة التي دست في فمها العجينة هي جثة مروض الأفاعي المذكور، الذي لدغته الأفعى، وان ‏العجينة قد تشربت من بواقي السم التي في فم الجثة مما تسبب في قتل الزوج المسكين وفي كشف ‏الخطة القذرة التي كانت تحاك له وقبض على الزوجة وصديقتها والممرضة ليلقوا جزاءهم في ‏الدنيا قبل الآخرة.‏‎ ‎

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.