سقوط بغداد في يد”هولاكو”و مقتل المستعصم،آخر خلفاء بني العباس
مصادر تاريخية :
قتل هولاكو في غزوه مليون وثمان مئة مسلماُ، ثم إعدام المستعصم وأنهى الدولة العباسية ..
مــحــمـد الـقـنـور :
تحدد المصادر التاريخية الإسلامية والغربية سقوط بغداد بدخول المغول بقيادة “هولاكو خان” حاكم “إلخانيّة فارس”إلى مدينة بغداد مركز الدولة العباسيّة، وعاصمة الخلافة الإسلاميّة بتاريخ 10 فبرايرعام 1258م بأمرٍ وتكليف من ملكه وشقيقه الخاقان الأكبر “مونكو خان”، وذلكــ قصد استكمال الفتوحات المغوليّة في الجنوب الغربي الآسيوي، والتي بدأها جدهم الأمبراطور “جنكيز خان”.
فقد حوصرت مدينة بغداد مدّة اثني عشر يوماً قبل دخولها وتدميرها وقتل معظم سكانها، فقد بدأ “هولاكو” التحرك باتجاه بغداد في أواخر شهر يناير من سنة 1257م، بجيش جرار وبصحبته أُمراء المغول والقادة وحُكامٌ وكُتّابٌ من إيران، فلمَّا وصل أسد أباد، أرسل للخليفة المُستعصم يأمُره بأن يأتيه، فماطلهُ المُستعصم في البداية، ثُمَّ حاول استرضائه ومُهادنته، فأرسل له هدايا نفيسة مع وفد يُفاوضه ويستأمن على حياة الخليفة وعائلته، ويُثنيه عن احتلال بغداد .
وكان الخليفة العباسي المستعصم يُدرك مدى علاقة هولاكو بالمسيحيين الشرقيين السُريان؛ نظرًا لِكون زوجة “هولاكو” دوقوز خاتون مسيحيَّة نسطوريَّة، فأراد استغلالها، فأرسل وفدا محمّلاً بالهدايا الغالية والحلي والنفائس الثمينة.
وقد حذر ابن الجوزي الذي كان ضمن الوفد، هولاكو من خطر الهجوم على بغداد، كما عرض عليه تسليمه خزائن المدينة مقابل الرجوع عن احتلالها،ولكنّ هولاكو رفض كل ذلك،وأراد الانتقام من الإهانة التي حصلت لرسله، وفي أثناء مسيره هاجمت بعض قواته بقيادة “قدغان” و”كتبغا نوين” قبائل للأكراد عند ديار بكر، مما أدى إلى خوفهم وفرارهم إلى الجبال، ولكنّ قوات المغول تعقبّتهم وقتلت البعض، وأسرت الباقين، كما أن المغول نهبوا كرمانشاه”شرق الباكستان حاليا “، وبعد ذلك هاجموا طلائع الجيش البغدادي، وأسروأ “أيبك الحلبي” و”سيف الدّين قلج”، وتم استخدامهما كمرشدين لقوّات المغول.
في 16 يناير لعام 1258م مرّ “بايجو نويان” و”بوقا تيمور” و”سونجاق” بنهر دجلة باتجاه الدجيل وصولاً إلى نهر عيسى، وهناك تفرقوا، وزحف بايجو خان بجيشه إلى الغرب من بغداد، وعند سماع الوزير مجاهد الدين أيبك الدوادار قائد الجيش البغدادي بعبور المغول ضفة دجلة الغربيّة حتى انضم إلى قوات سونجاق وبوقا تيمور بالقرب من حدود الأنبار، وهذا ما جعله يحقق نصراً مؤقتاً نتج عنه التحاق قوات سونجاق وبوقا تيمور إلى قوات بايجو، وآنذاك فتح المغول سدّاً على النهر أدى إلى غمر الصحراء بالماء، ومحاصرة الجيش البغدادي، ثمّ هاجم “بايجو” و”بوقا تيمور” قوّات مجاهد الدين أيبك وابن قر.
