يبدو مطعم “أمل” بحي جليز، على مقربة من مستشفى إبن طفيل في مراكش، مثل مدرسة إجتماعية تعلم الإعتماد على النفس وتثمين الكفاءات، حيث تختزل كل الملصقات واللافتات المعلقة على جانبه، جميع شعارات التعلق بالحياة وإحترام الإنسان والمبادرات الذاتية، المؤسسة على فلسفة الأمل، لكون المطعم هو جزء من مبادرة جمعية أمل لتعليم السيدات والفتيات المغربيات المعوزات ، ومن ذوات الإعاقة الجسدية والذهنية فنون الطبخ المغربي والعالمي، ودفعهن نحو آفاق سوق العمل بعد تلقيهن تدريبا احترافيافي فنون الطهي وثقافة الإستقبال، حيث تعود عائدات فاتورة كل مائدة طعام يدفعها زبناء المطعم، بالكامل لصالح هؤلاء السيدات وعمليات التدريب الخاصة بهن.
وتعود فكرة تأسيس هذه المبادرة الإنسانية الفريدة من نوعها في مراكش ، إلى سنة 2006 ، على إثر لقاء بالصدفة بين صاحبة المبادرة “نورا فيتزجيرالد” مع سيدة تعاني من أفدح علامات الهشاشة الإجتماعية،كانت تتسول في شوارع حي جليز بمراكش، وتأثرها بقصة مأساتها، مما دفع “فيتزجيرالد”إلى مساعدتها ماديا، وظللت تتابع حالتها وحالة غيرها من المتعثرات من النساء في مراكش ممن يمارسن التسول في شوارع مراكش، ولكن بعد أن مرت ستة أعوام كاملة على تقديم المساعدات لهن وجدت أن حياتهن لم تتغير، ووصلت بعد أكثر من خمس سنوات عن لقائها المذكور مع المتسولة المعنية ومن يحترفن التسول مثلها، إلى فكرة أن تعليم هؤلاء النساء كيفيات إصطياد سمكة، أحسن من إعطائهن سمكة كل يوم كما يقول المثل الصيني المعروف .
هـــذا، وفي تصريح لها لــ “هاسبريس” تؤكد “نورا فيتزجيرالد” أن المثل الصيني كان نبراسها الأساسي في خلق مشروع يساعد النساء المعوزات والنساء في حالات إعاقة من خلال تدريبهن على مهنة معينة تساعدهن على الولوج إلى سوق العمل بعد حصولهن على التدريب الكافي في فنون الطبخ والإستقبال ، حيث إنطلقت “فيتزجيرالد” من مسلمة كون معظم النساء المغربيات طاهيات محترفات ومدبرات طبخ ماهرات، بإستطاعتهن إعداد أطعمة لذيذة،من مكونات غذائية بسيطة، فضلا عن كون مراكش مدينة للتعدد الثقافي وقاطرة سياحية مغربية، معروفة بعدد كبير من المطاعم والمحلات المختصة في بيع الوجبات السريعة والأخرى التقليدية .
أطلقت فيتزجيرالد اسم “أمل” على المبادرة التي نجحت في تأسيسها عام 2012، لأنه اسم سهل على المتحدثين بغير العربية الذين يمثلون قدرا لا بأس به من زملاء المطعم، إضافة إلى أنه يحمل معنى وقيمة كبيرة لكل إمرأة تقطعت بها أسباب الحياة، تدخل إليه قد ضاقت الدنيا بها.
وتؤكد فيتزجيرالد على ضرورة تمكين المتدربة قبل الانضمام للمبادرة بملء استمارة الترشح للتدريب عبر الموقع الإلكتروني الخاص بالجمعية، على أن يتراوح عمرها مابين 18 و35 عام، وأن تدلل بوثيقة تبرز إنتمائها للفئات الهشة المعوزة،حيث يبقى المفتاح الوحيد لولوج المتقدمات للعمل هو العزيمة والتصميم على تغيير الحياة والالتزام، لأن التدريب شاق ويتواصل 6 أيام أسبوعيا لمدة 6 أشهر”.
والواقع، أن المتدربة تتحصل من مبادرة أمل على أجر رمزي نظير حصولها علي هذا التدريب بحد أدنى 1000 درهم ، بالإضافة إلى حصولها على اشتراك مجاني في “حافلات النقل الحضري”ألزا” ووجبات مجانية طوال فترة التدريب.
وحول تجربتها الفريدة والإنسانية إتجاه النساء المهمشات والمعوزات في مراكش توضح “نورا فيتزجيرالد “أنها تشعر بكونها أدت رسالتها في الحياة، وتفتخر بما وفرته لهؤلاء النساء من أسباب الحياة الكريمة، دون أن تخفي طموحها في توفير فرص عمل لخريجات الجمعية من الصم والبكم في مقاهي ومطاعم مراكش .
وتوضح”نورا فيتزجيرالد” أنه لم يكن لديها أي خبرة في إدارة المطاعم ، غير أنها عزمت على مساعدة كل امرأة تعاني في مدينة مراكش، وذلكــ ، بتحويل المطعم إلى عنوان للتحدي الكبير منذ اليوم الأول لافتتاحه في أبريل سنة 2012 ، حيث بدأ مسيرته بأربعة أشخاص تناولوا وجبة غداء، ليصل اليوم إلى حوالي 100 زبون وزبونة يرتادونه يوميا لتناول الغداء.
وتجدر الإشارة، إلى أن “نورا فيتزجيرالد” هي مغربية، مولودة في الولايات المتحدة لأبوين مغربيين، وحاصلة على الإجازة في الرياضيات وإجازة في اللغة الإسبانية، كما كانت أول امرأة مغربية تحصل على جائزة “المرأة من أجل التغيير” (Women for Change) سنة 2015.