فـوبــيا إليكــترونية

مليكـة المرابـــط  :

 
هكذا أصبحت حالتي بسبب الإيميلات المجهولة التي تصلني ، و‏بسبب كثرة وحجم هذه الرسائل ‏الإليكترونية ذات الطابع “الإحساني”، فقد توقفت عن شرب الكولا ومجموعة من ‏أنواع العصير البلدي الذي يباع على العربات، والرومي الذي يعبأ في العلب،بعد أن ‏عرفتُ انه بعضه قادر على إزالة بقع الحمامات‎ ‎التي كنا نظن أنها خالدة، و‎ ‎لم اعد ‏اذهب إلى السينما أو المسرح بسبب ‏خوفي من أن اجلس على كرسي فيه ابره تحتوي ‏على فايروس‏ السيدا، ولم اعد احتسي أي نوع من القهوة حتى لا أساعد إسرائيل و لم ‏اعد أزدرد الشوكولاته ‏والعلكة وحتى الزريعة لأنها في غالبيتها معجونه بشحم ‏الخنزير وما عاف السبع .‏
وقمت بإعادة إرسال مئات ‏الإيميلات طامعة بأن ادخل الجنة، عبر الطريق ‏الإليكترونية، وقلتُ في نفسي إن لم أرسلها ، فحتما سأُحشر مع أهــل النار والعياذ بالله ‏‏.‏
والغريب أن بعض الناس ممن عرفوا بالطيبة والطيبوبة باتت ‏‎ ‎رائحتهم ‏تشبه رائحة ‏‏الكلب الميت بعد أن دخلهم الوسواس الإليكتروني بدورهم، وقرءوا في إيمايلات ‏الإحسانية أن مزيلات العرق وبعد العطور وأنواع الصابون تسبب السرطان.‏
ولم يعد معظمهم يضع سيارته في الكراجات الكائنة تحت عمارات سكناهم أو أمامها ‏وإنما أصبحوا يضطرون إلى المشي مسافات طويلة خوفا من أن يأتي ‏شخص ‏‏ويرشهم بمخدر ويقوم ‏بسرقتهم أو إختطافهم .‏
وفي الأسبوع، المنصرم قام صديق جامعي برمي جميع الكراسي والطاولات والعلب ‏والصحون والمعالق البلاستكية التي بمنزله لأنها تسبب السرطان مما جعل ‏زوجته ‏تشك في صحة قدراته العقلية.‏
بل أن البعض توقفوا عن الإجابة على الهاتف ‏خوفا من أن تنضاف على فاتورت ‏مكالماتهم اليومية مكالمات أخرى مدسوسة إلى نيجيريا وأوغندة و‏الباكستان، وجزر ‏سيشيل والباهاماس وبلاد الواق واق.‏
كل هذا وذاكـ ، كان بسبب الإيمايلات “الإحسانية”، وصور الأمر باللامألوف والنهي ‏عن البديهي .‏
وبسبب هذه الإيمايلات “الإحسانية” توقفت سيدة من صديقاتي عن إحتساء أي مشروب ‏في علبة مقفلة خوفا ‏من أن تحتوي على بول أو فضلات الفئران والجردان، وصارت ‏لاتنظر إلى أي فتاة جميلة خوفا من أن تستدرجها إلى بيتها ‏وتقوم بتخديره ثم ‏تأخذ ‏إحدى كليته وتتركها نائمة في حوض استحمام محاطة بالثلج، كسمك متقادم.‏
وإني لأعرف محسنا مراكشيا صرف جزءا محترما من مدخراته على حساب الطفلة ‏‏”‏سعاد الغامدي” وهي طفلة مريضه بالسرطان أوشكت أن تموت أكثر من سبعة آلاف ‏‏مرة .. والمسكينة ما زال عمرها 7 سنين منذ سنة 1993، وشابا متأسلما ومتحمسا ‏إقترح على عائلته أن تستغني عن التلفزيون والثلاجة والغسالة والكمبيوتر ‏وساعات ‏الحائط والمكنسة الكهربائية والسخان لأنها من إختراع شركات صهيونية .‏
ورغم ذلك، لايزال البعض من أبناء المغرب الأسخياء على أتم ‏استعداد في أن ‏يساعدوا أي شخص من نيجريا يريد أن يستخدم حسابهم ‏لتحويل أملاك ‏عمه أو خاله ‏المتوفى والتي تزيد عن مئات ملايين الدولارات، ولا يبالون حتى بمن يسكن معهم في ‏نفس الحي من ضحايا الفقر والهشاشة .‏
بل أن هذا الوسواس الإليكتروني، وصل إلى أئمة المساجد والخطباء والمؤذنين ، فقد ‏تحدث خطيب شاب من حي المسيرة بمراكش، أنه قام بإرسال مئة رسالة إليكترونية، ‏لمايفوق مئة شخص، خشية أن يأتي يوم القيامة ويقول يا ليتني أرسلتها قبل أن أموت، ‏وكأن لذلك سند من الذكر الحكيم أو السنة المحمدية الشريفة.‏
والطامة الكبرى أن مدير مؤسسة تعليمية بالدار البيضاء قام بإعادة إرسال مئات ‏الصور لآلهة هندوسية موضحا أن العملية تجلب السعد والحظ ، وخالطا بين التربية ‏الإسلامية و”التربية الوثنية”.‏

قد يعجبك ايضا مقالات الكاتب

أترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.