تشكل المساجد في شهر رمضان على مستوى المقاطعات الخمس ، فضلا ن بلدية القصبة المشور في مدينة مراكش، وعلى غرار المساجد الجامعة في مدينتي الصويرة وأسفي وقلعة السراغنة وبلدية سيدي رحال، وبمدينة بن كرير ومدينة اليوسفية بجهة مراكش آسفي، مراتعا للتجهد ومنارات الهدى وقِبلة للقلوب المؤمنة، التواقة للنهل من نبع فضائل الدين الحنيف والفعل الإحساني والوهج الرباني لهذا الشهر الفضيل. وتختزل مواعيد الصلوات في مساجد جهة مراكش أسفي الجامعة خلال شهر رمضان الكريم، مجمل فضائل الثقافة الروحية المغربية وجميع عناوين مكارم الأخلاق ودلالات رمضان العقدية والصوفية ومعانيه المادية والرمزية، حيث تتزين القلوب وتبهو وتتعطر الأرواح بمسك الإيمان ونسمات الذكر الحكيم والدعاء الأواه والسماحة الإنسانية.
على ذات الواجهة، يحج العديد من المواطنين من مختلف الفئات الإجتماعية ومن شتى الإعمار إلى بيوت الله في جهة مراكش آسفي خلال رمضان الشهر الكريم لأداء الصلوات الخمس، وصلوات الجمعة وأداء التراويح والتهجد، التي تلقى إقبالا كبيرا، وتشكل مشهدا روحانيا فريدا، حيث تطبعه نفحات الإيمان والدعاء والخشوع والذكر والاستغفار وتزكية النفس واللجوء إلى فيض الله وعفوه وكرمه، تزينه أصوات شجية لأسماء قراء مشاهير، على غرر الفقيه عبد الرحيم النابلسي ومولاي هشام الراجعي الإدريسي، وأحمد المير، ووديع شكير والشيخ العسري،ومحمد أيت ناصر، وأسامة زروال، وعبد الله لمهيوي وعمر الراضي، ومواي هشام العابدي، وعبد الصمد ملوك وأنس الطوراني وعبد الله تارفي وغيرهم ممن يتمتعون بأصوات حسنة وكفاءة فقهية تمكنهم من أن يؤموا الناس في الصلوات.
وتأكيدا لأدوار المساجد ووظائفها الدينية التوجيهية والتعليمية والاجتماعية في مراكش خصوصا وفي مختلف أقاليم وبلديات جهة مراكش آسفي، فإن المساجد بها تشكل موقعا أساسيا خلال شهر الصيام، حيث تتحول هذه المساجد إلى منارات مشعة تستقطب حشودا كبيرة من المصلين نساء ورجالا، من خلال أجوائها الرمضانية الموزعة بين الصلوات، وعبر تتبع الدروس الدينية التي يشرف على تأطيرها علماء ووعاظ ، تنصب حول فضائل ومباهج شهر رمضان وترمي إلى تعميق المنزع الروحي الوسطي المنفتح على كل الثقافات ، والقائم على توطيد السلوك والترقي في مدارج ومقامات الإيمان ومراتب الإحسان.
ولأن المدينة الحمراء تعرف دينامية عمرانية في سياق المشروع الملكي ، “الحاضرة المتجددة” وترمما كبيرا للمساجد العريقة بها في أحياء الباروديين، وأسوال، وعرصة إيهيري، ومسجد سيدي بن سليمان، وسيدي أحمد السوسي، وجامع الطيب، وغيرها ، وللممرات الروحية المؤدية لمزارات الرجالات السبعة ، وذلك على وقع توسع حضري وتنمية متطورة تتلاءم مع السياسات العمومية التي ترتكز على التنمية المستدامة والجهوية الموسعة، فإن المساجد العصرية كمسجد “تركيا” بتجزئة الحسنية في جيلز ، ومسجد الأنوارفي شارع علال الفاسي ، ومسجد بوكار، 11 يناير، ومسجد السيدة خديجة أم المؤمنين بأسيف، ومنطقة بوعكاز المحاميد ،ومسجد فاطمة الزهراء بجنان أوراد على تراب مقاطعة مراكش المنارة، وجامع أطرحي بشارع الأمير مولاي عبد الله، والمسجد الجامع بالمسيرة 3، والمسجد الجامع بسيد الزوين ، وكلها تستقطب بشكل متزايد ساكنة المدينة الحمراء، ومحيطها لأداء الصلوات،وإقامة التراويح، ولعل أبرزها مسجد”الأميرة ” بمنطقة بوعكاز، ومسجد أبي بكر الصديق في “تاركة” ومسجد مولاي اليزيد في حي القصبة، وذلكــ في سياق سياسة الدولة المتعلقة بترميم المساجد التاريخية وبناء المساجد الجديدة ، في إطار برنامج قار تمت بلورته بناء على متطلبات الحياة الروحية للمواطنات والمواطنين، وحفاظا على الأمن الروحي للساكنة.