هزيمة الجيش البغدادي
هُزم الجيش البغدادي بعد قتل ابن قر، ومات حوالي اثني عشر ألف رجلٍ قتلاً وغرقاً، وهرب مجاهد الدين إلى بغداد، كما هرب البعض من الجنود إلى الحلَّة والكوفة، واصل بعد ذلك بوقا تيمو وبايجو وسونجاق زحفهم حتى بلغوا الجزء الغربي من بغداد، كما عبر هولاكو خانقين، واتجه منها إلى شرق بغداد بتاريخ 18 كانون الثاني لعام 1258م، وبذلك حوصرت بغداد من كلِّ الجهات، ويشار إلى مشاركة العديد من القوّات الإسلاميّة من مختلف المذاهب في الهجوم المغولي على المدينة. حصار وضرب بغداد في 29 كانون الثاني لعام 1258م قصف المغول المدينة بالمجانيق، وكان هولاكو متصدّراً قلب الجيش في حصاره للمدينة من أمام البرج العجمي، وبعض القادة من مقابل بوابة “كلواذي”، وآخرون من أمام باب سوق السلطان، و”بايجو وسونجاق” من أمام غرب المدينة بالقرب من البيمارستان العضدي، وأدى القصف بالمجانيق إلى إصابة البرج العجمي بثغرة كبيرة، وعندها أحسّ الخليفة بالخطر الكامن به، وأنّ الأمر خرج عن السيطرة، وهذا ما دفعه إلى إيجاد حلّ سلمي مع هولاكو، حيث ناشده بالرجوع عن حصار المدينة، وأرسل وزيره لإبن العلقمي ليقول له أنّ الخليفة حقق له مطالبه، وعلى هولاكو الآن أن يفي بوعوده التي قطعها، ويتراجع عن التسبب بالأذى للمدينة وأهلها، فردّ عليه هولاكو بالقول أنّه طلب ذلك عندما كان على باب مدينة همدان الفارسية، أما الآن فهو على أبواب بغداد.
واستمرّ هولاكو بنشر الفتن والدمار والقتال، وفي اليوم التالي بعث الخليفة وزيره من جديد مع صاحب الديوان والعديد من الشخصيّات الأخرى لكنّ هولاكو لم يستمع لهم واستمرّ في القتال والضرب لمدّة ستة أيام أخرى، وبعد ذلك رمى المغول بغداد بسهام تحتوي على رسائل تتضمن أنّ المغول أمَّنوا العلماء والشيوخ والتجّار والقضاة الذين لم يشاركو في القتال.
وفي تاريخ 1 فبراير لعام 1258م هدم المغول قسماً من البرج العجمي، وتمكنوا من تسلقه بعد ثلاثة أيام، فقتلوا حراسه، كما سيطروا على الأسوار الشرقيّة مع حلول المساء في نفس اليوم، ونصبوا المجانيق على النهر بأمرٍ من هولاكو، وذلك لمنع أي محاولة هروب سوف تتم من خلاله، وأقدم مجاهد الدّبن على الفرار من بغداد بالسفينة، ولكنّ المغول أغرقوها ، وعادوا مرة أخرى إلى المدينة.
وعندما يئس الخليفة “المستعصم”من مقاومة المغول أرسل إلى هولاكو الهدايا، ولكنّه لم يهتم بها، وفي اليوم التالي أرسل أموالاً لهولاكو مع ابنه الأمير أبي الفضل، ولكنّه رفضها، واستمرّت محاولات الخليفة لإرضاء هولاكو، ولكنه رفض كل هذه المحاولات، وإن كانت هناك بعض الأقليّات الدينيّة والعرقيّة التي تفاوضت سرا مع المغول لعدم مقاتلتهم.
قبيل سقوط بغداد
أرسل هولاكو رسالة إلى الخليفة العباسي المتعصم فحواها أنّه حرٌ في البقاء أو الخروج من المدينة، ولكنّ الجيش المغولي لن يبتعد عن الأسوار حتى خروج سليمان شاه والدوادار اللذان خرجا إليه، ولكنّ المغول طالبوهم بالرجوع والخروج مع أتباعهم من الجنود، فرجعوا مرةً أخرى ومعهم العساكر البغداديين مستسلمين، وعندما رأى هلاكو أعداد المستسلمين الكبيرة أمر بتقسيمهم إلى مجموعات مكونة من ألوف ومئات لقتلهم جميعاً.
ثم قبض هولاكو على سليمان شاه وسبعمئة ألف من جنوده وأقاربه، وقتلهم أجمعين، وبعث برأسه ورؤوس “الدوادار” و”تاج الدين” إلى بدر الدين لؤلؤ لتعليقها في الموصل، وعندما رأى بدر الدين ذلك حزن حزناً شديداً؛ فقد كان سليمان شاه من أعزّ أصدقائه.
