يعتقد الكثير بما فيهم حتى أكثر المؤرخين، أن التاريخ المصري يبدأ مع بداية ظهور الأسر الفرعونية في أعقاب توحيد الملك “مينا” لصعيد مصر مع الدلتا ، لكن قلائل هم من يعلمون طبيعة الحقبة التاريخية في عصر ما قبل الفراعنة وطبيعة التركيبة السكانية في ذلك الوقت، والموطن الأصلي للسكان الذين استقروا على ضفاف نهر النيل.
فمنذ ما يقارب 30 قرنًا من الزمان، في الفترة ما بين توحيدها حوالي عام 3100 قبل الميلاد إلى غزوها من قبل الإسكندر الأكبر في عام 332 قبل الميلاد، كانت مصر القديمة هي الحضارة البارزة في العالم المتوسطي، فمن الأهرامات العظيمة للمملكة القديمة مرورًا بالفتوحات العسكرية للمملكة الجديدة، كان لمصر ومكانتها تأثير قوي لدى علماء الآثار والمؤرخين، وخلقت هذه الفترة حقلاً نابضًا بالحياة العلمية عرفت إصطلاحا بعلم المصريات.
لكن ما قبل هذه الفترة ربما يبدو غامضًا للكثير منا، لذلكــ سنلقي في هذا التحقيق ، المترجم من طرف “هاسبريس”نظرة واسعة على طبيعة الوضع في مصر قبل توحيد شمالها وجنوبها، من طرف “مينا” أول الفراعنة، وبدايات استيطان البشر بمنطقة وادي النيل.
عصر ما قبل الفراعنة الأوائل
نعتبر فترة ما قبل الأسرات في مصر القديمة، هي تلك الفترة قبل بدء عملية تسجيل التاريخ، والتي تمتد من العصر الحجري القديم إلى العصر الحجري الحديث، وحتى صعود الأسرة الفرعونية الأولى، ويعترف عمومًا بأنها تمتد في الحقبة بين عامي 6000 إلى 3150 قبل الميلاد ،على الرغم من وجود بعض الأدلة المادية التي تؤكد أن الفترة قد تكون أطول .
وفي حين، أنه لا توجد سجلات مكتوبة لهذه الفترة، فقد كشفت الحفريات الأثرية في جميع أنحاء مصر عن قطع أثرية تروي قصتها الخاصة بتطور الثقافة في وادي نهر النيل. وتسمى الفترات الزمنية الخاصة بعصر ما قبل الأسرات طبقًا للمناطق أو مواقع المدن القديمة التي تم العثور على هذه القطع الأثرية فيها، وهي لا تعكس أسماء الثقافات التي عاشت بالفعل في تلك المناطق.
فقد أعطِيَ إسم فترة “ما قبل الأُسَر” من طرف البعثات الأثرية التي إشتغلت في مصر قبل أن يجري الوقوف على العديد من أهم الاكتشافات وفهرستها، مما دفع بعض العلماء إلى الجدال حول الفترة التي تبدأ عندها هذه المرحلة التاريخية الغامضة، والأهم من ذلك، متى تنتهي.
بوادر التوثيق لتاريخ مصر
من خلال رسم تاريخ مصر القديمة، يعتمد العلماء على الأدلة الأثرية والأعمال القديمة مثل التسلسل الزمني للمؤرخ مانيثو المصري، ومانيثو هو الكاتب الذي كتب «إيجيبتياكا – Aegyptiaca»، تاريخ مصر، في القرن الثالث قبل الميلاد، ويعده الباحث “دوغلاس بريور كتاب” تاريخ مانيثو”، بكونه المصدر الوحيد حول التسلسل الزمني للأحداث في مصر القديمة ، والمرتبة من الأقدم إلى الأحدث، وفقًا لعهد أي ملك “فرعون”معين.
ويضيف “بريور”أن أصل النظام الزمني السلالي يرجع إلى زمن الإسكندر الأكبر، غير أنه بعد وفاة الإسكندر، انقسمت إمبراطوريته بين جنرالاته، وكان واحدا منهم، بطليموس، الذي حصل على أغنى جائزة، تمثلت في أرض مصر،وفي عهد ابنه، بطليموس الثاني فيلادلفوس في ستة 280 قبل الميلاد، كتب كاهن مصري يدعى مانيثو تاريخًا مكثفًا للحكام اليونانيين الجدد حول مصر، وطنه الأم.
