”دين وسياسة” مُؤلفٌ جديد للمفكر العلاَّمة عباس الجراري
هاسبريس :
صدر حديثا للأستاذ عباس الجراري عن منشورات النادي الجراري (71)، مؤلف يحمل عنوان “دين وسياسة”، يناقش سبل خلق تآلف بين الدين والسياسة لمواجهة التحديات التي تحدق بالعالم الإسلامي في الفترة الراهنة.
وفي مقدمة الكتاب، يقول الجراري إن العالم الإسلامي يواجه في المرحلة الراهنة تحديات عديدة وأزمات خطيرة تهدد وحدة دوله وأمنها وعقيدتها وفكرها وسائر مكونات هويتها ومقومات وجودها، بدعوى مقاومة الإرهاب الذي ينسب ظلما وعدوانا، أو بحجة محاربة التخلف الذي تتخبط فيه، والذي تكمن أسبابه الحقيقية، ليس في التمسك بهذا الدين وتراث الأمة الثقافي والحضاري الأصيل، ولكن في عوامل أخرى سياسية واقتصادية واجتماعية، وفي سوء تدبير هذه العوامل.
ويضيف العلَّامة الجراري أنه إذا كان هذا الهجوم في معظمه موجها من طرف خصوم الإسلام وأعداء الأمة المكشوفين والمقنعين، فإن بعضه تتولاه فئات من أبنائها يزعمون الدعوة لإصلاح الأوضاع، إلا أنهم لا يرون هذا الإصلاح إلا بالتخلي عن دعائم الذات من لغة ودين وتراث وقيم وتاريخ عند بعضهم، أو بإعادة النظر في كل ما هو مقدس يعتبرون مراجعته الجذرية ضرورية لملاءمته مع الواقع وحداثة العصر عند آخرين.
وأشار إلى أن الأمر قد يصل عند بعض جهالهم المتهورين إلى تدنيس أماكن العبادة والعبث بالمصاحف والتجني على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته، وما إلى ذلك من تصرفات إجرامية هوجاء تتم جهارا باسم النقد الذي يتيحه لهم فهمهم المنحرف لحرية الرأي والتعبير.
وأبرز الدكتور عباس الجراري أنه، وعلى الرغم من أنه يعتبر الحاجة ماسة وملحة إلى القيام بنقد ذاتي، موضوعي ونزيه، “لتصفية تراثنا وتاريخنا وتديننا كذلك من كل الشوائب التي علقت بها كلها، منذ ظهر خلاف المسلمين الأوائل حول مشكل الحكم، والتي ما زالت للأسف حاضرة في كتبنا وتقاليدنا وسلوكنا”، فإن ذلك “لا يعني جلد الذات وتجريدها من عناصرها الأساسية، وإبعادها عن اختياراتها التاريخية، العميقة والمتجذرة، والمؤكدة لإسلامنا، نحن المغاربة على سبيل المثال، وانتمائنا إليه في وسطية واعتدال وتسامح”.
وأشار الجراري إلى أنه ونتيجة للخلافات التي عاناها وما زال يعانيها المسلمون بحدة وشدة في مختلف المجالات، ظهرت اختيارات كانت بالنسبة للمغرب تتلخص في العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني، وفي تآلف وثيق بين الدين والسياسة في عهد الأدارسة ، وحتى الآن ، كنظام للحكم، على حفظ هذه الاختيارات وحمايتها من أي دخيل.
وأكد أنه “بها دعم المغرب كيانه الوطني، بل تجاوز حدوده ليشع بتلك الاختيارات على أقطار إفريقية شقيقة وصديقة، عبرت باستمرار عن تمسكها بها، وقوت من خلالها علاقتها بالمغرب، ولا سيما في العهد الزاهر الذي أقام فيه جلالة الملك محمد السادس نصره الله، عبر زياراته المتكررة ومشاريعه التنموية المتعددة، جسورا مع تلك الأقطار، بفضل سياسته الحكيمة ورؤيته الصائبة لمستقبل القارة الإفريقية، ولمشاكل الأمة الإسلامية والعالم بأسره”.