ويشار إلى أنّ المغول كان يستدعون أكابر دار الخلافة بأولادهم ونسائهم ويأخذونهم إلى مقبرة الخلال، ويذبحونهم كذبحهم للشاة،ويأخذون بناتهم وجواريهم حسب ما قالة المؤرخ بدر الدّين العيني.
وفي صبيحة يوم 10 فبراير 1258م خرج المستعصم بأولاده أبي الفضل وأبي العباس وأبي المناقب مبارك مصحوبين بسبعمائة من القضاة والفقهاء والأمراء ورجال الدولة للقاء هولاكو، ولكن تم إيقافهم،والسماح فقط لسبعة عشر رجلاً،بأن يصحبوا الخليفة إلى هولاكو، في حين تم قتل الباقون.
كما جعل هولاكو الخليفة المستعصم يأمر سكان المدينة بالخروج أمام الأسوار دون أسلحة لعدّهم، ولكنّ المغول غدروا بهم فور خروجهم وقتلوهم، ووضع الخليفة وأولاده الثلاثة وبعض أتباعه وحراسه في معسكر “كتبغا نويان” القريب من باب كلواذي.
ومهما يكن، فإن الخليفة المستعصم بالله، يعد آخر خليفة عباسي لبغداد، وقد حكمها فى الفترة بين 1242 و1258 بعد أبيه المستنصر بالله، وكان كريماً حليماً سليم الباطن حسن الديانة متديناً متمسكاً بالسنة كأبيه وجده ولكنه لم يكن مثلهما في التيقظ والحزم وعلو الهمة.
ولم يستطع المستعصم أن ينجو ببغداد من يد المغول بعد خيانة وزيره إبن العلقمي له، الذى ساعد هولاكو وجيشه فى خطتهم الموضوعة للاستيلاء على بغداد، حيث استطاع بحكم منصبه كوزير دولة أن يأمر بصرف جيش المعتصم بحجة أمن البلاد والعباد.
كما تسبب جهل المستعصم وعدم حنكته بحيل الحروب، فى وقوعه فى الفخ، وسقوط بغداد فى يد المغول، بعد أن وافق على طلب وزيره ابن العلقمى، مما كان سبباً رئيسياً في دخول جيش هولاكو وقتل مليون وثمانمئة مسلماُ، ثم إعدام المستعصم وأنهاء الدولة العباسية.
بــدايـة غــزو بغداد
وتعود حيثيات بداية غزو بغداد من طرف جيوش “هولاكو” عندما أرسل الوزير ابن العلقمي إلى هولاكو عام 645 هـ يشيرعليه باحتلال بغداد فزحف إليها ولم تثبت أمامه عساكر المعتصم القليلة، فسقطت بغداد فى أيديهم، واستطاع قائد المغول ان يخضع قبيلة “اللُر” بسهولة, واستسلموا وسلموه قلعة “ألموت” التي كانت للحشاشين من قبل دون قتال، كما هدم المغول برج العجمى، يوم الجمعة 1 فبراير 1258 ، وتسلقوا السور يوم الاتنين الموالي، فقتلوا العساكر البغدادية الذين كانوا يقفون أعلاه، وبحلول المساء كانت جميع الأسوار الشرقية قد سقطت في أيدي المغول.
وتراجع الخليفة المستعصم عن موقفه، فبعث بإبنه وولى عهده إلى هولاكو لمفاوضته، فطلب منهم إلقاء السلاح وخروج جيشه بأكمله من بغداد إلى معسكر المغول بدون سلاح، وهناك حنث قائد المغول بوعده وقام بقطع رؤوس عشرات الألوف من الضباط والجنود على مرأى من سكان بغداد وقتل ولى العهد المعظم، ولم يبق للمستعصم في أخر أيامه الا عشرة آلاف مقاتل.
وقد كان لخيانة ابن العلقمي دور كبير فى سقوط بغداد حيث جمع سادات وعلماء بغداد ، وأرسلهم إلى هولاكو فقتلهم جميعًا، وأبقوا على المستعصم إلى أن دلهم على خزائن الأموال .
ويروى أنه حينما أراد “هولاكو”قتل “المستعصم” الخليفة العباسي الأخير،قيل له أن إراقة دماء الخليفة على الأرض ستتسبب فى كوارث عظيمة؛ فأمر بوضعه في جلد بقر وداسته الخيول حتى مات، وبعد قتل الخليفة المستعصم بهذه الطريقة الوحشية على يد المغول عام 656هـ،انتهت دولة بني العباس في المشرق، وأصبح ابن العلقمي الخائن وزيراً عند هولاكو وحاكماً على بغداد ولكن حُكمه لم يدُم طويلا حيث توفي بعدها بأشهر.