وكان مانيثو، مُواطنا من سيبنيتوس وهي سمنود حاليًا في الدلتا، وكان قد تلقى تعليمه على التقاليد القديمة، وعلى الرغم من أن كهنة مصر كانوا يشتهرون بتسليم الحكايات والأنباء السارة والمعلومات للوافدين من الشعوب المجاورة،فإن أيًا من هؤلاء الوافدين لم يحاول أبدًا تجميع تاريخ كامل لمصر.
لكن لسوء الحظ، فقدت مخطوطة مانيثو الأصلية، والسجل الوحيد المتاح لهذا التسلسل الزمني هو الذي توفر من أعمال المؤرخين في وقت لاحق مثل فلافيوس جوزيفوس فيما بين سنتي37و100م، وقد أدى هذا إلى بعض الجدل حول مدى دقة التسلسل الزمني لمانيثو ولكن، على الرغم من ذلك، فإنه يجري استشارته بشكل روتيني من قبل العلماء وعلماء الآثار والمؤرخين في رسم تاريخ مصر القديمة.
وتعتمد المناقشات التالية لعصر ما قبل الأسرات على الاكتشافات الأثرية على مدى الـ 200 عام الماضية وتفسيرها من قبل علماء الآثار، ولكن تجدر الإشارة إلى أن التسلسلات التاريخية التي سنذكرها لم تتبع بعضها بعضًا بسلاسة، مثل الفصول في كتاب، فالثقافات المختلفة في فترة ما قبل الأسرات يمكن أن ينظر إليها على أنها مجرد تطورات لثقافة واحدة.
مهد الاستيطان الأول
يعتقد البعض أن أقرب دليل على وجود سكان استوطنوا منطقة وادي النيل يعود إلى 700 ألف سنة، فقد جرى العثور على أقدم دليل على الهياكل المكتشفة حتى الآن في منطقة وادي حلفا، في النوبة القديمة، في السودان الحديث، وقد جرى بناء هذه المجتمعات من قبل مجتمع الصيادين والجمَّاعيين (ممن يجمعون الفواكه والغذاء) الذين شيدوا منازل متنقلة من أرضيات مصنوعة من الحجر الرملي المسطح والمغطاة بالجلود الحيوانية.
وقد اختفت الهياكل الفعلية منذ قرون، بطبيعة الحال، إلا أن آثار هؤلاء البشر في الأرض، بالأرضيات الحجرية المصنوعة، ظلت قائمة. وجرى اكتشاف هذه الآثار من قبل عالم الآثار البولندي والديمار شميلوسكي عام 1980م، وقد جرى صناعة هذه البيوت في صورة خيمة حلقية، تتميز بأنها توفر مساحة للمأوى ثم يمكن بسهولة أن تؤخذ وتحرك، وتعود هذه الحلقات إلى العصر الحجري القديم المتأخر حوالي 40 ألف سنة قبل الميلاد.
واستمرت مجتمعات الصيد والتجمع في المنطقة، حيث تم تصنيع الأدوات الحجرية بمهارة أكبر، ثم ازدهرت ثقافة «هالفان» منذ 30 ألف سنة قبل الميلاد في المنطقة بين مصر والنوبة، وهي التي أعطت الطريق لثقافتي قادان وسيبيليان (حوالي 10 آلاف سنة قبل الميلاد) والثقافة الحريفية في الوقت نفسه تقريبًا، وتتميز جميع هذه المجتمعات بأنها مجتمعات صيد، والذين أصبحوا في نهاية المطاف أكثر استقرارًا، ليستقروا في مجتمعات أكثر اعتمادًا وتركيزًا على الزراعة.
