كشفت جمعية منية مراكش لإحياء تراث المغرب وصيانته، برئاسة الباحث الأكاديمي والفاعل الثقافي الأستاذ جعفر الكنسوسي، من خلال تنظيمها للدورة التاسعة لفعاليات الدورة التاسعة من سماع مراكش للقاءات والموسيقى الصوفية،على أن الثرات المغربي المتعلق بفنون السماع وضروب الإنشاد والطرب الغرناطي والأندلسي، يختزل عوالم متعددة من المسالك الروحية والطقوس المغربية العريقة التي توثق علاقة المغاربة بهويتهم الحضارية، بوذلكــ من خلال أمسيات السماع الصوفي والمديح النبوي التي تم إحياؤها بفضاء متحف الماء “أمان” في مراكش، تحت متابعة جماهيرية كبيرة، حج من أجلها العديد من المغاربة والسياح الأجانب لعاصمة النخيل من مختلف ربوع المملكة.
هذا، وشكلت فقرات الدورة التاسعة المعنية، خلال الفترة الممتدة منذ يوم 28 نونبر المنصرم إلى اليوم فاتح دجنبر الحالي، مناسبة لتقريب فنون السماع والمديح كجانب هام من التراث الموسيقي والغنائي الزاخر الذي تميز المغاربة ، ودأبوا على المحافظة عليه وتوارثه عبر الأجيال المتعاقبة منذ قرون خلت، وهو ما كشف عن قوة جمعية منية مراكش لإحياء تراث المغرب وصيانته، وتجذر باعها في تحويل هذه الفنون إلى رسائل عابقة على خشبة المسرح، وعدم الإكتفاء في أن تظل محتضنة في الزوايا والمساجد والمزارات، ومحددة فقط مع أجندة مواسم الأقطاب الصوفية.
وإيمانا من الجمعية بكون فنون السماع والمديح تمثل جانبا هاما من التراث الموسيقي والغنائي الزاخر الذي تميز المغاربة بالمحافظة عليه وتوارثه خلفا عن سلف،فإن المهرجان المعني بتثمينه للتراث المادي واللامادي المغربي، أعطى رسالة فصيحة على أن هذا الفن التراثي سيظل كبيرا وحيا ومتداولا ، وصامدا رغم تدفق الموجات الموسيقية الشرقية والغربية ورغم انفتاح الشباب المغربي الواسع الذي تابع المهرجان المذكور على صنوف الإبداع الجديد.
كما أبرزت فعاليات الدورة التاسعة من سماع مراكش للقاءات والموسيقى الصوفية،عمق المرجعية الصوفية في المملكة المغربية، التي طالما بلاد طالما وصفت من طرف المؤرخين والجغرافيين والرحالة والباحثين والمستشرقين بكونها أرض الزوايا المشرعة الأبواب على الذوق العرفاني والوجد الرباني، والصلاح والتقوى ،وأنها موطن الأولياء من الأقطاب والبدائل، ومن العلماء والمشايخ،حتى أن المملكة المغربية إستطاعت أن تصدر نجوما ساطعة في التصوف إلى المشرق العربي الإسلامي من أمثال لشيخ زروق في ليبيا، والشيخ أحمد البدوي والمرسي أبو العباس والحسن الشاذلي في مصر، وغيرهم نحو مختلف بلدان العالم .
وقد إتضح من خلال ندوات وإحتفاليات وسهرات وإصدارات الدورة التاسعة لفعاليات الدورة التاسعة من سماع مراكش للقاءات والموسيقى الصوفية، أن فنون السماع والمديح تكتسي عشقا شعبيا عبر متونها الشعرية العامية البسيطة والصادقة والروحية وبإيقاعاتها الموسيقية العريقة والغير المركبة، ومن رمزية تؤكد على فرادتها كعيون من التراث الشعري الصوفي المغربي والعربي والكوني.
في نفس السياق، أكد الأستاذ الباحث جعفر الكنسوسي، رئيس جمعية منية ، ومدير لقاءات سماع مراكش، أن الدورة التاسعة من سماع مراكش، تروم إعطاء قيمة للهوية والتقاليد الثقافية والروحية بالمغرب، وتسعى نحو الاستجابة للحاجة الروحية والكشف عن الحكمة وعن تثمين ونشر تعاليم كبار شيوخ الصوفية عبر التاريخ المغربي والأزمنة الوطنية، ضمن إعداد مجالسَ للسماع الصوفي ومحاضرات فكرية ومراسيم تواصلية وعادات عريقة على غرار “الصبوحي” في أجواء روحانية وفقرات متنوعة ومتعددة تسهم في معرفة طرق الانفتاح والسماحة والحضترة والمحبة في الثقافة المغربية الإسلامية، مع صيانة السماع الصوفي كتراث فني مغربي يعانق العالمية، وكجسر ثقافي وروحي يربط بين مختلف الحضارات الإنسانية، من منطلقات التواصل الإنساني والكوني عبر الأنغام الصوفية وقصد إعتبار مدينة الرجال السبعة عاصمة لهذا الفن الروحاني الراقي وإعادة الاعتبار إلى الغنى الروحي والثقافي للمغرب.