وعنون المؤلف الفصل الأول من مؤلفه ب “المسلمون والسياسة (أسباب الخلاف وتجلياته)”، وناقش فيه مسألة الحكم بين السياسي والديني، مع الانشغال المتزايد للعالم بأسره ولا سيما في الغرب، بموضوع السياسية والدين، مع التركيز على الإسلام، إضافة إلى موقع الشورى المقابلة للديمقراطية بالمفهوم الحالي والخلافة وسواها، وهو عرض كان قد قدم ارتجالا بأكاديمية المملكة المغربية في إطار أحاديث الخميس (يوم 8 ماي 2014).
أما الفصل الثاني للكتاب فخصص ل”السيرة النبوية بين الحقائق الموثقة والتأويلات المزيفة (حدث وفاة الرسول الأكرم ومشكل تأسيس الدولة والخلافة)”، حيث تطرق إلى ما عرفه عصر النبي صلى الله وعليه وسلم من وقائع وأحداث تشكل بداية تاريخ الإسلام بمبادئه وأحكامه ومعجزاته وعلاقاته وقيمه، وما كان عليه شخص الرسول الكريم وسلوكه، مما يزكيه ما ورد في القرآن الكريم والحديث الشريف وسلوك الصحابة الأبرار، وفق ما جاءت به وفصلت القول فيه المصادر المعنية بهذا الموضوع الغني الخصيب، بعيدا عن أي رفض لذلك أو التشكيك فيه، على ما في بعض هذه المصادر من تحريف.
وهذا الفصل الثاني عرض قدم في عمان للمؤتمر السابع عشر لمؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي الذي انعقد بين 23 و25 أكتوبر 2016. ويتناول الفصل الثالث موضوع “المغرب وإفريقيا : من التعاون السياسي والتضامن الاقتصادي إلى تقوية الروابط الدينية التاريخية بفاعلية متجددة”، حيث اتجه المغرب رغم تجاوبه وتحالفه مع هذه الدول إلى تقوية أواصره الإفريقية، وذلك بفضل السياسة الرشيدة والمتفتحة التي ينهجها جلالة الملك محمد السادس، والتي تؤكدها الزيارات المتكررة التي قام بها جلالته إلى تلك الدول، وخاصة إلى السنغال ومالي وكوت ديفوار وغينيا كوناكري والغابون وبوركينا فاصو، وهو عبارة عن عرض قدم للدورة التي عقدتها أكاديمية المملكة في موضوع “إفريقيا كأفق للتفكير” من 8 إلى 12 دجنبر 2015.
وسلط الفصل الرابع، وهو عبارة عن مقالة كتبها الأستاذ الجراري للدليل المغربي للاستراتيجيات والعلاقات الدولية الذي يصدره المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية، الضوء على “أهمية المذهب المالكي ودوره في تشكيل هوية المغرب وتثبيت وحدته الوطنية”، كما سلط المؤلف الضوء على “حاجتنا في المرحلة المعاصرة، وما يعيش العالم فيها من صراعات عقدية وتحاذبات فكرية ونزاعات مختلفة، إلى أن نستحضر واقع بلدنا، ونتمثل تاريخه ونتمسك بتعددية مكونات هويته، ونجدد دعائم هذه التعددية بما يقوي ثوابتها، ويجعلها قادرة على مواجهة كل التحديات والإكراهات التي تفرضها “عولمة” العصر التي زالت معها ، أو كادت، كل الفوارق بين الشعوب، إلى حد تذوب معه الهويات الوطنية، ما لم تكن مستندة إلى ركائز روحية هي لا شك سر صمودها والبقاء”.
أما الفصل الخامس فتمحور حول “دور علماء الصحراء المغربية وأدبائها في تثبيت الوحدة الوطنية”، وهو عبارة عن عرض تمهيدي قدم مرتجلا في افتتاح الندوة التي عقدتها أكاديمية المملكة المغربية حول “ثقافة الصحراء : مقوماتها المغربية وخصوصياتها” يومي 11 و12 مارس 2002، وقد نشرت أعمالها ضمن سلسلة “الندوات”.
ويتضمن الكتاب أيضا تمت ترجمة للفصلين الرابع والخامس إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية في المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية الذي يرأسه البحاثة عبد الحق العزوزي، وكانا نشرا في (الدليل المغربي للاستراتيجيات والعلاقات الدولية) . وتقع الطبعة الأولى من كتاب ”دين وسياسة” في 116 صفحة باللغة العربية، و58 صفحة باللغتين الفرتسية والإنجليزية من القطع المتوسط.