ولعل واحدة من الأسرار الأكثر إثارة للاهتمام في عصور ما قبل التاريخ في مصر، هو الانتقال من العصر الحجري القديم إلى العصر الحجري الحديث، ويمثلها التحول من الصيد والتجمع للزراعة المستقرة. نحن نعرف القليل جدًّا عن كيفية هذا التغيير وسببه، ولعل هذا التحول الثقافي لا يمكن الوصول إليه في أي مكان أكثر منه في منخفض الفيوم.
هذا المنخفض، المعروف أيضًا باسم واحة الفيوم، هو حوض طبيعي جنوب شرق هضبة الجيزة، والذي أدى إلى ظهور الثقافة المعروفة باسم «الفيوم أ» أو «Faiyum A» في الفترة مابين 9000-6000 قبل الميلاد،وكان هؤلاء الناس يسكنون المنطقة المحيطة ببحيرة كبيرة ويعتمدون على الزراعة والقنص في البراري والمروج والصحاري وعلى صيد الأسماك من أجل معيشتهم.
أصل المصريون الأوائل
فقبل التحدث عن طبيعة الحياة في مرحلة ما قبل الأسر لفرعونية الأولى الحاكمة، لابد من عرفة من أين جاء المصريون في هذه الفترة ؟، فبالتأكيد هم لم يزرعوا في هذه الأرض، بل انتقلوا إليها من مناطق مجاورة.
إذ في عهود ما قبل التاريخ، حدثت هجرات من أماكن كثيرة بالعالم بحثًا عن المراعي والصيد وجمع المواد الغذائية، مثل الهجرات التي انطلقت من وسط وشمال إفريقيا بعد تصحر الأراضي وتكون الصحراء الكبرى، إلى وادي النيل وساحل إفريقيا الشمالي، ونتج منها شعوب ما تزال موجودة في هذه المناطق، وإذا ما ركزنا على وادي النيل، فنتيجة لوجود الماء والمراعي واعتدال الجو، قد بدأ الكثير من المهاجرين يفضلون الاستقرار وعدم استكمال الهجرات لمكان آخر.
هنا تكونت ثلاثة شعوب قريبة بعضها من بعض: المصريون، والكوشيون وهم السودانيون حاليا، والبجّا وهم شعوب أعالي النيل الذين يتبعون السلالة الحامية، فأما الكوشيون فهم من سلالة كوش بن حام بن نوح ويعتبرون أصل النوبيين، وأما المصريون فإنهم من نسب مصرايم بن حام الذي يعد مؤسس مصر في البدايات.
وكانت صحراء جنوب أسوان وشلالات النيل الأول والثاني والثالث حواجز طبيعية ساهمت في الفصل بين شمال وادي نهر النيل وجنوبه بأكمله، أضف إلى هذا صحراء وجبال الجهة الشرقية، وصحراء ووادي الرمال بالجهة الغربية التي كانت كحواجز طبيعية ، والبحر المتوسط في الشمال، كل هذا ساهم في زيادة تركيز السكان على ضفاف نهر النيل في مصر.
هذا من جهة منطقة مصر العليا أو صعيد مصر، فقد حدثت هجرات أخرى في عصور لاحقة من شعوب البحر من سكان كريت والجزر المتناثرة في البحر الأبيض المتوسط وجنوب آسيا الصغرى واليونان إلى منطقة شرق المتوسط وتحديدا بساحل الشام وشمال مصر، حيث إستوطن هؤلاء سواحل وأواسط الدلتا وانصهروا بشكل قوي مع سكان الوادي، الذين بدأوا في صعيد مصر، ثم هاجر بعضهم نحو الشمال عبر مئات أو حتى آلاف السنين.
وعليه، فإن هذا الإمتزاج أنشأ شعبين، أحدهما في الشمال بمنطقة الدلتا، ويعتبر خليطًا من الشعوب الحامية وسكان البحر المتوسط، والجنوب (مصر العليا). والآخر في الجنوب نتيجة الهجرات الإفريقية.