♦المــراجـــع والمــصــادر :
-
ابن تغري بردي : النُجوم الزاهرة في مُلوك مصر والقاهرة، الجُزء الثاني (الطبعة الأولى). بيروت – لُبنان: دار الكُتب العلميَّة. صفحة 233.
ابن الطُقطُقي، مُحمَّد بن عليّ بن طباطبا؛ تحقيق: عبد القادر مُحمَّد مايو (1418 هـ – 1997م). الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية (الطبعة الأولى). بيروت – لُبنان: دار القلم العربي. صفحة 220.
-
البداية والنهاية لابن كثير – ترجمة الخليفة المستعصم بالله نسخة محفوظة 29 يونيو 2017
-
الدُواداري، أبو بكر بن عبدُ الله بن أيبك (1971م). كنزُ الدُرر وجامعُ الغُرر، الجُزء السَابع (الطبعة الأولى). القاهرة – مصر.
-
الهمذاني، رشيدُ الدين فضل الله (1960م). جامع التواريخ، الطبعة الأولى. القاهرة – مصر: دار إحياء الكُتب العربيَّة. صفحة 262 – 263.
-
الجُويني : تاريخ فاتح العالم (الطبعة الثانية). دار علاءُ الدين. صفحة 75.
-
ابن الأثير الجزري: الكامل في التاريخ، الجُزء التاسع (الطبعة الأولى). بيروت – لُبنان: دار الكُتب العلميَّة. صفحة 230.
-
قاسم عبده (2007). عصر سلاطين المماليك – التاريخ السياسي والاجتماعي. القاهرة – مصر: عين للدراسات الإنسانيَّة والاجتماعيَّة. صفحة 56.
-
بارتولد، ڤاسيلي ڤلاديميروڤيتش؛ ترجمة: صلاحُ الدين عُثمان هاشم (1401هـ – 1981م). تُركستان من الفتح العربي إلى الغزو المغولي. الكُويت العاصمة – الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، قسم التُراث العربي. صفحة 569.
-
طقُّوش، مُحمَّد سُهيل (1436 هـ – 2015م). تاريخ المماليك في مصر وبلاد الشام (الطبعة الرابعة). بيروت – لُبنان: دار النفائس. صفحة 69. ISBN 9789953183206.
-
رونسيمان، ستيڤن؛ تحقيق: السيِّد الباز العريني (1993). تاريخ الحُروب الصليبيَّة والحرب الأولى وقيام مملكة بيت المقدس، الجُزء الثالث (الطبعة الثالثة). بيروت – لُبنان: دار الفكر العربي. صفحة 522 – 523.
-
عاشور، سعيد عبدُ الفتَّاح (1976). العصر المماليكي في مصر والشَّام (الطبعة الثانية). القاهرة – مصر: دار النهضة العربيَّة. صفحة 342.
-
السُيوطي، عبدُ الرحمٰن بن أبي بكر بن مُحمَّد سابق الدين خن الخُضيري؛ تحقيق: حمدي الدمرداش (1425 هـ – 2004م). تاريخ الخُلفاء (الطبعة الأولى). مكتبة نزار مُصطفى الباز. صفحة 530 – 531.
-
ابن عبد الظاهر، مُحيي الدين أبو الفضل عبد الله بن رشيد الدين السعدي المصري؛ تحقيق ونشر: عبدُ العزيز الخويطر (1976). الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر. صفحة 99 – 100.
-
تُحفة النُّظَّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار: إبن بطوطة – بغداد دار السلام وحضرة الإسلام. لِابن بطوطة نسخة محفوظة 22 فبراير 2016 على موقع واي باك مشين.
-
الصيَّاد، فُؤاد عبدُ المُعطي (1960م). المغول في التاريخ، من چنكيز خان إلى هولاكو خان (الطبعة الأولى). بيروت – لُبنان: دار القلم. صفحة 280 – 281.
-
أربعة قُرونٍ من تاريخ العراق الحديث، ستيڤن همسلي لونغريك، ترجمة جعفر خيَّاط، الطبعة الأولى، 1941م، صفحة 27