ظل العرب في شبه جزيرتهم في غالبيتهم العظمى بدوا ، وقلما كانت القلة القليلة منهم ترحل إلى مصر والعراق وسورية وفارس قصد التجارة، أو طلبا للعلاج أو السياحة أو رغبة في الإطلاع والمعرفة، فبقيت علاقاتهم بالفن محصورة في فنون القول، من الشعر والسجع، ومن غناء وطرب عادة ما كان يفد من الشعوب المجاورة وبعض الكتابات الناذرة المتعلقة بالترسل ، وإطلاق الأمثال والتشبيهات.
وقد كان هؤلاء العرب في البادية وحتى في المدن المعروفة في عصور ما قبل البعثة النبوية المباركة على غرار مكة ويثرب والطائف واليمامة وحضرموت ومسقط وصنعاء ومعن وعدن وغيرها، لا يعرفون الفنون التشكيلية ولا المعمارية إلا ما كان يدخل عليهم من الثقافات المجاورة في فارس وبيزنطة والشام والحبشة، من خلال بناء بعض الأديرة والصوامع والمسيحية والهياكل اليهودية وبيوت النار المجوسية ، والمتناثرة والقليلة في شبه الجزيرة العربية، بل أن حتى التماثيل المتعلقة بتجسيد الآلهة وبالعبادة الوثنية فإنها كانت تُستورد من خارج شبه الجزيرة العربية، والرواة والمؤرخين يخبرون أن أول من إستورد الآلهة كان أبو ثمامة عمرو بن لحي، وقد كان رجلا تاجرا ماهرا .
وطبيعي، فإن النهضة الإسلامية المعمارية والتشكيلية المتعلقة بالزخارف والتزاويق قد بدأت مع رسول الله محمد صلى الله عليه السلام، ومع رسالته الحضارية، دفعت بالكثير من من البدو ممن كانوا يجهلون الفنون الجميلة إلى الإختلاط بالأمم المتحضرة في من روم وأرمن وفرس وأمازيغ وأحباش وهنود وشركس وديلم وإغريق ، ممن نقلوا عنها فنونها الشائعة بعد أن حذفوا منها ما لا يتفق وروح الإسلام، وصبغوا سائرها بالصبغة الإسلامية،وذلكــ منذ عهد الشيخين أبو بكر وعمر رضي الله عنهما .
وبذلك فالفنون المادية الإسلامية من نحت وزخارف و زركشات و تزاويق ومعمارهي في مجملها فنون أمازيغية وبيزنطية وفارسية وهندية وإغريقية وفرعونية وعبرية ، خضعت بعد البعثة النبوية المقدسة إلى شخصية الإسلام القوية، فطبعها بطابعه في المباني الإسلامية التي برزت في عهد الشيخين الكبيرين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وتطورت مع الخليفة الثالث عثمان ذي النورين، كان حاكما سمحا منفتحا، ومع علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فيما شيد بالكوفة وبالبصرة …
وإستطاعت حكومته في أن تطبع الفن الإسلامي بشكل تأسيسي وأولي بنزعة توحيدية، وجعلت من التوحيد المقام الأول كما في الإيمان، في الفنون التعبيرية والتشكيلية فتأثرت هذه الفنون من هذه الناحية بحذف كل ما يختص برسم الإنسان أو الحيوان أو بالنحت لكون القوم كانوا حديثي عهد بالجاهلية، كما ورد في الأثر النبوي الكريم .
لذلكــ ، فطبيعي أن يتحاشى المسلمون الأوائل الصور والتماثيل لكونها تومئُ إلى الأوثان والوثنية التي يخشى على التوحيد منها .
وقد قدم المسلمون بعض التسامح في الرسم والنحت قي قصور الأمويين والعباسيين والموحدين والمرينيين في المغرب والأندلس والفاطميين في مصر والشام، من خلال زخارف وكتابات للآيات القرآنية والأحاديث النبوية ورسومات جميلة لصور الغزلان وبعض الحيوانات، ولزخارف الأزهار وبعض النباتات، وإن كان حاليا لايرى في المعمار المغربي وفي عموم شمال إفريقية ما يدل على أن رسم الحيوان أو الإنسان أو نحت للتماثيل .
فقد وجد رجال الفن التشكيلي المسلمون أن الدين يعارض النزعة الفنية في الرسم والنحت فعمدوا إلى تصوير الجمال عن طريق القيم العقلية والإيحاءات الخيالية وليس عن طريق التصريح الحسي البصري .
والواقع، أن الفنون التشكيلية في الحضارة المغربية، وفي الحضارة المغاربية ظلت ذات دلالات ذهنية، مما جعلها تبالغ في إتقان الصنعة، وفي إهمال الفن التجسيدي، اللهم ماكان يميل في هذا الفن بطبيعته لأن يكون ذهنيٍّا في البناء والعمارة.
وطبيعي، قد أقامت الحضارة المغربية الكثير من المباني الفخمة،والتحف الفنية الراقية وزخرفتها على الجص والخشب والمعادن الصلبة والأخر النفيسة بالآيات المقدسة والأحاديث الشريفة ، وأحيانا بأبيات الشعر من القصائد الرائعة،فأتقنوا بذالكــ الصنعة .
وعليه، فإن الفنون الإسلامية على وجه العموم هي فنون الذهن، لاتعتمد على الحس وإنما على الرؤية الدلالية التي لاتزال تعكسها الزخارف الهندسية المتقابلة في المساجد والرياضات وفي القباب وفي الأقواس وفي تلكـ الخطوط التي تتقابل فترتاح العين إلى شكلها الهندسي المغربي الأندلسي الأصيل والفريد من نوعه إسلاميا وعالميا .
وأغلب الظن عندي، أنه لما رأى الفنانون المغاربة الأوائل من المسلمين من اليهود ضيق الميدان الذي يمكنهم أن يستخدموا فيه مواهبهم الفنية التشكيلية التجسيدية لمختلف الموجودات ، فإنهم اضطروا إلى أن يجعلوا من الخط العربي فنٍّا قائم الذات،ومن الرسومات والنجمات العبرية شكلا تعبيريا ،فزينوها وزخرفوها إلى أن أصبح لها جمال خاص.
وعلى كل حال، فإن أقدم الآثار الإسلامية في المغرب، في مراكش وفي فاس وفي سلا والرباط وفي زرهون وبوجدة وتارودانت وغيرها من الحواضر التاريخية العريقة ، تبرز أن العمارة المغربية في المغرب وفي الدول المغاربية والأندلس، إرتبطت بالصناعات التي ترجمتها المساجد العظيمة والصوامع المشرئبة نحو الأعالي والأسوار الحصينة والأبواب والقلاع والقصور والمزارات والقباب والسقايات التي شيدها الأدارسة والزيريون والمرابطون والموحدون والمرينيون والسعديون والعلويون ، وإنطبعت بفنون التشكيل الهندسي مما يسمى “القيراطي” و”المزهري” وفنون زخارف “الورقة” و”الكايزة” و”المقرنص” ومختلف النماذج التشكيلية المعمارية الإسلامية والعبرية حيث مسح عليها العرف الديني مسحة هندسية .