مصر السفلى وشعب الفيوم
بنى شعب «الفيوم أ» أكواخ القصب مع أقبية تحت الأرض لتخزين الحبوب، وقام بتدجين الأبقار والأغنام والماعز، كما جرى تطوير السلال والفخار، وبدأت أشكال مركزية من الحكومة القبلية في هذه الفترة مع زعماء القبائل الذين يملكون السلطة، والتي تم نقلها إلى الجيل القادم عبر وحدة أسرة أو قبيلة. نمت المجتمعات من القبائل الصغيرة التي سافرت معًا إلى مجموعات ممتدة من القبائل المختلفة التي تعيش في منطقة واحدة بشكل مستمر.
كما تطورت ثقافة «الفيوم أ» إلى ميريمدا خلال 5000 و4000 سنة قبل الميلاد، وقد أطلق عليها هذا الاسم بسبب اكتشاف القطع الأثرية الخاصة بهذه الثقافة في موقع يحمل هذا الاسم على الضفة الغربية من دلتا النيل، ووفقًا للباحث مارغريت بونسون، فإن أكواخ القصب في فترة الفيوم أفسحت المجال أمام «أكواخ قطبية مؤطرة، مع فواصل الرياح، واستخدم البعض مساكن شبه تحت الأرض، وبناء الجدران عالية بما فيه الكفاية للوقوف فوق سطح الأرض، وجرى ترتيب هذه الأكواخ في صفوف في نمط دائري».
وقد جرى تحسين هذه التطورات من قبل ثقافة العمري خلال 4000 قبل الميلاد التي بنيت أكواخ بيضاوية مع مزيد من التطور فيما يتعلق بجدران من الطين الجص، وقد قاموا بتطوير أدوات الشفرة والحصير المنسوج للأرضيات والجدران والسيراميك الأكثر تطورًا.
وتطورت ثقافات المعادي وتاسيان في الوقت نفسه الذي تميزت فيه ثقافة العمري بمزيد من التطورات في الهندسة المعمارية والتكنولوجيا، واستمروا في استخدام السيراميك بدون زخرفة، واستفادوا من الطحالب، ويبدو أن تقدمهم الأكبر كان في مجال الهندسة المعمارية؛ حيث كان لديهم مبان كبيرة شيدت في مجتمعهم مع غرف تحت الأرض، وسلالم، وموقد.
قبل ثقافة المعادي، دفن المتوفى في منازل الناس أو بالقرب منها، ولكن في حوالي سنة 4000 قبل الميلاد، أصبحت المقابر تستخدم على نطاق واسع، وحدثت تحسينات في جرار التخزين والأسلحة في هذه الفترة أيضًا بشكل واضح.
مصر العليا والثقافة البدارية
كل هذه الثقافات نمت وازدهرت في المنطقة المعروفة باسم مصر السفلى شمال مصر على الدلتا الأقرب إلى البحر الأبيض المتوسط بينما تطورت الحضارة في صعيد مصر في وقت لاحق، ويبدو أن ثقافة بدريان فيما بين 4500-4000 قبل الميلاد، كانت نتيجة لثقافة تاسيان، على الرغم من أن هذا أمر متنازع عليه. العلماء الذين يدعمون الرابط بين الأمرين يعود في نظرهم إلى التشابه في السيراميك وغيرها من الأدلة مثل صنع الأدوات، في حين أن أولئك الذين يرفضون هذا القول يقولون إن بادريان كانت أكثر تقدمًا وتطورت بشكل مستقل.
ولقد عاش شعب الثقافة البدارية في خيام متنقلة، تمامًا مثل أسلافهم القدامى، لكنهم يفضلون في المقام الأول الأكواخ الثابتة. كانوا مزارعين زرعوا القمح والشعير والأعشاب واستكملوا غذاءهم النباتي إلى حد كبير من خلال الصيد، كما قدمت الحيوانات المستأنسة الأغذية والملابس وكذلك مواد للخيام.