واعتبارا للدور الجوهري الذي ظلت تضطلع به المساجد في إشاعة الأمن الروحي والممارسة المثلى للعقية الوسطية ، حيث لا إفراط ولا تفريط في شعائر الدين الإسلامي الحنيف ذو المذهب لمالكي والعقيدة الأشعرية، وطريقة الجنيد في النسك والتصوف، تضطلع هذه المساجد، وضمنها مسجد محمد السادس، بأدوار متعددة خلال هذا الشهر الفضيل، تتوزع بين الوظائف الدينية والاجتماعية والصحية والتربوية والتثقيفية والتأطيرية والإشعاعية، من خلال تنظيم برامج توعوية ودروسا دينية ومسابقات وأمسيات قرآنية وابتهالات دينية.
ومن بين المساجد الكبرى التي تستقطب المصلين خلال شهر رمضان الكريم في مراكش “مسجد الكتبية” العريق،الذي من المعالم الإسلامية الراسخة في تاريخ المغرب. يتوسط الجامع الكتبية مدينة مراكش بالقرب من ساحة جامع الفنا. وتسمية المسجد مشتقة من “الكتبيين”، وهو اسم سوق لبيع الكتب تؤكد الدراسات التاريخية أنه كان بمقربة من المساجد، وحيث يعمل العديد من الفعاليات الجمعوية والإعلامية والثقافية بمراكش على إعادة وهج ساحة الكتبيين التاريخية ضمن مشاريع مقترحة في أفق تقديمها للمسؤولين المعنيين .
ويعتبر جامع الكتبية من أهم جوامع المغرب،لكونه ذو أبعاد استثنائية، فهو يشغل مساحة 5300 متر مربع ويتكون من 17 جناحًا و11 قبة مزدانة بالنقوش. فيه أعلنت قرارات السلاطين المهيبة وجرت كبريات الأحداث. الجامع ومئذنته المزخرفة في أجزائها العليا بإفريز خزفي مطلي بلون الفيروز أصبحا رمزًا لمدينة مراكش، حيث يغلب على طريقة هندسة كل هذه المساجد طابع ومظاهر الفن المعماري المغربي من خلال الزخارف التي تجمع بين البعد المغربي والأندلسي الموشى بأشكال هندسية كتابية، إضافة إلى الأقواس المدببة ذات النقوش المزخرفة، والمطعمة بالفسيفساء وبالزركشات على الجبص، والقباب التي تحملها الأقواس المتقاطعة مصنوعة من الجبص المزخرف في تناغم هارموني مابين الخشب والجبص، والتي يغطي أسطحها القرميد الأخضر من الخارج، والمحاريب المقببة والتوشيات الهندسية والصبغات المغربية العمرانية الفريدة والجمالية والتحف الفنية التي تترجمها المصابيح والثريات، والتي تنصهر في بوتقة هندسية ومعمارية تعكس مدى أصالة خصائص الهوية المغربية، ومدى قدرتها على مسايرة مختلف العصور ، والتجاوب مع شتى معالم الذوق الرفيع الذي يزخر به التراث الحضاري المغربي .
كما يُعدّ مسجد علي بن يوسف من أهم المواقع التاريخية بمدينة مراكش، المجاور لجامعة إبن يوسف والتي تعتبر من أشهر مدارس المغرب ، والتي يرجعُ تاريخ بنائها إلى عام 525 هـ. على يد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين، حيث قام إبنه علي بن يوسف باستكمال بناءها وتجديدها وتحويلها إلى مسجد، على مساحة تبلغ 5000 متر مربع، وجاءت فكرة إنشاء المدرسة والمسجد ، نتيجة تكاثر عدد طلاب العلم في مراكش ممن أرادوا تحصيل العلوم المختلفة، وكانت بداية المسجد عبارة عن غرفة صغيرة يجتمع داخلها الطلاب ويتلقون العلم من كبار الفقهاء، وبعد الانتهاء من جلساتهم كانوا يقيمون بها الصلوات الخمس، ومن ثم أصبح هذا المكان يؤدي وظيفتي العبادة والتعليم والبحث المعرفي والمساعدة على التصنيف العلمي والفقهي والأدبي، لذلك كان يطلق الجميع في مراكش على هذه المساحة التي تشمل المدرسة والجامع اسم جامع بن يوسف.
واشتهر جامع علي بن يوسف بأنه أعظم مراكز الثقافة الدينية والفقه الإسلامي، وأصبح مصدرًا للبحوث في مجالات البلاغة والحكمة وأصول الدين، حيث شجّع ملوك الموحّدين علماء الأندلس من مختلف العواصم، مثل قرطبة وإشبيلية وغرناطة على الهجرة إلى مراكش، ليقوموا بالتدريس في جامع علي بن يوسف، بالإضافة إلى علماء المغرب ممن شدوا الرحال على مر العصور إلى مراكش من مدن سبتة وسجلماسة وأرفود وفاس وسلا ومكناس.