في ظلّ الوضع الصعب الذي فرضه انتشار فيروس “كورونا كوفيد 19” في المغرب، وإقرار قانون الطوارئ، والتدابير الإحترازية للحيلولة دون تفشي الجائحة،منذ 20 مارس الماضي، تجد حكومة سعد الدين العثماني نفسها بين ضرورة التحرّك لإعادة إنعاش البلاد وإخراجها من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المرشحة للمزيد من التعقيد من جهة، وبين القدرة على إقناع الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والجمعيات المهنية بخططها ومقترحاتها وبجدية إشراكها في التدبير الجماعي لاحتواء الأزمة، من جهة أخرى.
هذا، وفي أجواء لايزال يسودها الترقّب، مع بدء العد العكسي نحو الـ 10 يونيو للخروج التدريجي من الحجر الصحي ،على الأقل كما هو مرتقب لحدود الساعة، شرع سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة المغربية، منذ الأسبوع الفارط ، في مشاوراته مع مختلف الفرقاء قصد وضع تصورات للمرحلة المقبلة، ولكسب تحديات من أجل “إنجاح مواجهة جائحة كورونا كوفيد 19، وما بعدها”، حيث يبدو تخفيف الحجر الصحي من الملفات الأكثر حساسيةً في تدابير الحكومة للمرحلة المقبلة .
إلى ذلكــ ، يظل الخروج من الحجر الصحي “أصعب من فرضه”على مستوى التدبير والمنهجية وحصر الخلاصات حول الوضعية الوبائية وهاجس “كيفية تفادي الرجوع إلى الوراء، وتجنب الأسوء، والاستمرار في النجاح رغم التضحيات”، تجد الحكومة المغربية نفسها في مواجهة أصعب امتحان منذ تشكيلها،من خلال البحث عن مسالك الخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي فرضتها جائحة كورونا.
في حين كان لافتاً، خلال الجولة الأولى من المشاورات التي أطلقها العثماني،مع الأحزاب الممثلة في البرلمان المغربي، تأكيده ضرورة التعبئة الشاملة لتلك القوى لإنجاح مرحلة ما بعد 10 يونيو، موعد الخروج من حالة الطوارئ الصحية المفروضة منذ 20 مارس الماضي، إلا أنّ أربعة تحديات ضاغطة على الحكومة، تبرز بقوة في المشهد السياسي. وتتعلق هذه التحديات على وجه الخصوص باستراتيجية التخفيف من الحجر الصحي، ووضع خطة إنعاش الاقتصاد الوطني، وإعداد مشروع قانون المالية التعديلي، فضلاً عن إيجاد عقد سياسي جديد وميثاق جديد لحفظ السلم الاجتماعي، ضمن “مغرب ما بعد كورونا”.
ويبدو تخفيف الحجر الصحي من الملفات الأكثر حساسيةً في تدابير الحكومة للمرحلة المقبلة، لارتباطه أساساً بتطور الحالة الوبائية في البلاد، وبمدى قدرتها على دفع الجميع إلى التعبئة والالتزام بالقواعد الصحية. ولهذا السبب، تراهن الحكومة على المشاورات مع الأحزاب والنقابات والهيئات المهنية، لتعميق النقاش حول تدبير تخفيف الحجر الصحي، مع استحضار التقارير التي يعدها المتخصصون والخبراء، و الواردة من اللجنة العلمية ولجنة القيادة، حتى لا تتحمل وحدها وزر أي إخفاق أو اتهام بالاستفراد بالقرار وبعدم إشراك باقي الفاعلين السياسيين والاجتماعيين في القرارات، وفي التعبئة لمحاربة كورونا.
وككل دول العالم يواجه المغرب تحديات اقتصادية ومالية ستتضح معالمها أكثر بعد انتهاء أزمة كورونا، في ظلّ توقعات مؤسسات وطنية ودولية بتراجع كبير في معدل النمو، فضلاً عن تداعيات اجتماعية فرضت على الدولة انتهاج سياسة التقشف واللجوء إلى الاقتراض الخارجي للحفاظ على توازنات الميزانية العمومية. وتبدو حكومة العثماني مطالبة، على عجل، ببلورة خطة للإنعاش الاقتصادي لوقف نزيف اقتصادي ومالي واجتماعي حاد قد لا تتحمله البلاد خلال الأشهر المقبلة، ولإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد، وتأمين مناخ ملائم للشركات الوطنية لتنمية أنشطتها وخلق فرص عمل.
وتظل حكومة العثماني مطالبة، على عجل، ببلورة خطة للإنعاش الاقتصادي لوقف نزيف اقتصادي ومالي واجتماعي حاد قد لا تتحمله البلاد خلال الأشهر المقبلة، في وقت ينتظر أن تقدّم الأحزاب، خلال الجولة الثانية من المشاورات المنتظرة خلال الأيام المقبلة، تصوراتها بشأن القانون المالي التعديلي وخطة الإقلاع والتصورات الممكنة لاجتياز المرحلة الحالية، وتدبير المرحلة المقبلة التي تعدّ من المراحل الأصعب في زمن كورونا.
في سياق مماثل، من الواضح، أن حكومة العثماني ستكون ملزمة بشكل أو بآخر، على التجاوب مع مطلب بعض الأحزاب، خصوصا “حزب التقدم والاشتراكية” المعارض، بعدما طالب مكتبه السياسي بضرورة إعداد وتهيئة تعاقد سياسي جديد يستند إلى تفعيل الديمقراطية والحريات والمساواة، فضلاً عن ميثاق جديد يحفظ السلم الاجتماعي، بين الدولة والحكومة والنقابات وأرباب العمل، في أفق تدبير مرحلة ما بعد 10 يونيو وبدايات رفع الحجر الصحي تدريجيا بالمغرب.
وتحت طائلة التداعيات الاقتصادية التي ترخي بظلالها على المملكة، تبدو الحاجة ملحّة إلى وضع مشروع قانون مالي تعديلي للتخفيف من تداعيات أزمة كورونا على النسيج الاقتصادي المغربي، مع ما يتطلبه ذلك من مراجعة الفرضيات الاقتصادية الأساسية والتوقعات والمؤشرات المرتبطة بها، وهو ما يعني بالضرورة وضع توقعات جديدة للموارد والنفقات، بما فيها نفقات التسيير غير الضرورية ومراجعة اعتمادات الاستثمار العمومي.
وللإشارة، فإن الحكومة تجد نفسها،وحسب خبراء اقتصاديين،ومتابعين لزمن كورونا المغربي، باتت مطالبة بإقرار سياسة مالية وضريبية ملائمة، تأخذ بعين الاعتبار الصعوبات التي تعاني منها الشركات من جهة، ونزيف المالية العمومية من جهة ثانية، من دون الغرق في التقشف الذي قد يؤدي لانهيار المنظومة الاقتصادية، مما يستوجب إعداد مشروع قانون المالية التعديلي.