إلى ذلكــ ،جرى العثور على عدد كبير من الأدوات في المقابر الخاصة بهذه الفترة بما في ذلك الأسلحة والأدوات الأخرى مثل العصي والسكاكين ورؤوس السهام، ودفن الناس في المقابر وجرى تغطية الجثث بالجلود الحيوانية، ووضع الجثث على الحصير من القصب. خلال هذه الفترة جرى دفن القرابين الغذائية والأمتعة الشخصية مع الموتى، مما يشير إلى تحول في هيكل الاعتقاد أو على الأقل في ممارسات الدفن، حيث كان يعتقد في ذلك الوقت أن المتوفين يحتاجون إلى بضائع مادية في رحلتهم إلى الآخرة، وهو ما مثل البداية لتطور هذا المعتقد بشكل رئيسي في الثقافة الفرعونية، وقد تحسنت أعمال السيراميك بشكل كبير خلال ثقافة البادارية، وكان الفخار الذي أنتجته هذه الثقافة أرق وأكثر دقة من الفترات السابقة.
بعد هذه الفترة جاء ثقافة العامري والمعروفة أيضًا باسم نقادا الأولى في الفترة مابين 4000-3500 قبل الميلاد، وهي الثقافة التي خلقت مساكن أكثر تطورًا حيث تحتوي على نوافذ، ولها بالتأكيد موقد، والجدران من التعريشات والجص، ومصدات الرياح خارج المدخل الرئيسي.
فقد كان الخزف والسيراميك متطورًا للغاية، كما كانت أعمال فنية أخرى مثل النحت. إذ مهد سيراميك ثقافة بدريان الطريق للسيراميك الأحمر المزخرف بصور الناس والحيوانات. في وقت ما حوالي 3500 قبل الميلاد بدأت ممارسة التحنيط واستمرت القرابين والأدوات توضع مع المتوفى، وقد تعززت هذه التطورات من قبل الثقافة الجرزية 3500-3200 قبل الميلاد، والمعروفة باسم نقادا الثانية، وهي الثقافة التي بدأت التجارة مع المناطق الأخرى التي ألهمت تغييرات في الثقافة والفن.
كان النحاس واضحًا في الأسلحة وفي المجوهرات، واستخدم هذا الشعب الذهب والفضة، وكانت شفرات الصوان متطورة بالإضافة إلى حبات وتمائم مصنوعة من المعادن واللازورد، وكانت المنازل مصنوعة من الطوب المحروق في الشمس، وبها باحات مميزة أكثر تكلفة وهي التي أصبحت شائعة في المنازل المصرية في وقت لاحق، كما أصبحت القبور أكثر زخرفة، واستخدم فيها الخشب في قبور الأثرياء والأكشاك المنحوتة في الجانبين، وأصبحت مدينة أبيدوس، شمال نقادا، موقعًا مهمًا للدفن، وأقيمت مقابر كبيرة بحيث كانت الواحدة تضم اثنتي عشرة غرفة، والتي نمت لتصبح مدينة للموتى، وقد بنيت هذه المقابر أصلاً باستخدام الطوب الطين ولكن، في وقت لاحق جرى بناؤها من الحجر الجيري الكبير؛ وفي النهاية سيصبح الموقع مكان الدفن لملوك مصر.
وجرى وضع النص الهيروغليفي، في نقطة ما بين 3400-3200 قبل الميلاد، وكانت تستخدم لحفظ السجلات ولكن لم يتم العثور على جمل كاملة من هذه الفترة. أول كتاب مصري تم اكتشافه حتى الآن جاء من أبيدوس، وجرى العثور عليه على السيراميك، وانطباعات من الختم على الطين، وقطع العظام والعاج. لا تظهر أي أدلة على جمل كاملة في مصر حتى عهد الملك بيريبسن في الأسرة الثانية خلال الفترة الفاصلة مابين 2890 و2670 قبل الميلاد.
أدت هذه الفترة إلى ثقافة نقادا الثالثة خلال الفترة مابين 3200- 3150 قبل الميلاد، والتي، يشار إليها أحيانًا باسم «السلالة صُفَر» أو الفترة الممهدة لعصر الأسر الفرعونية، والتي يبدأ خلالها التاريخ المكتوب لمصر.
وتظهر فترة نقادا الثالثة تأثرًا كبيرًا بثقافة بلاد ما بين النهرين التي كانت مدنها على اتصال بالمنطقة من خلال التجارة. إن طريقة تصنيع الطوب والبناء، وكذلك القطع الأثرية مثل الأختام الأسطوانية، والرموز على جدران القبر، والتصاميم على السيراميك، وربما حتى الشكل الأساسي للدين المصري القديم يمكن أن تعزى إلى تأثير بلاد ما بين النهرين.
وكيفما كان الوضع، فقد جلبت التجارة أفكارًا وقيمًا جديدة لمصر إلى جانب بضائع التجار، وكانت النتيجة في نظر بعض الباحثين هي مزيج مثير للاهتمام من الثقافات النوبية، وبلاد ما بين النهرين، والمصرية (على الرغم من أن هذه النظرية يتم تحديها بشكل روتيني من قبل علماء كل ثقافة).
هذا، وتظهر القبور الأثرية في أبيدوس ومدينة هيراكونبوليس على حد سواء علامات تأثير بلاد ما بين النهرين، وأدت التجارة مع كنعان إلى ظهور مستعمرات مصرية فيما يعرف الآن بجنوب إسرائيل، ويمكن تحديد التأثيرات الكنعانية من خلال خزف هذه الفترة، ونمت المجتمعات وازدهرت التجارة ونما السكان في كل من مصر السفلى والعليا.
كما نمت المجتمعات الصغيرة من المنازل والمباني المصنوعة من الطوب إلى مراكز حضرية أكبر، والتي سرعان ما هاجمت بعضها بعضًا على الأرجح نتيجة المنافسة على السلع التجارية وإمدادات المياه، وكانت المدن الكبرى الثلاث في صعيد مصر في هذا الوقت هي ثينيس ونقادا ونيخن.
ويبدو أن ثينيس قد غزت نقادا ثم ضمت نيخين، وقد خاض هذه الحروب الملك العقرب، الذي يتم الاعتراض على هويته من قبل بعض الدارسين، ضد الآخرين، الملكين كا ونارمر. وفقًا لبعض العلماء، كان الملوك الثلاثة الأخيرين لهذه الفترة هم العقرب الأول، والعقرب الثاني، و”كا” المعروف باسم سيخين، وذلك قبل أن يغزو الملك نارمر أو “مينا” ويوحد مصر العليا والسفلى وينشئ الأسرة الأولى.
وغالبًا ما يتم تحديد الملك “نارمر” بأنه الملك مينا من التسلسل الزمني لـ «مانيثو»، ولكن هذا القول غير مقبول عالميًّا، إذ لم يتم العثور على اسم مينا إلا في «مانيثو» وتسلسل قائمة الملك “تورتينيو”، في حين تم تحديد “نارمر” باعتباره الحاكم المصري الفعلي من خلال اكتشاف لوحة نارمر، التي تحمل اسمه ، كما وُجدت في مقبرته.
ويقال إن مينا قد غزا أراضي مصر، وبنى مدينة ممفيس عاصمة له، بينما يزعم أن نارمر وحد الأراضي سلميًا، وعليه، فإن هذا الاستنتاج توصل له البعض، ومع ذلك، فقد جرى التعرف على وجود ملك اسمه نارمر بالتأكيد من خلال لوحته كزعيم عسكري قهر أعداءه وأخضع الأرض.
كما لم يتم التوصل إلى أي توافق في الآراء حول أي من هذه الأقوال هو أكثر دقة، أو ما إذا كان الملكان الاثنان في الواقع هما الشخص نفسه، ولكن معظم العلماء يفضلون الرأي القائل بأن نارمر هو مينا كنتيجة لتسلسل «مانيثو»، ويزعم أيضًا أن نارمر كان آخر ملك في فترة ما قبل الأسرات، بينما كان مينا هو مؤسس أول أسرة في وقت مبكر، وعلاوة على ذلك، فإن البعض يرى أن مينا كان في الواقع هو هور- آها، المدرج من قبل مانيثو كخليفة للملك مينا.
وعلى كل حال، فإن الملك العظيم “نارمر” أو “مينا” وحد الأراضي المصرية، بعدما أنشأ حكومة مركزية وعصر معرفة باسم فترة الأسر الفرعونية التي من شأنها أن تبدأ ثقافة ستستمر ثلاثة آلاف سنة تالية، إلى فترة غزو الإسكندر المقدوني لمصر .